سد النهضة: تصاعد حرب التصريحات بين القاهرة وأديس أبابا

28 مارس 2023
سد النهضة، فبراير 2022 (أمانويل سيليشي/فرانس برس)
+ الخط -

بدا أن إثيوبيا تعمّدت الاحتفال بالانتهاء من 90 في المائة من إجمالي أعمال بناء سد النهضة، الجمعة الماضي، بعد ساعات قليلة من إلقاء وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم بيان مصر أمام الجلسة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه، مساء الخميس، الذي أشار فيه "إلى ضرورة عدم التعامل مع المياه وكأنها سلعة اقتصادية".

وأكد سويلم أن بلاده "تعتمد بشكل شبه مطلق على نهر النيل بنسبة 98 في المائة، ولديها عجز مائي يصل إلى 55 في المائة من احتياجاتها المائية"، مشدداً على "ضرورة مراعاة أن تكون إدارة المياه المشتركة على مستوى حوض النيل باعتباره وحدة متكاملة".

واستعرض سويلم ما وصفها بـ"الأخطار الناتجة عن التحركات الأحادية غير الملتزمة بتلك المبادئ والمتمثلة في سد النهضة الإثيوبي"، منتقداً "استمرار عملية البناء والملء بل والشروع في التشغيل بشكل أحادي خرقاً للقانون الدولي وإعلان المبادئ عام 2015 وبيان مجلس الأمن عام 2021"، مؤكداً أن "استمرار هذه الإجراءات يمكن أن يشكل خطراً وجودياً على 150 مليون مواطن".

نادر نور الدين: لا شيء في القانون اسمه حقوق تاريخية

وفي خضم احتفال إثيوبيا بالحدث، حسب ما أعلن المكتب الوطني لتنسيق المشاركة العامة في بناء السد، أفادت خدمة المغتربين الإثيوبية بأن المواطنين المغتربين، الذين يعيشون في عدة أجزاء من العالم، ساهموا بأكثر من 50 مليون دولار لبناء سد النهضة الإثيوبي منذ بداية المشروع حتى الآن.

مناوشات معتادة

وتعليقاً على ذلك، يرى أستاذ الموارد المائية والأراضي في جامعة القاهرة نادر نور الدين، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك مناوشات معتادة تحدث بين البلدين قبل موعد الملء الجديد، خصوصاً أن إثيوبيا والاتحاد الأفريقي تجاهلا قرار مجلس الأمن بسرعة استئناف المفاوضات، والوصول إلى نتائج يتوافق عليها الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا. ومرّ على القرار 17 شهراً، ولم يبذل أي من الاتحاد الأفريقي أو إثيوبيا أي جهد لسرعة استئناف المفاوضات وتنفيذ قرار المجلس".

ويعدّ نور الدين: "إعلان إثيوبيا بأنها انتهت من بناء 90 في المائة من السد أمراً ساذجاً، لأن مصر والسودان وافقتا على السد بمواصفاته وسعة تخزينه في مارس/ آذار 2015، ووقعتا على إعلان مبادئ الخرطوم، وبالتالي فهي سذاجة سياسية معتادة من إثيوبيا".

ويضيف أنه "أعقبت ذلك تصريحات بأن إثيوبيا لا تعترف بالحصة التاريخية لمصر والسودان، ولا تعترف بالاتفاقيات الاستعمارية، وهي أيضاً تصريحات تعكس سذاجة سياسية، لأنه لا يوجد شيء في القانون يُدعى الحقوق التاريخية، ولكن اسمه الحقوق المكتسبة، أي كمية المياه التي تعودت مصر على وصولها إلى أراضيها عبر آلاف السنين ومن خلال الانحدار الطبيعي للنهر من دون تدخل من مصر أو غيرها، وحتى العلم يعرّف تصرف أي نهر بأنه كمية المياه التي تصل إلى دولة المصب عبر الانحدار الطبيعي، وهو اعتراف بحقوق دول المصب".

من ناحية أخرى، يشير نور الدين إلى أن "قياس تدفقات نهر النيل المقدرة بحجم 84 مليار متر مكعب، هي التي تصل إلى مدينة أسوان كل سنة ومنذ آلاف السنين، وليس للاستعمار ولا أي دولة دخل في هذا، وعلى إثيوبيا أن تحترم التدفق الطبيعي للنهر كما قدّر الله له، فليس لإثيوبيا ميزة أنها دولة منبع ولا عيب على مصر أنها دولة مصب".

