سرقة نظارة تطيح بزعيم حزب في النرويج وشبهات استغلال تلاحق آخرين

25 يوليو 2023
انتهت الحياة السياسية لزعيم حزب في النرويج لسرقته نظارة شمسية (Getty)
+ الخط -

برغم أن ساسة النرويج يعيشون في دولة نفطية ثرية، إلا أن بعضهم يقع ضحية "الجشع"، وفقا لوصف وسائل الإعلام المحلية، وبالتالي يصبح في قبضة الرأي العام الذي لا يروق له أن يكون من ينتخبهم "مخادعين وسارقين".

آخر من أسقطه الرأي العام كان زعيم حزب "الأحمر" اليساري بيورنار موكسنيس، الذي يشكل حزبه قاعدة برلمانية لحكومة تحالف يسار الوسط برئاسة يوناس غار ستورا، فقد ضبطته كاميرات المراقبة في أحد متاجر النظارات (هوغو بوس) في مطار أوسلو وهو يدس نظارة شمسية في جيبه دون دفع ثمنها. 

أُوقف عضو البرلمان وزعيم الحزب موكسنيس قبل وصوله إلى بوابة الصعود، حيث وجدوا النظارة في حقيبة اليد بعد نزع سعرها الذي لا يتجاوز 1200 كرونه نرويجية (120 دولاراً أميركياً تقريباً)، في السوق الحرة.

ومنذ بداية الشهر الحالي، وإثر "إجازة مرضية" لموكسنيس، انتشرت القصة، التي وقعت في 30 يونيو/حزيران الماضي. وأمس الاثنين، اضطر الرجل إلى توديع حياته السياسية التي استمرت لـ10 سنوات على رأس حزب "الأحمر" وحقق فيها قفزة كبيرة لحزبه.

السرقة التي أطلق عليها "بريللا غيت" (فضيحة النظارة)، بثتها بعض الصحف في شريط فيديو يظهر فيه زعيم الحزب وهو يجرب النظارة ثم يعيدها إلى مكانها قبل أن يعاود سرقتها بكل هدوء.

وبرغم أنها أطاحت به إلا أنه ما زال ينكر بعناد أنه سرقها، حيث يصر على أخذها بالخطأ "حين كنت مستعجلاً"، بينما الشرطة ترى أن الأمر ليس كذلك، استنادا إلى فيديو كاميرات المراقبة.

وقضية "فضيحة النظارة" ليست وحدها التي فتحت سجالا حيال قضايا تلاعب السياسيين بالمال والاحتيال والسرقة. فالمجتمع النرويجي بات يعيش جدلا حول نظافة الطبقة السياسية في بلده، بعد اندلاع عدد من القضايا الساخنة في السنوات القليلة الماضية. وإذا أصبح اليساري بيورنار موكسنيس من الماضي في عالم السياسة بأوسلو، فإن آخرين لا يزالون في البرلمان والحكومة وتطاولهم الشكوك بـ"الجشع" واستغلال المنصب.

يوم الجمعة الماضي، كان نائب رئيس حزب "الوسط" ووزير التعليم والبحث أولا بورتن موي "بطل" فضيحة أخرى من المحتمل أن تنهي حياته السياسية.

وقضية هذا الآخر أكثر خطورة من مجرد "أخذ نظارة" (كما يصر موكسنيس). فقد ضبط الوزير من خلال وسيلة إعلامية إلكرتونية هي "إي 24 النرويج"، وقد ابتاع أسهما في مجموعة التكنولوجيا والأسلحة النرويجية "كونغسبيرغ" بقيمة 300 ألف كرونه نرويجية.

شراء الأسهم ليس مشكلة بحد ذاتها، لكن من المفترض أنه على أعضاء البرلمان والسياسيين إبلاغ إدارة البرلمان بما يشترونه، ويجب أن تكون الأمور علنية، سواء كانت ملكية صغيرة أو كبيرة، ومن ضمنها الأسهم.

ولا يجوز قانونا الاستثمار في أسهم أو تداولها إذا كان "من المحتمل" أن تضعف الثقة في الوزير أو الإدارات أو الحكومة.

