أثار البيان الذي أصدره معتقلو سجن بدر في مصر جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية، لما تناوله من شرح لأوضاعهم المعيشية شديدة السوء، في ظل تجاهل من المسؤولين لصرخاتهم ومعاناتهم داخل السجن، التي وصلت إلى حد الانتحار.
وتمكن عدد من نزلاء سجن "بدر 3" من تسريب بيان أشبه بنداء استغاثة بسبب ما يتعرضون له من انتهاكات لحقوقهم، ومن تنكيل من إدارة السجن، منذ لحظة انتقالهم، مثل الإهمال الطبي، وسوء الأوضاع المعيشية، وعدم ممارستهم حقهم القانوني في التريض خارج الغرف.
الأمر الذي دفعهم إلى الدخول في مشادات مع إدارة السجن، تطورت إلى إضرابات عن الطعام منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما نتجت عنه زيادة في عدد الوفيات، سواء بسبب عدم وجود رعاية صحية، أو بسبب لجوء بعض السجناء إلى الانتحار بعد أن فقدوا الأمل في خروجهم من السجن أو تحسين أوضاعهم. وكشف البيان عن محاولات انتحار لـ3 معتقلين على الأقل: فارق أحدهم الحياة بعد أن شنق نفسه، وآخران قطعا شرايين أيديهما.
كما دخل المرشد العام لـ"الإخوان المسلمين" محمد بديع في إضراب عن الطعام، وتعرّض سجين آخر لأزمة قلبية نتيجة التعامل الوحشي من القوة الأمنية. وقال المدير التنفيذي لمنظمة "كوميتي فور جستس" أحمد مفرح، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد تحقيقات جدية في حالات الوفاة التي تحدث داخل السجون المصرية ومقار الاحتجاز منذ عام 2013، والمنظمة رصدت استمرار السياسات المتبعة من إدارات السجون لانتهاك وتعذيب المعتقلين، ما يؤدي لمخاطر تهدد حياتهم".
وأضاف: "يتعرض السجناء في بدر 3 إلى إهمال شديد يؤثر على حقهم في الحياة، وتعذيب ممنهج، وسوء ومعاملة، وحرمان من حقوقهم الأساسية التي نصت عليها لائحة السجون، وأبرزها منعهم من الزيارة ومن التريض، إلى جانب التلكؤ في تنفيذ الإجراءات المتبعة لأصحاب الأمراض المزمنة، ما يعرض حيواتهم للخطر".
وكانت "كوميتي فور جستس" قد وثّقت 5 حالات وفاة في سجن "بدر 3" في الفترة من 5 أكتوبر حتى 25 ديسمبر/كانون الأول 2022، بسبب الإهمال في الرعاية الطبية، وإحداها لسجين بسبب مضاعفات إضرابه عن الطعام.
سجن "بدر 3"
وتمكّنت "العربي الجديد" من الوصول إلى رسالة مسرّبة من أحد سجناء "بدر 3"، ذكر فيها: "أشعر أن الأمن أرسلنا إلى هذا السجن الجديد في وسط الصحراء، كي نموت هنا ولا يشعر بنا أحد".
وافتتحت السلطات المصرية مجمع سجون بدر في نهاية عام 2021، ضمن ما يُسمى "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، وضمن دعاية رسمية لرغبة الدولة في تحسين ظروف الحبس، وبناء سجون حديثة تتوافق مع فلسفة العقوبة، وتتوفر فيها المعايير الإنسانية والمتطلبات الأساسية للنزلاء، والبدء في إخلاء بعض السجون القديمة سيئة السمعة، كمنطقة سجون طرة.
حليم حنيش: أغلب نزلاء سجن بدر 3، نُقلوا من سجن العقرب، وهم ممنوعون من الزيارة
وقال المحامي الحقوقي حليم حنيش لـ"العربي الجديد": "بدأت المشكلة منذ لحظة نقل السجناء إلى سجن بدر، خصوصاً هؤلاء الذين نُقلوا من سجن شديد الحراسة 1 (الشهير بسجن العقرب سيئ السمعة في منطقة سجون طرة)، حيث استبشر المعتقلون خيراً بهذه الخطوة بسبب معاناتهم من ظروف صعبة في سجن العقرب، فكان لديهم تخيل عن سجن جديد بأسلوب إدارة مختلف وإجراءات إنسانية في التعامل وتحسين أوضاعهم المعيشية، في ظل الدعاية الرسمية من الدولة عن الاهتمام بحقوق الإنسان وانطلاق الحوار الوطني منذ عام".
وتابع: "لكنهم صُدموا بأن العقلية الأمنية نفسها لم تتغير وما زالت مسيطرة على المشهد، وكل ما حدث هو تغيير في أسماء السجون، من العقرب إلى بدر 3".
وأضاف حنيش: "الناس أصابها الاكتئاب الشديد نتاج صدمة الظروف المسيئة، وعدم تغير سياسات السجن، الأمر الذي دفع بعضهم إلى الإضراب عن الطعام أو الانتحار بسبب فقدانهم الأمل في الخروج، أو تحسين أوضاعهم على أقل تقدير".
وأكد أن الدولة "استخدمت مزايا السجن الجديد في تكدير المعتقلين والإساءة إليهم، فالغرف مضاءة بالكشافات 24 ساعة، وكذلك الشفاطات المسؤولة عن التهوئة، إلى جانب الكاميرات المنتهكة خصوصية المعتقلين داخل غرفهم".
