أنهى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني زيارته إلى العاصمة الإيرانية طهران يوم أول من أمس الثلاثاء، بعد سلسلة لقاءات مكثفة مع المسؤولين في البلاد، كان أبرزَها لقاؤه مع المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بالتزامن مع عقد الوفد العراقي الوزاري لقاءات مع نظرائهم الإيرانيين.
وصدرت عن الجانبين العراقي والإيراني عدة بيانات توضح أبرز ما تم بحثه في الزيارة الأولى للسوداني إلى طهران، التي دعمت تحالف "الإطار التنسيقي" لتشكيل الحكومة الجديدة طوال عمر الأزمة السياسية العراقية التي امتدت لأكثر من عام، عقب الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي.
وفي ختام الزيارة التي استمرت يوماً واحداً، قال السوداني، بعد عودته إلى بغداد: "أنهينا زيارتنا إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأجرينا مباحثات جدّية مع القيادة هناك، وفي مقدمتهم السيد علي خامنئي".
مسؤول عراقي: الحرس الثوري لم يقتنع كثيراً بخطة العراق المتعلقة بنشر وحدات على الحدود
وأضاف: "نتطلّع لمزيد من التعاون الثنائي من أجل المضيّ قدماً بملفّات الأمن والاقتصاد والثقافة والسياحة الدينية"، دون ذكر أي تفاصيل أخرى". إلا أن مسؤولين عراقيين في بغداد أكدا، لـ"العربي الجديد"، أن الوفد الوزاري العراقي أطلع الإيرانيين على الإجراءات الأخيرة المتعلقة بتأمين الحدود مع إيران، وخطة نشر قوات إضافية هناك.
الحرس الثوري لم يقتنع كثيراً بالخطة العراقية
وقال أحدهما، وهو نائب في البرلمان عن تحالف "الإطار التنسيقي"، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "ملف الحدود الإيرانية، الغربية تحديداً (المحاذية للعراق) بيد الحرس الثوري الذي يتولى أيضاً التعامل مع الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة الموجودة في العراق، ولم يكن مقتنعاً كثيراً بخطة العراق المتعلقة بنشر وحدات مشتركة من البيشمركة وحرس الحدود العراقي".
ولفت إلى أن "الإيرانيين يريدون تنظيف كامل الشريط الحدودي من الجماعات الإيرانية المعارضة ونزع سلاحها، وتسليم أسماء معينة في تلك الجماعات".
وأكد الآخر أيضاً، لـ"العربي الجديد"، عدم وجود أي ضمانات متعلقة بتوقف القصف الصاروخي ضد جيوب المعارضة الإيرانية داخل العراق. وقال إن "الإيرانيين كانوا واضحين لجهة الإصرار على استهداف أي موقع تتوفر عنه معلومات بأنه يشكل تهديداً ضد أمنها، وخلال ذلك ينتظرون ما ستسفر عنه الإجراءات العراقية".
وكشف عن اتهامات إيرانية لأطراف داخل إقليم كردستان بأنها توفر دعماً غير مباشر لتلك الجماعات من باب التعاطف القومي الكردي، على حد تعبيره. وحول الملفات الأخرى، قال إن "الإيرانيين كانوا متفقين إلى حد كبير مع العراق، ورحبوا باستمرار العراق كوسيط لترطيب العلاقات مع السعودية ودول أخرى، أبرزها الأردن ومصر، لكن ضمن ما تسميه إيران ثوابتها من قضايا مهمة في المنطقة".
وكان السوداني زار طهران، أول من أمس الثلاثاء، برفقة عدد من المسؤولين، بينهم وزير الخارجية فؤاد حسين، ووزير النفط حيان عبد الغني، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ومدير مكتب رئيس الوزراء، والمستشار الاقتصادي، ومدير المصرف العراقي للتجارة (حكومي)، إلى جانب مسؤولين أمنيين ومستشارين حكوميين.
وتم خلال الزيارة بحث ملفات عدة، منها "القصف الإيراني، وإطلاع طهران على الإجراءات التي تم اعتمادها داخل العراق للتعامل مع ملف الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، وملفات المياه والطاقة المتعلقة باستيراد الغاز والكهرباء، إلى جانب سعي العراق إلى إكمال دور الوساطة بين طهران والرياض".
التزام عراقي بمنع استخدام أراضيه ضد إيران
وقال السوداني، في مؤتمر صحافي مع رئيسي في طهران، إن "الحكومة ملتزمة بتنفيذ الدستور وعدم السماح باستخدام الأراضي العراقية للإخلال بالأمن في إيران، وإننا نعتمد في علاقاتنا الخارجية مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية. وتم بحث العلاقة والتعاون في المجال الأمني، وأمن البلدين لا يتجزأ".
وبين السوداني أن "الملف الاقتصادي يحظى بأهمية كبيرة لدى الحكومة، وأننا اتفقنا مع الرئيس الإيراني على تفعيل اللجنة الاقتصادية المشتركة"، مثمناً "موقف إيران بدعم العراق في إمدادات الغاز".
