هناك حصانة في تونس ضد الاستبداد ولا عودة للحكم الفردي
مبادرة الاتحاد للحوار الوطني هي الخلاص الوحيد
يدخل الاتحاد العام التونسي للشغل هذا الأسبوع في سلسلة تحركات دفاعاً عن الحق النقابي، بعد الملاحقات القضائية التي طاولت عدداً من النقابيين، بما يفتح باباً لصراع جديد بين الرئيس قيس سعيّد والمنظمة النقابية، خصوصاً بعد تصريحاته الأخيرة من ثكنة للدرك التونسي هاجم فيها العمل النقابي بوضوح، ما اعتبر في تونس إيذاناً باستهداف المنظمة النقابية الأكبر في البلاد بعد ضرب الأحزاب.
ويكشف المتحدث باسم الاتحاد التونسي للشغل سامي الطاهري، في حوار مع "العربي الجديد"، عن موقف منظمته من هذه الأحداث، وعن آخر تطورات الحوار الوطني الذي تعده لجان من الاتحاد وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
* بدأ الاتحاد العام التونسي للشغل، من محافظة قبلي جنوبي البلاد، السبت الماضي، سلسلة تحركاته الاحتجاجية التي أقرّتها الهيئة الإدارية للاتحاد. ما هو برنامج التحركات المقبلة؟
سيشهد هذا الأسبوع تحركات احتجاجية في 8 جهات، وهي محافظات توزر وصفاقس ونابل وبنزرت وسيدي بوزيد والقصرين وسوسة والمنستير. بينما ستنتظم السبت الذي يليه تحركات في بقية الجهات، ثم تتوج هذه التحركات بتجمّع في 11 مارس/آذار المقبل، في تحرك وطني في العاصمة تونس.
* ما هو إطار هذه التحركات وأهدافها، ولماذا ذهب الاتحاد في هذا الاتجاه؟
هذه التحركات تأتي استجابة لقرار الهيئة الإدارية الوطنية لاتحاد الشغل (هيئة تتخذ القرارات الكبرى للمنظمة النقابية)، وتتضمن 3 محاور كبرى، وهي الدفاع عن الحق النقابي، والتنديد بالهجمة على اتحاد الشغل، ثم الدفاع عن حق التونسيين ومقدرتهم الشرائية بعد الرفع الجزئي للدعم عن السلع الأساسية، وثالثاً دعم مبادرة الاتحاد في ما يتعلق بالحوار الوطني.
سقطت مغالطة التونسيين بإمكانية مقايضتهم بالتخلي عن الديمقراطية مقابل الغذاء
* كيف تقرأون هذا التصعيد الكبير من السلطة ضد الاتحاد وقياداته، وضد النقابيين، عبر إيقاف بعضهم ودعوة البعض الآخر إلى التحقيق؟
كنا ننتظر هذا التصعيد، لأنه بعد الانتخابات برزت بعض المؤشرات، حيث بدأت حملات التشويه والتجريم والهجمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أي إضراب نقابي، وكذلك من كرونيكورات (معلقين ومحللين في الإذاعة أو التلفزيون) يمثلون السلطة في بعض المؤسسات الإعلامية. ثم تصريحات رئيس الدولة بأن الإضرابات وراءها مآرب سياسية (تصريح سعيّد في ثكنة للدرك التونسي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي)، تلاها بعد ساعة فقط إيقاف الكاتب العام لنقابة الطرقات السريعة، أنيس الكعبي، ثم استدعاء 16 نقابياً من قطاع النقل للتحقيق، كما تم أيضاً عزل الكاتب العام للجامعة العامة للشؤون الدينية (عبد الكريم العطوي). يعني أن هناك تضييقا واضحا. وكذلك ما قامت به الحكومة من قبل، بينها مثلاً استدعاء نقابات موازية وتمكينها من الاقتطاع المباشر من المرتبات (اشتراكات من معاشات العمال المنضوين تحت هذه النقابات)".
* كيف تفسرون ذلك؟
يبدو أن هناك سعيا للمقايضة، بمعنى إما أن يعدل الاتحاد عن المبادرة، وعن نقد الانحرافات التي وقعت في مسار 25 يوليو/تموز 2021، أو كما يروج بعض أنصار الرئيس، حل الاتحاد، في هجوم على الاتحاد يذكرنا بأزمات الفترات السابقة.