ولفت إلى أن "هذا الوضع أثر سلباً على الحالة النفسية والعصبية للمعتقلين، الذين انتقلوا من سجن شديد الظلمة والهدوء، إلى آخر يملؤه ضجيج الشفاطات ومضاء ومراقب طوال الوقت".
وتابع حنيش: "أغلب نزلاء سجن بدر 3، نُقلوا من سجن العقرب، وهم ممنوعون من الزيارة منذ سنوات". ولفت إلى أن "بعض الأهالي ذهبوا لزيارة ذويهم في السجن الجديد، فأخبرهم الضابط المسؤول أن سجن بدر 3 لا توجد فيه قاعة للزيارة من الأساس، وبعض السجناء الذين سُمح لهم بالزيارة في سجن بدر 3، نُقلوا إلى سجن بدر 1".
واعتبر أن ذلك "يعطينا مؤشراً واضحاً لنيّة الأمن في التشديد على نزلاء السجن، الممنوعين من أبسط حقوقهم كالتريض خارج الزنازين، حتى إن زيارة الطبلية (السماح بدخول بعض الطعام والملابس والأدوية، من دون رؤية السجين أهله) التي كانوا يسمحون بها على فترات في سجن العقرب، ألغوها في السجن الجديد".
وأضاف حنيش: "بدأ المعتقلون في الاعتراض والدخول في إضرابات من أجل تحسين الظروف ومن أجل توفير الرعاية الطبية، وقوبلوا بتعنت مقابل وعنف من قوات الأمن، الأمر الذي تسبب في أزمات صحية للبعض، ودفع آخرين إلى محاولات الانتحار، فضلاً عن انتهاك حقوق المحبوسين احتياطياً في العرض الدوري على المحكمة للنظر في أمر تجديد حبسهم".
قريب لمعتقل: ما نعرفه عن سجن بدر أنه أقرب لمقبرة بأسوار عالية
في السياق، أرسل المحامي خالد علي، الأربعاء الماضي، برقية إلى النائب العام ووزير الداخلية ومساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، لمناشدتهم السماح للأسر بزيارة المتهمين وتمكينهم من حقوقهم الدستورية، وفتح تحقيق حول حالات الوفيات داخل السجن وأسبابها، وحول شكاوى المتهمين وأسرهم. يأتي هذا البلاغ بعد أن تم تأجيل النظر في تجديد حبس المتهمين المودعين بسجن بدر 3 يومين متتالين، بزعم وجود عيب تقني يحول دون إمكانية عقد الجلسات.
حكاية سجين في "بدر 3"
وتواصلت "العربي الجديد" مع أحد أفراد أسرة معتقل في سجن "بدر 3" حاول الانتحار أخيراً، وتلقت الأسرة الخبر بصدمة كبيرة، خصوصاً أنهم لا يعرفون عنه أي أخبار منذ نُقل إلى سجن بدر.
وأضاف المصدر أن قريبه أوشك على إتمام 7 سنوات داخل السجن، وهو ممنوع من الزيارة منذ بداية حبسه، الذي انتقل خلاله بين سجون: "شديد الحراسة 2"، و"شديد الحراسة 1"، وأخيراً سجن "بدر 3". وأُلقى القبض عليه في عام 2016، وتم إخفاؤه قرابة شهر، تعرض خلاله لصنوف مختلفة من التعذيب، ثم أُلحق على ذمة قضية تتضمن أحداث عنف حدثت وقائعها في أثناء اختفائه، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات.
وأضاف المصدر أنه "لم تكن الأوضاع دائماً شديدة السوء في سجن العقرب، كانت تتراوح بين العادي والسيئ والأسوأ، لكن منذ نُقل(قريبه) إلى سجن بدر، والأوضاع في غاية السوء، وكل الأخبار التي تصل إلينا تزيدنا قلقاً. ما نعرفه عن سجن بدر أنه أقرب لمقبرة بأسوار عالية، لا يسمح لهم بالزيارة أو التريض، ولا يطفئون عليهم الأضواء، ويراقبونهم بالكاميرات طوال الوقت داخل الغرف، في مشهد مرعب لانعدام الخصوصية".
وتابع المصدر: "بسبب انقطاع أي طريقة للتواصل، نحن لا نعرف عنه أي أخبار، حتى محاولة انتحاره عرفناها بالصدفة من الأخبار المسرّبة، ولا أعلم ما تعرض له قريبي في الفترة الأخيرة كي يدفعه لمحاولة الخلاص من حياته، فما أعلمه عنه جيداً أنه شخص موهوب ومتفائل، وفي أشد اللحظات سوءاً وظلمة يجد لنفسه أملاً ومخرجاً للنجاة والاستمرار، ولا أتخيل كمّ القسوة والظلم الذي تعرض له كي يفكر في الانتحار".
واستدرك المصدر بالقول: "عندما أشاهد دعوات الحكومة والحملات الدعائية مثل حياة كريمة، أقول لنفسي إننا لا نحتاج حياة كريمة، بل نحتاج أن يتركوا لنا الحياة فقط. ربما حلمنا بالإفراج عنه ضرب من ضروب الخيال، لكن نتمنى أن يُعامل في سجنه بشكل إنساني على الأقل، أن نتمكن من رؤيته والاطمئنان عليه، وليس أن تصل إلينا أخبار انتحاره من دون التأكد من بقائه على قيد الحياة من عدمه".