ولم يبلغ الوزير، وفق القواعد المعمول فيها في النرويج، عن أسهمه التي اقتناها منذ مطلع العام الحالي 2023.

وتبين، وفق ما نشرت وسائل الإعلام النرويجية التي فضحت القصة، أنه بعد أسبوع من اقتناء الأسهم كان أولا بورتن موي قد شارك في اجتماع حكومي حيث تمت مناقشة عقد بمليارات الدولارات لشركة تصنيع الذخيرة "نامو"، وهي شركة مملوكة جزئيا لشركة "كونغسبيرغ".

وقررت الحكومة في الاجتماع أنه ينبغي الموافقة على العقد الكبير للذخيرة الجديدة. وتبين أنه في ربيع العام الحالي، وبمشاركة الوزير نفسه، ذهبت الحكومة نحو زيادة طلبات الذخيرة إلى مبلغ يصل إلى ملياري كرونة، ما يرفع أسهم كونغسبيرغ.

وكُشف النقاب عن أن الوزير ذاته قام في السنوات الأخيرة بعدة استثمارات تخترق قواعد الحكومة المتعلقة باستثمارات وأموال الوزراء.

وعلى الأثر، اضطر رئيس وزراء حكومة ائتلاف يسار الوسط يوناس غار ستورا إلى إجراء تغيير حكومي، يوم الجمعة الماضي، بعدما أطاح السجال بالوزير بورتن موي، ليعلن أنه لن يترشح مجددا إلى البرلمان.

استغلال أوسع

معضلة الشفافية في السياسة النرويجية ليست جديدة، ولا تقتصر على القضيتين، بل إن السجال آخذ في التدرج بشأن "غش" الطبقة السياسية، وبين ساسة بارزين، في القضية المعروفة بـ"السكن المجاني في أوسلو". 

وعلى مدى عام كامل جرى الكشف عن أن أعضاء برلمان وساسة تنفيذيين استغلوا إتاحة القوانين لسكن مجاني لهم في أوسلو "إذا كان سكنهم الأصلي يبعد أكثر من 40 كيلومترا عن العاصمة". واتضح من كشف الصحافة أن عددا من السياسيين، وحتى الوزراء، استأجروا غرفًا صغيرة في مدن بعيدة عن أوسلو، أو سجلوا أنهم يعيشون مع والديهم، على الرغم من أنهم في الواقع امتلكوا منازل في أوسلو.

وأطاح الكشف بنائبة رئيس حزب العمل ورئيس الحكومة ستورا الوزيرة السابقة هادية تاجيك، إذ استقالت مضطرة بعدما أثيرت قضية "إساءة استخدام السلطة"، وهي التي كان يراهن عليها يسار الوسط في المستقبل.

كما أطاح الكشف بوزير الطفل والعائلات كيل إنفلوف روبتساد، حيث كان يملك منزلا في أوسلو ولكنه سجل أنه يعيش مع والديه على بعد أكثر من 40 كيلومترا عن العاصمة.

الأمر مثار تحقيق كبير يطاول عددا لا بأس به من السياسيين الذين ضبطوا يتربحون من تأجير مساكنهم دون إبلاغ الضريبة، بعد الانتقال إلى مساكن مجانية (على نفقة البرلمان)، مستفيدين من الميزات التي يحظى بها السياسيون في النرويج.

استقالات من يجري ضبطهم من قبل الرأي العام النرويجي تتوالى، حتى على أسباب يمكن وصفها بـ"تافهة" بالنسبة لبلدان أخرى ينخرها الفساد، مثل سرقة نظارة أو إساءة استخدام المال أو التربح. 

ويضطر الآن السياسيون إلى محاولة تسوية الأمور مع سلطات الضريبة لدفع ما يجب لأجل ألا تطيح الفضائح بهم كما فعلت بسابقيهم، مثلما حصل في خريف العام الماضي 2022 مع رئيسة البرلمان السابق إيفا كريستين هانسن.

المساهمون