ويشدّد على أن "من حق مصر والسودان أن يعلما حجم التخزين الذي يتم كل عام وقبل أن يتم، ومن حقهما أن يعلما التشغيل لجميع التوربينات حتى تصل المياه المعتادة إليهما، وإلا يكون التشغيل بإرادة إثيوبية منفردة بعيداً عن شركائها في النهر، فهذا نهر دولي عابر للحدود وليس نهراً إثيوبياً ينبع ويصب في إثيوبيا".

تصريحات إثيوبيا سياسية

من جهته، يعتبر أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "إعلان إثيوبيا تحقيق نسبة 90 في المائة من بناء سد النهضة، هو في الواقع تصريح سياسي أكثر مما هو واقعي، فوفقاً للمعطيات الفنية على أرض الواقع، من الممكن جداً أن تكون نسبة إنجاز البناء، أي معدلات صب الخرسانة قد وصلت إلى 90 في المائة، ولكن هذا على عكس ما يحدث من إنجاز على المستوى الميكانيكي والكهربائي، والتي أعتقد أن نسبة الإنجاز بهما ما زالت أقل من 50 في المائة".

وعن رد الفعل في مصر كدولة مصب على الإعلان الإثيوبي، يرى حافظ أنه "كما تعوّدنا في السنين السابقة، سيصب الإعلام المصري غضبه، ويكثف هجومه على إثيوبيا لرفضها التوقيع على اتفاقية ملزمة، لكن السؤال الحقيقي الذي لا يطرحه هذا الإعلام هو: ملزمة بماذا؟ فحتى هذه اللحظة تتكتم الدولة المصرية على أهدافها الخاصة بالاتفاق الملزم. ولا أحد يعلم ماذا تريد السلطة المصرية من إثيوبيا كي تلتزم به، وأعتقد أن الأمر لن يزيد عن الحرب الكلامية التي تعودنا عليها، وشجب متكرر من جانب الحكومة المصرية لانفراد إثيوبيا بالقرار وعدم الوصول إلى حل توافقي".

محمد حافظ: لا أحد يعلم ماذا تريد السلطة المصرية من إثيوبيا كي تلتزم به

أما أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي، فيوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة البناء التي أعلنتها الحكومة الإثيوبية في بناء سد النهضة، والاحتفال بالوصول إلى 90 في المائة من بناء السد، هي نسبة غير دقيقة، فالحكومة الإثيوبية ترغب في امتصاص غضب الشعب نتيجة التأخير في جدول بناء السد حسب المقرر له".

ويشرح شراقي أن "الحكومة الإثيوبية أعلنت سابقاً أنها ستنتهي من بناء سد النهضة بالكامل في عام 2017، ثم تم تأجيل الموعد إلى 2021، ومرة أخرى تأجل إلى 2023، والآن نحن بصدد الحديث عن الانتهاء من بناء السد في 2025". ويضيف شراقي: "يرجع تأخير بناء السد لأسباب عديدة، منها الفنية، كحاجة السد إلى تركيب 13 توربيناً، لم يتم تركيب سوى اثنين منها فقط حتى الآن، لأنها عملية دقيقة جداً، وهناك أيضاً معوقات اقتصادية، وأخرى أمنية تسببت بها الحرب الأهلية في إقليم تيغراي".

وبحسب شراقي، فهي "ليست المرة الأولى التي تعلن فيها السلطات الإثيوبية عن نسب غير دقيقة أو مواعيد انتهاء غير صحيحة، فالنسب الحقيقية لبناء السد هي حوالي 78 في المائة (75 في المائة خرسانة، 70 في المائة كهرباء)، وعلى الرغم من ذلك، فإن إعلان إثيوبيا عن نسب بناء غير صحيحة ومبالغ فيها غالباً ما يكون موجهاً للداخل الإثيوبي، وكانت السلطات الإثيوبية قد أعلنت أكثر من مرة خلال السنوات الماضية عن نسب غير دقيقة للبناء ومواعيد انتهاء لا تلتزم بها. ففي عام 2018 أعلنت إثيوبيا الانتهاء من السد بالكامل في 2022، وهو ما لم يحدث، ثم أعلنت في 2019 اكتمال نسبة 70 في المائة على أن ينتهي البناء بالكامل عام 2023، وهو ما لم يحدث أيضاً".

المساهمون