بعد ساعات من زيارة لم تُعلنها القاهرة لرئيس الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، إلى تشاد، تلت مباشرة حضوره لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، توجه وزير الري المصري محمد عبد العاطي إلى جنوب السودان، أمس الإثنين، في زيارة تأتي في إطار محاولات مصر تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية، خصوصاً في شمالي وشرقي القارة. وتهدف المحاولات إلى حشد رأي عام أفريقي موالٍ للقاهرة، في مواجهتها الممتدة مع إثيوبيا في قضية سد النهضة. وتكتسب زيارة وزير الري المصري لجوبا، أهمية استثنائية، كونها ستركز على ملفين أساسيين: الأول هو زيادة الضغط لاستمالتها في مواجهة الضغوط الإثيوبية، لمنعها من التوقيع على الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل (المعروف باتفاق عنتيبي) في وقت حسّاس للغاية يمكن أن تلعب فيه جوبا دوراً داعماً لإثيوبيا حال توقيعها على هذا الاتفاق. أما الملف الثاني، فهو زيادة ضخّ المساعدات المالية والفنية المصرية لإحداث اختراق غير مباشر في الملف الأول.
تسعى القاهرة إلى حشد رأي عام أفريقي موالٍ لها، في مواجهتها الممتدة مع إثيوبيا
ومن بين صور التعاون التي سيتم تدشينها خلال الزيارة، افتتاح العمل في بعض الآبار والمشاريع المائية، والإعداد لاجتماعات الدورة الأولى للجنة العليا المشتركة بين البلدين المزمع عقدها في القاهرة في شهر يوليو/تموز المقبل، بعد تسع سنوات تقريباً من الاتفاق على عقدها، فضلاً عن تحديد سبل المساعدة الفنية من وزارة الري المصرية، لنظيرتها الجنوب سودانية في مشاريع تجفيف المستنقعات وتطهير الترع وغيرها.
إلا أن الأهم بالنسبة لمصر، هو التركيز على الملف الأول، وتجاوز ما سبق وصرّح به وزير الري في جنوب السودان، ماناوا بيتر، الذي قال في اجتماع مع السفير الإثيوبي بجوبا، في إبريل/نيسان الماضي، إن بلاده "تدعم حقوق إثيوبيا في الاستفادة من مواردها الطبيعية"، كاشفاً أنها "سوف توقع على الاتفاق الإطاري لحوض النيل، وستصدق عليه بمجرد انعقاد البرلمان". وأعلن بيتر بذلك تطوراً كبيراً، كانت إثيوبيا في أشد الحاجة إليه لدعم جهودها الموجهة ضد مصر والسودان، لإدخال الاتفاق الإطاري حيّز التنفيذ: أولاً ليلغي تحكم دولتي المصب في نصيب الأسد من المياه المتدفقة من دول المنبع، ويلغي عملياً الاتفاقيات السابق إبرامها في أعوام 1902 و1959 و1993، ويحرّر دول المنبع من القيود التي كانت تمنعها في الماضي من إقامة السدود والخزانات على نطاق واسع. وثانياً لتكون مقدمة لإجبار الدولتين على محاصصة جديدة لمياه النيل بالتوازي مع التوصل إلى اتفاق سد النهضة.
وإذا وقّعت جوبا رسمياً على الاتفاق وصادقت عليه، فسوف يرتفع عدد الدول المصدقة إلى خمس، هي: أوغندا وإثيوبيا ورواندا في عام 2013، وتنزانيا في 2015، بالإضافة إلى دولتين أخريين أعلنتا نيتهما التصديق برلمانياً على الاتفاق، بعدما وقعتا عليه بالفعل، وهما كينيا وبوروندي. ويحتاج هذا الاتفاق لدخوله حيّز التنفيذ وإيداعه لدى الاتحاد الأفريقي تصديق ست دول فقط، ولطالما عارضت مصر والسودان التوقيع عليه. وتحاول القاهرة تحديداً استخدام المساعدات بمختلف أنواعها، لإقناع الدول المعنية بعدم التوقيع أو عدم التصديق، لحين الاتفاق الشامل على جميع بنوده، وتعديل البنود المرفوضة من القاهرة والخرطوم. ومن أبرز هذه البنود، البند 14ب الخاص بالأمن المائي، حيث تطالبان بتضمينه نصّاً صريحاً يضمن عدم المساس بحصة مصر في مياه النيل وحقوقها التاريخية في مياه النيل، وذلك من خلال الإشارة للاتفاقيات التاريخية الموقعة بين مصر ودول حوض النيل وبين مصر والسودان. وتريد مصر أن يتضمن البند رقم 8 من الاتفاق، الخاص بالإخطار المسبق عن أي مشاريع تقوم بها دول أعالي النيل، اتباع إجراءات البنك الدولي في هذا الشأن صراحة، وأن يتم إدراج هذه الإجراءات في نصّ الاتفاقية، وليس في الملاحق الخاصة بها.
إذا وقّعت جوبا رسمياً على الاتفاق وصادقت عليه، فسوف يرتفع عدد الدول المصدقة عليه إلى خمس
كما تطالب مصر والسودان بأن يتم تعديل البند رقم 34 أ و34 ب، بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية والملاحق بالإجماع وليس بالأغلبية. وفي حال التمسك بالأغلبية، فيجب أن تشمل الأغلبية دولتي المصب مصر والسودان، لتجنب عدم انقسام دول حوض النيل ما بين دول المنابع التي تمثل الأغلبية، ودولتي المصب التي تمثل الأقلية.