* ألا يُعد ضرب الاتحاد ضرباً لآخر المعاقل التي يمكن أن تجمع التونسيين حول حد أدنى مشترك؟ لأن الاتحاد بالنسبة لكثير من التونسيين هو الخيمة التي يجتمع تحتها الجميع، والاتحاد هو الذي أنقذ التونسيين مع بقية المنظمات في 2013 بالحوار الوطني؟
ضرب الاتحاد هو مواصلة لتفكيك الدولة، ولما وقع منذ إصدار المرسوم 117 الذي أعطى الرئيس كل السلطات، وأتمها عبر الدستور وانتخاباته الأخيرة. وهو محاولة لمواصلة تفكيك الدولة والهيمنة عليها وتمكين الرئيس من سلطات مطلقة لا حدود لها، وبالتالي أي قوة اجتماعية أو سياسية تحاول التصدي لذلك المشروع سيتم الاعتداء عليها ومحاولة ضربها.
* أي خطورة لذلك؟
ضرب الاتحاد هو إنهاء لأي إمكانية تعايش بين التونسيين، بما يعني تقسيمهم والمزيد من التفرقة بينهم والهيمنة عليهم. هذا لن ينجح في النهاية، وهو هلوسة من السلطة من أجل السيطرة على الحكم نهائياً. وهذه الهلوسة لم يعد من الممكن تحقيقها بعد 2011، فلا عودة إلى الاستبداد وللحكم الفردي، وفي ضرب الاتحاد ضرب لوحدة تونس.
* هل توجد في المجتمع برأيكم اليوم مقومات الدفاع عن الديمقراطية التي تحققت بعد 2011؟
أعتقد أن المجتمع المدني التونسي قوي وحي ونابض ومتحرك، واتحاد الشغل لديه جذوره، وهو متفرع في تونس ولديه امتداده ومسانداته دولياً، ولدينا قوى اجتماعية قادرة على الوقوف ضد هذا التيار. ومغالطة التونسيين بإمكانية مقايضتهم بالتخلي عن الديمقراطية مقابل الغذاء سقطت، فلم يحصلوا لا على ديمقراطية ولا على غذاء. وأعتقد أن هناك حصانة في تونس ضد الاستبداد، مكنت في السابق من عدم هيمنة النهضة، واليوم أيضاً لن تتمكّن من تونس ومن الديمقراطية.
* أي أفق لمبادرة اتحاد الشغل في ظل هذه التطورات، وماذا إن لم يتفاعل معها رئيس الجمهورية؟
نعتبر أن مبادرة الاتحاد هي الخلاص الوحيد لتونس، ومن يريد ترذيل الحوار وإشعار الناس بعدم جدواه لن ينجح، لأن هناك رأياً عاماً يتشكل اليوم حول الشعور بالأزمة وبضرورة الخروج منها بالحوار، لتفادي الفرقة والفوضى والاحتراب.
* أكدت لي في حوار سابق أن الاتحاد لن يتراجع عن مبادرته حتى إن رفضها الرئيس. ما هو الموقف اليوم؟
الرئيس لم يقدم بوضوح بعد رأيه النهائي حول المبادرة، ونحن بدورنا لم ننته من إعدادها، ولكننا نضع أمامنا سيناريو عدم ذهاب الرئيس مع المبادرة، ووقتها لكل حادث حديث. وقد جهزنا لكل السيناريوهات حتى لا نبقى مكتوفي الأيدي، بينما خيار الرئيس العزلة والذهاب في رأي فردي واحد، وعندها سنتجاوزه ونعمل على تجميع أكثر ما يمكن من التونسيين حول المشروع الجديد.
هناك رأي عام يتشكل حول ضرورة الخروج من الأزمة بالحوار لتفادي الفوضى والاحتراب
* تم خلال الأسبوع الماضي تسريب وثيقة عن الحوار الوطني تتضمن بعض الأفكار. ما مدى صحة الوثيقة المسربة وما علاقتها بمبادرة اتحاد الشغل؟
هي وثيقة أولية قدمها أحد المشاركين، لكن بعض نقاطها لم تحظ بالقبول من قبل الأغلبية، وهي ورقة عمل ليس إلا، وليست من مخرجات الحوار.
*إذن متى يتم الإعلان عن المبادرة؟
سنحاول أن نتوصل إلى نتيجة قبل نهاية فبراير (الحالي)، إذا لم تواجهنا عراقيل، لأن الوقت ضاغط، وكل يوم يمر يعمق الأزمة أكثر. وستوجه المبادرة رسمياً إلى رئيس الجمهورية وإلى الرأي العام، وقد تتوسع إلى منظمات وجمعيات أخرى، وقد نجد صيغاً لانفتاحها على الأحزاب، وستكون منفتحة على كل التونسيين، حتى وإن لم يقبل الرئيس بها.