مقرر عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عامر الفايز، قال إن "ملف الأمن هو أبرز المحاور التي طرحت في المباحثات بين السوداني والمسؤولين الإيرانيين، وهناك استجابة من طهران، رغم صعوبة الوضع الذي تعانيه إيران من تجاوزات واعتداءات من المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق".
قبول كردي بالخطة العراقية
وبين الفايز، لـ"العربي الجديد"، أن "حكومة السوداني قادرة على حل أزمة السلطة الإيرانية مع المعارضين لها في العراق. وقد طرح السوداني الخطة، وهناك قبول بها من جانب السلطات في إقليم كردستان، وقد تتمثل بحملات أمنية ضد المناطق التي تتواجد فيها هذه الجماعات".
محمد الصيهود: العراق لن يسمح بكل تأكيد بأن تكون أراضيه معسكراً يهدد دول الجوار
وأضاف الفايز أن "العلاقات الاقتصادية والتجارية أخذت حيزاً مهماً من المباحثات، إضافة إلى ملفات الطاقة، وتحديداً الغاز الإيراني الذي يعتمد عليه العراق لتوليد الكهرباء، ودور العراق في استضافة الزوار الإيرانيين خلال الزيارات الدينية".
وبشأن الحوار الإيراني السعودي الذي ترعاه بغداد، أكد الفايز أن "إيران تبدو منفتحة على هذا الحوار، لكن يبدو أن حكومة السوداني تسير باتجاه حل المشاكل في الملفات الداخلية (داخل العراق) أكثر من اهتمامها بالملفات الخارجية، خصوصاً أن السوداني تعهد بحكومة خدمات، وهو أمام مسؤولية كبيرة".
من جهته، أشار محمد الصيهود، وهو نائب وعضو تحالف "الإطار التنسيقي"، إلى أن "العراق لن يسمح بكل تأكيد بأن تكون أراضيه معسكراً يهدد دول الجوار، سواء إيران أو تركيا أو أي بلد آخر، لكن بشرط أن تقوم هذه الدول باحترام سيادة العراق. بالتالي فإن رفضه للتدخل العسكري التركي ينسحب على رفضنا لأي خطط إيرانية للتغول في شمال العراق ومحاربة الجماعات المعارضة للسلطات الإيرانية".
وأضاف: "بحسب علمنا، فإن رئيس الحكومة العراقية نقل وجهة النظر هذه إلى المسؤولين الإيرانيين، وقد احترموا ذلك، بشرط أن يتعهد العراق بحل الإشكال الأمني الخطير الذي يواجه إيران بسبب هذه الجماعات المنتشرة على الأكثر في أربيل".
المباحثات حققت جميع الأهداف
وأضاف الصيهود، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "المباحثات العراقية الإيرانية الأخيرة، يمكن اعتبارها ناجحة، لأنها حققت جميع الأهداف، وأولها التوصل إلى حلول بشأن منع أي هجوم عسكري إيراني باتجاه الشريط الحدودي مع إقليم كردستان، إضافة إلى فتح آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري". وبين أن "حكومة السوداني ملزمة بأن تحافظ على سيادة العراق، ومنع أي جماعات تهدد دول الجوار، ولدينا القوات الأمنية الكافية لنشرها في عموم مناطق العراق".
من جهته، لفت عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" عماد باجلان إلى أن "إيران تبتز إقليم كردستان بكل الطرق، فهي تتحدث عن مقرات للموساد، ثم مخططات للمعارضة الكردية الإيرانية في أربيل، ثم تسعى إلى اقتحام حدود الإقليم، لأنها فشلت في إدارة أزمتها الداخلية والتظاهرات التي تعصف بها وتندد بالحكم الديني، بالتالي فهي تريد أن تحقق أي نصر، حتى وإن كان هذا وهمياً".
واعتبر باجلان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أي مواطن كردي يعرف تماماً أن المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان ما هي إلا تنظيمات تمارس أدواراً ثقافية وفكرية، ولا تملك القدرة على المواجهة المسلحة مع السلطات الإيرانية. بالتالي فإن ذريعة اقتحام الإقليم هي لابتزازه، لكن حكومة السوداني جادة في حماية الإقليم".
بدوره، رأى رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري، أن "موقف الحكومة العراقية باتجاه منع العمليات العسكرية ضد إقليم كردستان واضح، وهو مدعوم بمواقف حزبية موحدة. وبما أن ملف سيادة العراق من أولويات حكومة السوداني، فإن الاقتناع الإيراني بالإجراءات العراقية لحل الأزمة سيحدث بأي شكل من الأشكال".
وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "مدى التزام إيران بالاتفاقات الأمنية، غير معروف، لأنها قد تعود عبر الحرس الثوري إلى تهديد أمن إقليم كردستان، وبالتالي فقد تنهار الاتفاقات في أي لحظة، بسبب عدم التزام إيران بها".