كشف مسؤول فني مصري على صلة بملف أزمة السد الإثيوبي، لـ"العربي الجديد"، أن هناك تفكيراً رسمياً مصرياً في أحد السيناريوهات المطروحة للتعامل مع أزمة السد، وهو شراء المياه من أديس أبابا. يأتي ذلك فيما قالت مصادر مطلعة على جلسات التحضير للحوار السياسي الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيراً، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن الدائرة المقربة من الرئيس والمشرفة على الحوار المفترض، رفضت فكرة أن يكون الحديث عن أزمة السد أحد محاور هذا الحوار.
وقال المصدر الفني المصري إنه "تم أخيراً إعداد رؤية شاملة بمشاركة من جهات معنية عدة، كان من بين سيناريوهاتها، فكرة شراء المياه من إثيوبيا، ضمن الحلول المقترحة على المدى الطويل، وإعداد تصورات واضحة بحجم التكلفة الخاصة بمثل تلك الخطوة، مقارنة بعملية تحلية المياه من أجل أغراض الشرب، بخلاف التكلفة الخاصة بعمليات إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي للاستخدامات الخاصة بالري".
فكرة شراء المياه من إثيوبيا ضمن الحلول المقترحة على المدى الطويل
جلسات الحوار الوطني المصري وسد النهضة
من جهة أخرى، أوضح مصدر مطلع على ملف الدعوة الرئاسية الأخيرة للحوار الوطني، تلقّي مقترحات أولية متعلقة بتخصيص مسار خلال جلسات الحوار المرتقب، والذي من المقرر أن تنطلق أولى خطواته في الأول من يوليو/تموز المقبل، لأزمة السد، وفتح المجال للمتخصصين لطرح رؤى متعددة بشأن حل الأزمة والتعامل مع إثيوبيا، باعتبار أن القضية تمس الأمن القومي المصري.
في المقابل، كشف مصدر آخر شارك في جلسة تحضيرية للحوار، في أحد الفنادق التابعة لإحدى الجهات السيادية، تطرقت لمحددات الحوار الوطني ومحاوره المقترحة، أن مسؤولا بارزا في الدائرة المحيطة بالسيسي "أكد على ضرورة استبعاد أي ملفات خاصة بالحديث عن أزمة السد، ضمن مجموعة أخرى من الملفات التي وصف الحديث فيها خلال جلسات الحوار بالخط الأحمر".
تضاعف الجدل بشأن الحوار الوطني المصري
وتأتي هذه التحذيرات لتضاعف الجدل بشأن فكرة "الحوار الوطني" من أساسها، لا سيما بعد أن أعلنت "الحركة المدنية الديمقراطية" المصرية (تم تأسيسها أواخر عام 2017 وتضم عدة أحزاب وشخصيات عامة)، رفض الإجراءات التي أعلنت عنها "إدارة الحوار الوطني"، وقالت إنها تمثل "نهجاً أحادياً".
وعقدت الحركة اجتماعاً الخميس الماضي في مقر حزب "المحافظين" (أحد مكوناتها)، استمر حتى منتصف الليل، وضم أحزاب "الحركة المدنية الديمقراطية" وشركاءها الموقعين على بيان 8 مايو/أيار الماضي، والذي حدد ما وُصف بأنها "ضمانات إجرائية وموضوعية لضمان الوصول لحوار سياسي وطني جاد ومثمر".
وحسب بيان صادر عن الحركة، أول من أمس الجمعة، فقد اتفق المجتمعون بالإجماع على "عدم قبول البيان الصادر من إدارة الحوار الوطني مساء الأربعاء الماضي، لأنه مثل نهجاً أحادياً اجتزأ ما تم الاتفاق عليه في جلسات التشاور، والتي امتدت على مدار الشهر الماضي".
وأضاف بيان الحركة أن "بيان إدارة الحوار، استبق المشاورات التي لم تكن قد وصلت إلى اتفاق على نقاط أساسية، منها تسمية الأمين العام للحوار، بينما أورد ما تم الاتفاق عليه بشأن تسمية المنسق العام".
وأكد المجتمعون بمقر حزب المحافظين في بيانهم على "تجديد التزامهم القاطع بالبيان الصادر في 8 مايو، باعتباره الحد الملزم لهم جميعاً، سياسياً وأخلاقياً، للدخول في الحوار السياسي الوطني، والذي سبق لهم قبول دخوله مبدئياً بروح بناءة ونوايا حسنة".
أزمة السد ضمن مجموعة من الملفات التي وصف مسؤول بارز الحديث فيها خلال جلسات الحوار بالخط الأحمر
وكانت إدارة الحوار الوطني قد أعلنت في بيان، اختيار نقيب الصحافيين ضياء رشوان، منسقاً عاماً للحوار الوطني، بالإضافة إلى اختيار الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، المستشار محمود فوزي، رئيساً للأمانة الفنية للحوار الوطني، لافتة إلى بدء أولى جلسات الحوار في الأسبوع الأول من يوليو المقبل.
وأوضحت أن "أولى مهام المنسق العام للحوار الوطني تتمثل في بدء التشاور مع القوى السياسية والنقابية وكافة الأطراف المشاركة في الحوار، لتشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني من ممثلي كافة الأطراف والشخصيات العامة والخبراء، من 15 عضواً، بما يضمن المشاركة الفعالة والتوصل إلى مخرجات وفقاً للرؤى الوطنية المختلفة، وبما يخدم صالح المواطن المصري"، حسب البيان.
