زيارة "حماس" إلى مصر بلا نتائج: وعود مكررة ومطالب أمنية

03 مارس 2018
تلقت "حماس" الوعد رقم مئة لفتح معبر رفح(علي جادالله/الأناضول)
+ الخط -
يبدو أنّ زيارة الوفد القيادي من حركة "حماس" إلى مصر، والتي انتهت قبل ثلاثة أيام بعد أكثر من 20 يوماً في القاهرة، لم تحقق أي نتائج. ويتبدى ذلك من مجموعة ملاحظات واعتبارات، فيما تزداد خيبة أمل الشعب الفلسطيني الذي ينتظر طوق نجاة يخرجه من الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية.

وخلال وجود الوفد الموسع في القاهرة، حصرت "حماس" الحديث للإعلام في عضو مكتبها السياسي، خليل الحية، الذي يعتبر من أدق وأحرص قادة الحركة خلال الأحاديث الإعلامية، ما يعني أنها لم ترد إظهار ملامح لفشل أو خيبة أمل مما يجري. لكن تغريدة لعضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، بعد عودة الوفد من مصر، ربما تشير إلى ضغوط تعرضت لها الحركة، رغم عدم تصريحه بذلك بشكل واضح. وكتب أبو مرزوق، على "تويتر" حينها، إنّ "الحق لا يضيع ما دام هناك من هو متمسك بحقه، وأنّ القوة ليست حكراً على فئة أو طائفة أو دولة، والقوي اليوم ضعيف غداً، والقوي بالأمس أصبح ضعيفاً اليوم". ولفت إلى أنه على "الرغم من المحاولات المستمرة لتغيير وقائع حقنا في فلسطين، إلا أن أحداً لن يستطيع انتزاعها من قلوبنا، وأعمالنا وبرامجنا، والله معنا".

وتوحي تغريدة أبو مرزوق بأنّ الضغوط تزداد على "حماس"، ربما ليس من مصر ونظامها فقط، بل من الجميع، في ظل محاولات أميركية لتصفية القضية الفلسطينية، والتي بدأت بإعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال مع قرب نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المحتلة. وفي المرة الأولى التي زار رئيس مكتب "حماس" السياسي، إسماعيل هنية، ووفد قيادي رفيع المستوى، مصر بعد فك الاشتباك الإعلامي بين الطرفين، تحدث، خلال مؤتمر صحافي على معبر رفح، عن الزيارة، مشيداً بها وبمواقف مصر. هذه المرة لم يفعل الرجل ذلك، فيما أصدرت "حماس" بياناً، بأسطر قليلة، عما تم بحثه، لم تكف للإجابة عن الأسئلة المطروحة. واكتفت "حماس" بخروج القيادي البارز في الحركة، خليل الحية، عبر قناة "الأقصى" التابعة لها، متحدثاً عن عموميات ولم يعلن أي إنجاز للزيارة، مشيراً إلى أنّ زيارة وفد الحركة الأخير إلى مصر تناولت ملفات عدة، أبرزها أزمات قطاع غزة، والمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، والمصالحة الفلسطينية، والعلاقة الثنائية بين الطرفين. وأشاد الحية بأجواء الترحيب المصرية بالوفد القيادي. وأكد أنّ الوفد استمع لتصميم مصر على فتح معبر رفح على مدار الساعة، يكون الاستثناء هو الإغلاق، موضحاً أن مصر قادرة رغم الظرف الأمني في سيناء على إيجاد بدائل لفتح معبر رفح.



