يغادر الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم الثلاثاء، إلى إسرائيل، ومنها بعد يومين إلى السعودية.
ومهّد بايدن للزيارة بمقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأحد. جيك سوليفان، مستشار بايدن، خصّها أيضا بعرض مسبق، في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض. في كليهما حصل التركيز على مواضيع جرى رفعها إلى مرتبة الأولويات في جدول أعمال الزيارة، مثل مسألة التطبيع بين السعودية وإسرائيل الذي جرى إبراز "أهمية تسريعه" ولو أنه "سيأخذ وقتاً طويلاً" بتعبير سوليفان.
كما جرى تسليط الضوء على موضوع قمة رباعية بالفيديو حول الأمن الغذائي تعقد أثناء وجود بايدن في تل أبيب، بين الهند والإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل. وهو بند دخل فجأة على خط الزيارة، فيما غابت سيرة قمة جدّة عن شروحات البيت الأبيض، الذي سبق وعزا زيارة المملكة السعودية إلى رغبة الرئيس بايدن في المشاركة بهذه القمة.
تبدّل الخطاب وما بدا أنه تغيير وخلط لأولويات الزيارة أثار تساؤلات عمّا إذا كان في ذلك ما يؤشر إلى أن الإدارة الأميركية خفضت توقعاتها حول إمكانية تحقيق الأغراض الأساسية للزيارة، وبالتحديد موضوع النفط وتسويق مفاوضات النووي الإيراني في المنطقة، وهذا ما ترجحه معظم التقديرات التي لا ترى إمكانية بأن يتحقق، خاصة في الشق السعودي، أكثر من ربط نزاع مبني ربما على ترتيبات مؤقتة وواعدة بحلحلة، لكن من غير ضمانات بحصول تحولات وازنة في المواقف والتوجهات.
حصيلة قد يكتفي بها الرئيس بايدن المحاط بالأزمات والضغوط من كل صوب، وقد هبط رصيده عشية جولته إلى 33%، حتى إن غالبية حزبه الديمقراطي (64%) تقف من الآن ضد ترشيحه مرة أخرى في 2024. وكذلك هي الحال في صفوف فريق من الديمقراطيين في الكونغرس الذين "ملّوا من رئاسته".
في الوقت ذاته، ما زالت مطاردته متواصلة في الصحف والمداولات المعنية بالسياسة الخارجية، من باب أنه بتراجعه وقبوله بالذهاب إلى السعودية قدم تنازلاً بصورة مجانية للحصول على زيادة إمدادات النفط، وبما يؤدي إلى خفض الأسعار خدمة لحساباته الانتخابية "التي لعبت الدور الرئيسي" في قرار الزيارة. ووقوفه على هذه الأرضية في الداخل لا يساعده في انتزاع المكاسب في الخارج.
من هنا، كانت غلبة نبرة الليونة على مقالة بايدن التي ابتعدت في سرديتها عن التشدد، ناهيك عن رفع سقف الشروط، بدلاً من ذلك اكتفت بعرض "الإنجازات" الدبلوماسية في اليمن، والتذكير بوقف "الدور القتالي في العراق"، كما رسمت لوحة واعدة في المنطقة التي "تسودها الآن أجواء جديدة"، وتعيش في حالة "ضاغطة أقل ومتكاملة أكثر" مما كانت عليه عند مجيء إدارته قبل سنة ونصف.
حتى إيران كانت مخاطبتها لينة نسبياً في مقالة بايدن، مع تحميل إدارة الرئيس دونالد ترامب الملامة لانسحابها من الاتفاق النووي. وكذلك كانت مخاطبته السعودية، مع التوكيد على أن إدارته عملت على "إعادة توجيه" العلاقات معها "وليس قطعها"، مبرزا أهمية "شراكة استراتيجية امتدت إلى ثمانين سنة"، ومشيداً بدور المملكة في "إعادة الوحدة لدول مجلس التعاون، كما في دعم هدنة اليمن، فضلاً عن العمل مع خبرائنا ودول أوبك لتأمين الاستقرار في سوق النفط".
لغة أوبامية مصممة للالتقاء في منتصف الطريق، حتى ولو بسقف منخفض. لكن قابلها سكوت عن الترامبية تجاه الوضع الفلسطيني الذي مرت عليه المقالة مرور الكرام، مع الإشارة فقط إلى "الدعم المالي للفلسطينيين"، من غير إشارة إلى موضوع القنصلية ولا حل الدولتين، ولا طبعاً الاستيطان، أو على الأقل التراجع عن قرار سلفه ترامب بسكب الشرعية على المستوطنات.
سوليفان استدرك في مؤتمره الصحافي، وذكر حل الدولتين "ودعم" الإدارة له (وليس التزامها به)، ومن كلامه عن المدة الطويلة التي يتطلبها التطبيع السعودي الإسرائيلي، بدا لبعض المراقبين أنه إشارة إلى ربط هذا التطور بحصول "تقدم" في التعامل مع الوضع الفلسطيني، وأن هذا التقدم يلزمه وقت.
بمخاطبته هذه بدا أن الرئيس بايدن ترك الباب مفتوحاً أمام أي حلحلة مقبولة تنتجها الزيارة التي ولدت وبدأت وهي محاطة بالالتباس. لكن هل يقوى على بيعها إلى الكونغرس والمعترضين على تراجعه؟