سد النهضة: اتصالات مجلس الأمن تبدأ بأوروبا

24 يونيو 2021
مخاوف من تأثير السد على سلامة وأمن من يعيشون على ضفاف النيل (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

بدأت مصر اتصالات دبلوماسية واسعة مع مفوضية الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية، خصوصاً فرنسا وبريطانيا العضوين الدائمين في مجلس الأمن، وأستونيا والنرويج وأيرلندا الأعضاء الحاليين، لحشد رأي عام ضاغط داخل المجلس والجمعية العامة للأمم المتحدة، للخروج من المحاولة الحالية لتدويل قضية سد النهضة بفوائد أكثر إيجابية مما تم في الصيف الماضي بعد عقد جلسة مجلس الأمن الشهيرة في يونيو/حزيران الماضي حول السد، والتي أسفرت عن استئناف المفاوضات في حينه تحت لواء الاتحاد الأفريقي. علماً بأنه لم تفلح هذه النتيجة في إلزام إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق نهائي حول قواعد ملء وتشغيل السد.
وبعد ما نشره "العربي الجديد" يوم الإثنين الماضي، عن تنسيق مصري سوداني لرفع شكوى سودانية إلى مجلس الأمن بشأن سد النهضة؛ أعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة السودانية، السفير عمر الفاروق، أول من أمس الثلاثاء، أنّ وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، طالبت مجلس الأمن بعقد جلسة في أقرب وقت ممكن لبحث تطورات الخلاف حول سد النهضة، وأثره على سلامة وأمن الملايين من الذين يعيشون على ضفاف النيل الأزرق والنيل الرئيسي في السودان ومصر وإثيوبيا.

من المستبعد حدوث أي تحول في موقفي الصين وروسيا

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن المرحلة الأولى من الاتصالات المصرية في أعقاب تقدّم السودان بشكوى رسمية وطلب عاجل لتحديد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة القضية قبل إتمام الملء الثاني للسد، تركز في الأساس على الدول الأوروبية، باعتبارها الأقوى والأكثر تأثيراً من الناحية العملية، ليس فقط داخل مجموعة الأعضاء الخمسة الدائمين (في إشارة لفرنسا وبريطانيا) إذا ما أُضيفت لهما الولايات المتحدة التي تميل للموقف المصري السوداني، بل أيضاً خارج هذه المجموعة داخل المجلس وفي الجمعية العامة، من خلال التأثير على الدول الصغيرة والهامشية. فأستونيا ترأس المجلس حالياً، أما النرويج، فكانت لها مواقف إيجابية تجاه موقف دولتي المصب خلال عرض القضية في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية.
وفي المرحلة التالية ستجري مصر، بحسب المصادر، اتصالات مكثفة بالأعضاء الحاليين في مجلس الأمن الذين يُصادف أن بعضهم على قدر من الأهمية الكبيرة في محيطهم الإقليمي مثل الهند والمكسيك، لا سيما وأنّ الأولى تجمعها بالصين علاقة متوترة بسبب خلافات الأنهار التي وصلت إلى حد المناوشات العسكرية العام الماضي، وأخذاً في الاعتبار الموقف الصيني الرافض لتدويل أي قضية تخص الأنهار العابرة للحدود، واستخدامها المحتمل لحق النقض "الفيتو" ضد أي مشروع قرار لصالح مصر والسودان كما هددت العام الماضي.
وعلى النقيض من موقف تونس المساند لمصر والسودان، يأتي موقف النيجر العضو الثاني الممثل لأفريقيا في المجلس مؤيداً لاستمرار مسار المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي وحده ورفض التدويل. أما بالنسبة لفيتنام ودولة سانت فينسنت وغرينادين، فهناك تفاؤل مصري بوقوفهما إلى جانب دولتي المصب، قياساً بموقف الأولى الرافض للملء الأول، وبالتنسيق الناجح مع الثانية في قضية اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وبعض الملفات الأخرى.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وشددت المصادر على أنّ أقصى ما يمكن تحقيقه من هذه الجولة بناء على الشكوى السودانية والملفات المصرية التي قُدمت سلفاً منذ عشرة أيام، الإسراع في عقد جلسة عن بُعد يُدعى إليها وزراء خارجية الدول الثلاث، والقدرة على الدفع بمشروع قرار لمناقشته وخروجه في شكل بيان لمطالبة إثيوبيا بالالتزام الحرفي باتفاق المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015 وعدم الإضرار بالشعبين العربيين. وهو ما قد يؤدي إلى تفاعل أكبر من الدول الأوروبية، وكذلك من الصين وروسيا، لدفع أديس أبابا لتقديم تنازلات والتوصل إلى اتفاق نهائي، سواء على مرحلة واحدة كما تتمنى مصر، أو على مرحلتين آنية ومستقبلية محكومة بجدول زمني، كما اقترح السودان أخيراً.
وذكرت المصادر أنه من المستبعد للغاية حدوث أي تحول في موقفي الصين وروسيا -خاصة الأولى- من أجل عدم اعتبار جلسة مجلس الأمن المقترح عقدها لمناقشة أزمة دولية على المياه العابرة للحدود "سابقة يمكن تطبيقها مستقبلاً". إذ إنّ الصين لديها بالفعل العديد من المشاكل الحدودية والسيادية المتعلقة بمناطق تشقها الأنهار، مما يجعلها تتخوف من أن تساهم اليوم في إرساء قواعد للتدخل الأممي لحل مثل هذه المشكلات، ولذلك فهي تفضل دائماً الترويج لفكرة حرصها على إجراء حوار خاص بين أطراف النزاع للتوصل إلى قواعد إطارية خاصة، بعيداً عن مجلس الأمن، كما تسعى هي حالياً لفرض الأمر الواقع في نزاعها الحدودي مع الهند.

