سعى قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، على امتداد الأيام الماضية، خلال مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى التسويق لمشاريعه السياسية، بعد نحو عام من انقلابه على الحكم المدني في البلاد.
وعقد البرهان في نيويورك، بعد خطابه أمام الجمعية العامة، لقاءات مع رؤساء الدول والمسئولين عن المنظمات الدولية والإقليمية، وأدلى بتصريحات لوسائل الإعلام الدولية لمخاطبة الرأي العام العالمي، من أجل تحسين صورة انقلابه، والتمهيد لخطوات مقبلة قبيل الذكرى الأولى للانقلاب في 25 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
آخر تلك الأنشطة قبل مغادرته للقاهرة، قبل العودة للسودان، اليوم السبت، كانت عقده لقاءين منفصلين مع الأمين العام للأم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي.
وكرر في اللقاءين ما ظل يردده عن رغبة الجيش السوداني في الانسحاب من الحياة السياسية، وترك السلطة، وإتاحة الفرصة كاملة للمدنيين للحوار والاتفاق على تشكيل حكومة مستقلة، مشيراً إلى أن قرار المكون العسكري اتُّخذ في الرابع من يوليو/ تموز الماضي، وحتى الآن هم في انتظار حدوث اختراق يعبر بالسودان إلى بر الأمان.
وطبقاً لبيان من مجلس السيادة، فإن غوتيريس أكد دعم المنظمة الدولية جهود السودان نحو التحول الديمقراطي، مشيداً بقرار رئيس مجلس السيادة القاضي بابتعاد القوات المسلحة عن السياسة، داعياً في الآن نفسه القوى السياسية السودانية للاتفاق على تشكيل حكومة مدنية لقيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية.
بدوره، تعهد فكي باستئناف الاتحاد الأفريقي مشاركته في العملية السياسية في السودان. كما التقى البرهان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وكان البرهان، قد اجتمع مع رؤساء السنغال وبورندي والصومال وغامبيا وزيمبابوي وجيبوتي، وأجرى حوارات صحافية، أبرز ما جاء فيها نفي رغبته في الترشح لأي انتخابات رئاسية مقبلة، واللافت من بين تصريحاته هو عودته للحديث عن الاحتلال الإسرائيلي، حينما أكد استعداده لزيارة تل أبيب، متى ما وُجهت له الدعوة.
ويراهن كثير من أنصار البرهان على نتائج زيارته لنيويورك وخطابه أمام الجمعية العامة، لكونها النشاط الدبلوماسي الأكبر منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لجهة جلب اهتمام المجتمع الدولي بعيداً عن تعقيدات المشهد الداخلي.
منافسة قوى المعارضة
تعليقاً على ذلك، قال عضو اللجنة العليا لمبادرة أهل السودان، هشام الشواني، لـ"العربي الجديد" إن "البرهان أظهر من خلال خطابه ولقاءاته العديدة، أهمية مواضيع الأمن والاستقرار في السودان، ومكافحة الإرهاب والأمن الإقليمي في دول مثل تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وغيرها"، معتبراً ذلك "خطوة ذكية تخاطب مباشرة الهموم العالمية والإقليمية حتى يندفع الجميع للتعامل برغاماتياً مع المؤسسة الحاكمة".
وتوقع الشواني أن يحصل البرهان على دعم دولي للسودان، لا سيما في مجال الإعفاء من الديون، وتحقيق السلام في البلاد، ووقف الحرب وما يتبعها، مبيناً أن "حراك البرهان في مجمله ينافس قوى إعلان الحرية والتغيير التي تعطي انطباعاً منذ فترة بأنها حليف استراتيجي للمجتمع الدولي، وهذا ما بدأ في التلاشي بعد إحساس المجتمع الدولي نفسه بعجز قوى الحرية والتغيير في تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي، أو الإسهام في الأمن الإقليمي، أو التعاطي مع الملفات الأمنية الدولية".
وبشأن ما يمكن أن تؤتيه الزيارة من نتائج وانعكاسات داخلية، رجح الشواني، استمرار الضغوط الدولية من أجل توحيد 3 مبادرات رئيسة، (مبادرة أهل السودان، ومبادرة التوافق الوطني، ومبادرة قوى إعلان الحرية والتغيير) لتجميعها في مبادرة واحدة تتوصل لتشكيل حكومة مدنية. وقال إنه في حال الفشل في ذلك "سيكون خيار مجلس السيادة هو تشكيل حكومة بمعزل عن الجميع لسد الفراغ الدستوري الحالي".
زيارة تقليدية
في المقابل، قلل القيادي بتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير المعارض، عادل خلف الله، في حديث لـ"العربي الجديد" من أهمية زيارة البرهان لنيويورك وما اعتبره "حملات تضخيمها إعلامياً وسياسياً من الإعلام الموالي للانقلاب العسكري".
وقال إنها "زيارة تقليدية في منشط تقليدي يشارك فيه منذ 76 عاماً كل الرؤساء، بمن فيهم الأشد عداء للولايات المتحدة"، مضيفاً "أن أي تقديرات بخلاف ذلك غير صحيحة، وأن كل ما قام به قائد الانقلاب لن يمنحه المشروعية، لأن المشروعية تُستمد من الإرادة الشعبية المواصلة لرفضها للانقلاب، والماضية نحو العصيان المدني والإضراب السياسي".
واستدل خلف الله على عدم جدوى حراك قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، بالمقاطعة التي حظيت بها كلمته من غالب رؤساء الدول ورؤساء الوفود.
وبيّن خلف الله أن "إعلان البرهان عن استعداده زيارة إسرائيل يأتي في السياق ذاته، دون الاستفادة من تجربته السابقة وتقاربه السابق مع الكيان الصهيوني الذي دعمه في انقلابه الأخير بلا نتائج تذكر أقلها الاعتراف به كسلطة أمر واقع".
وحذّر خلف الله من اتجاه البرهان نحو تشكيل حكومة، قائلاً إن "الأزمة أصلها ليس التشكيل بقرار منه، ولا الانتخابات التي يريد الإشراف عليها، بل هي أزمة الانقلاب، ومهما فعل أو قرر تكوين حكومة أو إجراء انتخابات فستكون مجرد مزحة سياسية لا أكثر".
أمام خيارين
أما المحلل السياسي الجميل الفاضل، فيرى من جهته أن "حراك البرهان يكشف مدى أمله في البقاء في السلطة باستخدام كل الأدوات الممكنة وغير الممكنة للحصول على مفتاح للغرب، وذلك بإرسال عبارات الغزل في كل الاتجاهات، بما فيها التهافت على إسرائيل والحديث عن زيارتها دون اشتراطات منه". وفي السياق ذاته، أضاف الفاضل أن البرهان "لوح بورقة القاعدة البحرية الروسية في البحر الأحمر في وجه الغرب بحديثه عن أنها قيد النقاش".
وأضاف الفاضل لـ"العربي الجديد" أن "أمام قائد الانقلاب خيارين فقط بعد عودته من نيويورك، إما الدخول في مواجهة كاملة مع المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي الخليجي الموالي للغرب والتخندق بجانب روسيا والصين، أو الاستجابة للضغوط والمبادرات التي حرك جمودها تعيين السفير الأميركي جون غودفري في الخرطوم".