حديث مصري بلا صدى حول سد النهضة
ولطالما حرص السيسي في كل مناسبة أو لقاء مع أي مسؤول أفريقي أو دولي، على ذكر أزمة سد النهضة الإثيوبي، والتأكيد على تمسّك بلاده بضرورة التوصل لاتفاق قانوني شامل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، حتى أصبح ذلك الحديث مجرد "ديباجة" ومحفوظات يرددها أكبر مسؤول مصري من دون صدى على أرض الواقع، كما يرى خبراء ودبلوماسيون.
آخر تلك التصريحات، كان خلال لقاء الرئيس المصري وزيرة الخارجية التنزانية ليبراتا مولامولا، الخميس الماضي. إذ شدد، حسب بيان صادر عن مؤسسة الرئاسة، على "موقف مصر الثابت بالحفاظ على أمنها المائي وعلى الحقوق التاريخية المكتسبة في مياه النيل، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، على نحو يصون حق الأجيال الحالية والقادمة في مياه النيل، المصدر الأساسي للمياه لمصر".
لا تبدو هناك أي مؤشرات على تحركات مصرية إزاء إصرار أديس أبابا على الملء الثالث
تصريحات السيسي المتكررة تأتي فيما تستعد إثيوبيا للملء الثالث للسد مطلع يوليو المقبل، وسط توقعات بأنه سيكون أكبر من الملئين الأول والثاني، فيما لا تبدو هناك أي مؤشرات على تحركات مصرية إزاء إصرار أديس أبابا في هذا الصدد.
وأثارت تصريحات السيسي في المعرض والمؤتمر الطبي الأفريقي الأول، الذي انعقد أخيراً بمنتجع شرم الشيخ الساحلي، حالة من الاستياء الشعبي، وفي الأوساط السياسية المصرية. إذ شدد وقتها على "استبعاد الحلول العسكرية" من أجل الحفاظ على حصة مصر من مياه النيل.
وقال "لم ندخل في صراع مع أشقائنا الأفارقة من أجل زيادة هذه الحصة، عملنا على تعظيم مواردنا والحفاظ على كل قطرة مياه، من دون مبالغة، من أجل مواجهة التحدي، وهو فرصة وليس عائقاً، لذا عملنا على برامج لمعالجة المياه معالجة ثلاثية متطورة".
تراجع الدعم الأوروبي والأميركي لمصر في قضية سد النهضة
وبحسب مصادر فنية مصرية ودبلوماسية غربية في القاهرة، فإن حديث السيسي يأتي في أعقاب تراجع الدعم الأوروبي والأميركي أخيراً للموقف المصري.
ووفق مصدر دبلوماسي غربي في القاهرة، فإن الإثيوبيين كانوا أقدر خلال الفترة الماضية على عرض ملفهم على القوى الأوروبية الكبرى، بالشكل الذي خفض حماسة بعض الدول في تبنّي ضغوط على حكومة أديس أبابا.
وأكد المصدر أنه في فترة سابقة "كان هناك تصور أوروبي بتبني أديس أبابا نهجاً جائراً، بالشروع في مخططات بناء السد وعملية التخزين على حساب المصالح المصرية والسودانية".
وأوضح الدبلوماسي الغربي أن الفترة الماضية "شهدت لقاءات قام بها مسؤولون فنيون ودبلوماسيون رفيعو المستوى من إثيوبيا، مع مسؤولين غربيين، وطرحوا عليهم القضية من المنظور الإثيوبي".
ولفت إلى أن ذلك "شجع عددا من القوى الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، على إدخال تعديلات جوهرية على موقفها بشأن الأزمة، وتبني موقف أقرب للمحايد الذي يتبنى دوراً تحفيزياً للجلوس واستكمال المفاوضات، بعدما كان يميل أكثر لتبني نهج الضغط على أديس أبابا للتراجع عن بعض الخطوات المتعلقة بالسد".
الإثيوبيون كانوا أقدر خلال الفترة الماضية على عرض ملفهم على القوى الأوروبية الكبرى
وأخيراً، أكد المستشار الخاص لسياسة المناخ والطاقة الدولية في وزارة الخارجية الألمانية، السفير هنريتش تولكين، رغبة بلاده في مواصلة دعم الجهود على مستوى حوض النيل لتعزيز التعاون في المنطقة.
وأعرب تولكين، خلال لقائه الأسبوع الماضي المدير العام للشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الإثيوبية، فسيها شاول، عن دعم بلاده القوي للجهود الجارية من أجل تحقيق تقدم في المفاوضات الثلاثية التي يقودها الاتحاد الأفريقي بشأن سد النهضة.
وفي السياق، أكد السفير الإثيوبي لدى واشنطن سيليشي بيكيلي، أول من أمس الجمعة، أن بلاده على استعداد لاستئناف المفاوضات مع مصر والسودان بشأن سد النهضة، والذي سيكون أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا. وجاء تعليق المفاوض الإثيوبي السابق بشأن السد، خلال اجتماع مع المبعوث الأميركي الخاص الجديد إلى القرن الأفريقي، مايك هامر.
وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية، أول من أمس، أن تصريحات السفير تسلط الضوء على "اهتمام إثيوبيا باستئناف المفاوضات الثلاثية التي يقودها الاتحاد الأفريقي بشأن سد النهضة".
وفي وقت سابق أول من أمس الجمعة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، للصحافيين، إنّ ملء السد للمرة الثالثة سيتم في موعده هذا العام، مضيفاً "قلنا منذ بدء بناء السد، إنّ المحادثات الثلاثية ستستمر".
بدوره، أشار مدير مشروع السد، كيفلي هورو، في تصريحات صحافية له أخيراً، إلى "احتمال تضرر مصر والسودان من عملية الملء الثالث". وقال إن إثيوبيا "لن تسمح بوقف تشييد هذا المشروع، ولن تفعل ذلك ولن تسمح بتعطيله"، داعياً القاهرة والخرطوم إلى "التحلي بالعقلانية".