قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن ملف سد النهضة يشهد حالياً جهوداً مشتركة بين مصر والسودان وتونس لإعادة تجميع الوساطات، وتكثيف الاتصالات على الصعيد الدولي وداخل مجلس الأمن، لحمل إثيوبيا على العودة غير المشروطة لطاولة المفاوضات، تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، أو بمشاركته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأضافت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن الزيارة المفاجئة التي أجراها مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، منذ ثلاثة أيام إلى الخرطوم، كانت في إطار تدعيم أحد مسارات الوساطة المحتملة في القضية، وهو المسار الذي تطرحه إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة، بحيث يكون للجانبين دور فعال خلال الفترة المقبلة، لمنع إيقاع أي ضرر بدولتي المصب جراء سد النهضة، خصوصاً السودان الذي سيكون المتضرر الأكبر من أي مشكلة إنشائية قد تطرأ على السد، كما وأنه يتضرر من حالة عدم وضوح الرؤية وغياب التنسيق القائم حالياً بسبب التعنت الإثيوبي.
ترغب مصر في تدعيم صورتها كحليف يُعتمد عليه لإدارة بايدن في المنطقة
وذكرت المصادر أن الاتصالات الأخيرة، قبل زيارة كامل، حملت إشارات لحرص الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي على تطوير علاقات الأخيرة مع السودان، كجزء من المشهد الجديد الذي يريد البيت الأبيض حالياً رسمه للشرق الأوسط. ويكرر الرئيس الأميركي جو بايدن في ذلك مساعي إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي بُذلت العام الماضي بوساطات إماراتية وسعودية أسفرت بالفعل عن بعض الزيارات الإسرائيلية للسودان، وإجراء اتصالات متقدمة على مستويات عسكرية، واستخباراتية، واقتصادية، بمباركة من المكون العسكري في السلطة، رغماً عن التحفظ الحكومي الشكلي من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك. لكن الاتصالات هذه المرة تُجرى في الأساس بالاشتراك مع مصر، والتي ترغب في تدعيم صورتها كحليف يُعتمد عليه، وساعد قوي لإدارة بايدن في المنطقة، كبديل عن الدولتين الخليجيتين. وتعتقد دائرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أن دخولها على خط الاتصالات بين الخرطوم ودولة الاحتلال سيمكنها من الإمساك بزمام المبادرة في العلاقة، بحيث يتم التركيز على مجالات مفيدة للأطراف الثلاثة، اقتصادياً وأمنياً، وللحصول على ما يمكن التوصل إليه من تنازلات إثيوبية في ملف سد النهضة، بعيداً عن التعاون العسكري المباشر.
وذكرت المصادر أن مصر تعي جيداً أن السودان يمثل مصدر اهتمام للسعودية والإمارات ودولة الاحتلال، بسبب احتياجاته المتزايدة للمساعدات في جميع المجالات لإعادة تأهيل المرافق والخدمات والسدود وشبكات المياه والصرف الصحي، وتنمية فرص الاستثمار، خاصة في المجالات الزراعية والإنتاج الحيواني بعد إنشاء سد النهضة، والذي سينعكس بالإيجاب على قدرات السودان الزراعية وسيمكنه من وضع خطة مستدامة لري الأراضي طوال العام، إذا تحقق التكامل بين أكبر سد في القارة الأفريقية والسدود السودانية المحلية، التي تسعى الحكومة لزيادة طاقتها الاستيعابية وترميمها، لا سيما بعد الفيضان الذي عانت منه البلاد العام الماضي. وبالتالي، تركز الجهود المصرية على توجيه الاتصالات في هذا الصدد إلى الملفات التنموية التي يسهل للقاهرة الدخول فيها كشريك، أو بصورة لصيقة ومباشرة، مثل التعاون الزراعي والتكامل الكهربائي، فضلاً عن المشروعات التي سبق النقاش حولها، العام الماضي، في مجال الطاقة واستكشاف إمكانيات المناطق الاقتصادية بالبحر الأحمر.
وحول ما يمكن لإسرائيل تقديمه في ملف سد النهضة تحديداً، في ظل إعلان مسؤوليها المتكرر عن دعم إثيوبيا ومشروع السد، قالت المصادر إن الاتصالات لم تكشف حتى الآن شكلاً محدداً للوساطة، لكن واشنطن تدعم تدخل حكومة نفتالي بينت للتقريب بين وجهات النظر، من منظور التوتر القائم بينها وبين أديس أبابا، وأن بينت قد يكون مقبولاً للتعامل مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد حالياً بصورة أكبر من المسؤولين الأميركيين.
اتصالات لتحييد روسيا والصين لعدم الممانعة في إصدار بيان عن مجلس الأمن بشأن السد
يشار إلى أنه لم يتم تخصيص مسؤول أميركي كبير لتولي الملف حتى الآن، منذ فشل جولة الوساطة التي أجراها المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان في مايو/أيار الماضي، على خلفية الموقف الأميركي المعارض لأبي أحمد من النزاع الأهلي الداخلي وحرب تيغراي، والعقوبات المفروضة على عدد من القادة الإثيوبيين. وبالتوازي مع هذا التحرك، أوضحت المصادر المصرية أن البعثات الدبلوماسية لمصر، والسودان، وتونس، في الأمم المتحدة، تقوم بعمل جماعي حالياً للترويج لمشروع القرار الذي سبق لتونس التقدم به لمجلس الأمن ولم يبت فيه رسمياً، والإسراع في تنفيذ فحواه، بالعودة السريعة إلى المفاوضات بخريطة طريق محددة لا تستغرق أكثر من 6 أشهر، ووقف الإجراءات الأحادية. وأشارت إلى أن الاتصالات تركز حالياً على تحييد روسيا والصين من أجل عدم ممانعتهما إصدار بيان بشأن القضية، يحمل توصيات محددة بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وربما يحمل فحوى مشروع القرار دون الاضطرار لطرحه للتصويت والفشل في تمريره. وتأتي في هذا السياق الاتصالات الأخيرة بين القاهرة وموسكو لتجاوز التوتر الذي أصاب العلاقات الثنائية بين البلدين، والخطاب السوداني الرسمي، الصادر أمس الأول، إلى الخارجية الروسية، ينبئها فيه بانسداد الموقف التفاوضي الحالي في قضية السد، قبل أيام من انعقاد جولة المباحثات التنسيقية التاسعة بين البلدين في موسكو، حيث ترغب دولتا المصب في تحريك الموقف الروسي ليصبح محايداً أو وسيطاً.
في غضون ذلك، قال مصدر فني مصري مطلع إن إثيوبيا عادت لإجراء عدة أنشطة إنشائية في السد، بعد توقف دام نحو خمسة أسابيع، في ظل تراجع كميات المياه الواردة من بحيرة تانا، مع استمرار تدفق المياه من الممر الأوسط، ما يعني عدم حجز كميات إضافية وعجز إثيوبيا عن التعلية لزيادة كميات المياه المخزنة. ورجح المصدر أن تكون هذه الإنشاءات في إطار الاستعداد للملء الثالث، برفع وتبطين حدود الخزان غير المعرضة حالياً للمياه، بالإضافة إلى الاستعداد للتشغيل التجريبي لمولدات الكهرباء.