سباق غربي ـ صيني على أفريقيا

16 ديسمبر 2022
أعمال بناء في كينيا بتمويل صيني، أكتوبر 2020 (بونيفاس موثوني/Getty)
+ الخط -

خلال العقدين الأخيرين كانت القارة الأفريقية، الأضخم بعد آسيا سكانياً وأسواقاً، تشهد اندفاعاً صينياً رفع من حجم التبادل التجاري أكثر من 35 في المائة، وتجاوز العام الماضي 264 مليار دولار. الصينيون في السنوات العشر الأخيرة استغلوا "الانكفاء" الأميركي والغربي عن القارة، التي عاشت مآسي تركة الاستعمار القديم، وأشكاله الأخرى الحديثة، التي رفعت في الظاهر شعارات حقوق الإنسان، بينما في الباطن لم تأبه كثيراً سوى لتحقيق المصالح.

التذمر الأفريقي من سياسات "الدروس الأخلاقية" الغربية، في الوقت الذي كانت فيه دول وشعوب تعيش على حافة الفقر، وبعلاقة مشبوهة ببعض انقلابييها، عبّد الطريق لجحافل الاستثمارات الصينية الضخمة، وسياسات إقراض حوّلت أفريقيا إلى ما يشبه حديقة خلفية للصين.

وبالنسبة لـ"روسيا بوتين" فإن العلاقة المتزايدة بتدخلات عسكرية تحت مظلات قديمة الطراز وثقيلة الحركة، هي ليست بمأمن من الانقلاب عليها، حين تركز على أذرع مرتزقة يتشبهون بعصابات "بلاك ووتر" الأميركية والوسائل الأوروبية القديمة، لدعم هذا النظام وذاك.

خلال الفترة التي حكم فيها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصلت علاقة القارتين الأميركية والأفريقية إلى حضيض خطابات الرجل الشعبوي عن دول وشعوب القارة، بمسميات لا تليق في العلاقات الدولية. وفي القمة الأميركية ـ الأفريقية الأخيرة، بحضور 49 بلداً (باستثناء بعضها)، تحاول إدارة الديمقراطي جو بايدن إصلاح ما تضرر.

فالقارة الأفريقية ليست تفصيلاً بسيطاً في التنافس المتزايد بين بكين وواشنطن، وحلفاء الأخيرة في القارة الأوروبية. وبينما اندفعت بكين لتمويل مشاريع كبرى، وبنى تحتية، وأغلبها من أجل مصالح صينية، فإن المراهنة الغربية على استعادة العلاقات "الاستراتيجية" مع الأفارقة (كما وُصفت في واشنطن) تستند إلى اختلال ميزان الاستثمارات والقروض الصينية، التي يؤدي العجز عن سدادها وتلبية شروطها محلياً للانقضاض على الموارد والأصول الوطنية، كالموانئ والمطارات، والمصانع التي ينقل إليها أيضاً الإشراف واليد العاملة الصينيان.

في كل الأحوال، يبدو أن محاولة الغرب العودة إلى أفريقيا، وشبح "الحرب الباردة" الذي يلوح في أفق العلاقات بين الغرب والصين يصبان في مصلحة الأفارقة. لكنها عودة محفوفة بمخاطر اختلال آخر لمصلحة الغرب، إذ لا يكفي ألا يتدخل الأميركيون في الشؤون الداخلية لدولهم، كما لا تفعل الصين، بل العمل الجدي لمحاربة إهدار المال والفساد وغياب الشفافية والمحاسبة، واحترام خيارات شعوبهم في اختيار حكامهم، لتجنب استبدال علاقات مختلة بأخرى.

المساهمون