وتلقت "حماس" الوعد رقم مائة من مصر بفتح معبر رفح بشكل أفضل، لكن الواقع يظهر أنها مجرد وعود لم يتحقق شيء منها. وحتى عند تنفيذ شرطها باستلام السلطة الفلسطينية للمعبر، لم يحدث أي تغيير جوهري. وتؤكد مصادر تحدثت مع "العربي الجديد"، أنّه جرى التعامل بإيجابية مع الوفد الحمساوي، لكنه لم يحصل على أي إنجاز حقيقي. وسمح له، للمرة الأولى، بعقد اجتماع موسع لقيادة الحركة السياسية بدلاً من الرغبة التي كانت لديه بالخروج إلى قطر والاجتماع فيها. وناقشت "حماس"، وفق المصادر، أوضاعها الداخلية ومواقفها وخياراتها وكيفية مواجهة "صفقة القرن" والتحديات التي تعيشها القضية الفلسطينية، إلى جانب الأزمات الإنسانية والاقتصادية المتفاقمة في القطاع المحاصر، والأمن على الحدود مع مصر. وفي نقاشاتها مع المصريين حول المصالحة، والتي لم تأخذ حيزاً كبيراً كما كان متوقعاً، جددت الحركة التأكيد على استعدادها لتسليم الجباية الداخلية وكل شيء للسلطة الفلسطينية مقابل قرار سياسي من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بصرف رواتب الموظفين الذين سيجري دمجهم في كشوف السلطة الرسمية، وفق المصادر. وهذا القرار غير متوفر حتى الآن، في ظل مؤشرات على أنّ الثقة بين حركتي "فتح" و"حماس" باتت مفقودة ومعدومة، مع تسريب جزء من خطاب عباس أمام المجلس الثوري لحركته، مساء الخميس، والذي أعلن فيه أنّ "حماس تريدنا صرافاً آلياً فقط".

إذاً ما الذي تمت مناقشته في مصر؟ يجيب مصدر مقرب من "حماس" على ذلك، لـ"العربي الجديد"، بالقول إنّ ملف الأمن على الحدود بين غزة ومصر كان الأكثر نقاشاً، إذ تريد القاهرة تعاوناً أكثر في حربها في سيناء، وضبط أكبر للحدود بين الجانبين، مع إشادتها بما قامت به الحركة أخيراً على الحدود مع مصر. كما نوقشت أيضاً أفكار تتعلق بتفعيل لجنة التكافل، التي ترعاها الإمارات ومصر في غزة، عبر القيادي المفصول من "فتح"، محمد دحلان، بعد تعطيل عملها لأشهر منذ بدء مباحثات المصالحة بين "فتح" و"حماس"، وفق المصدر نفسه. ولا تمانع "حماس" بتفعيل اللجنة، التي تقوم بعمل خيري بحت، وترعى مشاريع خدمية للطلبة والفقراء والمحتاجين، لكنها لا توافق حتى الآن على تشكيل لجنة مشتركة مع دحلان لإدارة القطاع، رغم قول الأخير إن ذلك "ضرب من الجنون وفبركات ليس أكثر". وتؤكد مصادر قريبة من السلطة الفلسطينية، لـ"العربي الجديد"، أنّ مصر تريد "حماس" في جانب حلفها الذي تشكل أخيراً مع الإمارات والسعودية ضد إيران وقطر وتركيا، وأنّ ذلك انتحار للحركة، لذلك كل مباحثات الطرفين في مصر لن تنتج شيئاً. لكنّ مصادر السلطة تقول إنّ مصر لديها ضوء أخضر إسرائيلي لتخفيف الأزمات الإنسانية في القطاع، وتفعيل التواصل مع "حماس" بشكل أكبر، لأنّ في ذلك مصلحة لإسرائيل ويساهم في تخفيف الاحتقان ومنع انفجار الأوضاع تجاهها، بالإضافة إلى العمل على ضبط إيقاع أي توتر قد يحصل نتيجة الأزمات التي تعيشها غزة.

وتفتح مصر معبر رفح بشكل شبه يومي، لإدخال بعض شاحنات الوقود إلى القطاع، منها وقود خاص لمحطة توليد الكهرباء، ووقود آخر للمحطات التجارية، وبعض الفواكه والدخان للسوق الغزّي عبر تجار محليين لهم تعاقدات مع مصر. ومن المقرر أنّ يغادر الوفد الأمني المصري الموجود في غزة، بعد أيام، إلى رام الله ومن ثم إلى مصر، وهناك سيُجري تقييماً جديداً للأوضاع المتعلقة بالمصالحة، وحينها إذا رأت مصر أنّ هناك جديداً يمكن البناء عليه ستدعو وفدين من "حماس" و"فتح" لزيارتها، وإن وجدت التقييم السلبي كما هو، فستبقى الأوضاع على الأرض كما هي، مع تصاعد المخاوف من أنّ يدفع تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية والمعيشية لوقوع معركة جديدة مع إسرائيل.