مفوضية الاتحاد الأوروبي جددت عرضها لوساطة فنية إيجابية

وفي العام الماضي، أبلغ وزير الخارجية الصيني وانغ يي، نظيره المصري سامح شكري بموقف بلاده صراحة قبل ساعات من عقد الجلسة، ودعاه لأن تسحب مصر شكواها من مجلس الأمن لما تمثله من خطورة على مستقبل العديد من النزاعات التي قد تنشأ لدى الصين وروسيا وغيرهما من الدول، ملوحاً بإمكانية لعب الصين دوراً وسيطاً لحل الأزمة ودياً. وهو ما رد عليه شكري بأن مصر متمسكة بالسير في طريقي مجلس الأمن والمفاوضات معاً حتى تضمن جدية الإثيوبيين الذين سبق لهم التلاعب وإهدار فرص الوساطات والمفاوضات أكثر من مرة طوال عقد كامل.
وذكرت المصادر أن الاتصالات المصرية الحالية تحاول التصدي أيضاً لضغوط الصين لإقناع مجموعة الـ77 النامية بدعم الموقف الإثيوبي، مستهدفة تكرار استصدار مواقف جيدة لصالح دولتي المصب من كل من الدومينيكان وإندونيسيا وفيتنام كما حصل العام الماضي، وهي الدول التي تحدثت صراحة عن ضرورة وقف أي أعمال أحادية من شأنها تعقيد الأوضاع، والمقصود بذلك ضرورة امتناع إثيوبيا عن إجراءات الملء لحين التوصل إلى اتفاق شامل.
وأضافت المصادر أنّ مفوضية الاتحاد الأوروبي جددت عرضها للوساطة الفنية الإيجابية لحلّ القضية على أساس المقترح السوداني لتجزئة الاتفاق والذي تراه المفوضية قابلاً للتنفيذ ولتحقيق المنشود من الجانبين، الأمر الذي رحبت به مصر وطالبت بإعلانه رسمياً لتحريك المياه الراكدة.

من ناحيتها، تتمسك إثيوبيا بعدم الخروج من ساحة الاتحاد الأفريقي ليس فقط بسبب التعاطف والعلاقات القوية بين الطرفين، ولكن لأن لديها تصوراً بأنه يمكنها الزج بمادة في الاتفاق تجعل من الاتحاد الأفريقي مرجعية توفيقية "دبلوماسية" في حالة الخلاف مع مصر والسودان، وهو أمر ترفضه الدولتان اللتان تتمسكان بتنظيم آلية "قانونية" واضحة للتحكيم على ضوء الاتفاق الملزم المزمع الوصول إليه وكذا اتفاق المبادئ.
وخلال جلسة الصيف الماضي حاولت إثيوبيا في خطابها استغلال بعض المواقف والعبارات التي سبق لمصر استخدامها، لمصلحتها، فأشار ممثلها تايي أثقلاسيلاسي -والذي كان سفيرها في مصر قبل عامين- إلى أن مصر لديها إمكانية تحلية مياه البحر كبديل لتقليل حصتها من النيل، علماً بأن من أشار لهذه الإمكانية سلفاً، ولكن في إطار الحديث عن شح مصادر المياه في مصر، هو رئيسها عبد الفتاح السيسي، مما يعكس ضرورة الحذر في تناول مثل هذه النقاط التي تستغلها إثيوبيا ليس فقط في الخطابات الرسمية، ولكن -وهو الأهم- في جهودها الترويجية الإعلامية والسياسية في الدوائر الغربية.
يذكر أن المفاوضات الفنية انتهت حتى الآن إلى الاتفاق فقط على قواعد الملء الأول الذي تم بالفعل، وحجم التدفق البيئي، والمبادئ التوجيهية للملء، والقواعد العامة لإدارة فترات الجفاف، وقواعد سلامة السد والمساعدة في استمرار تشغيله، ودراسات التقييم، وموعد تطبيق تلك القواعد، وهي لا تتعارض مع البنود التي ما زالت في إطار التفاوض، والتي هي بطبيعتها أكثر تفصيلية، وأبرزها منسوب المياه المطلوب ضمان استمراره لبحيرة سد النهضة في حالات الشح المائي والجفاف الممتد.

المساهمون