في الوقت الذي رفض فيه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، يوم السبت الماضي، التعليق على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، على شائعات إعلامية تحدثت عن زيارة قريبة مرتقبة له إلى دمشق، وبعد تلميحه لإمكانية انفتاح خليجي واسع على النظام السوري، تأتي زيارة رأس النظام بشار الأسد إلى سلطنة عُمان، أول من أمس الإثنين، لتطرح العديد من الأسئلة حول ما إذا كان الأسد بات يلتقط الإشارات الخليجية، ويتحرك للتعامل معها بدءاً من زيارته السلطنة.
اتصالات عربية مباشرة بالأسد
وعقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 فبراير/شباط الحالي، تلقى الأسد الكثير من الاتصالات من رؤساء دول عربية وأجنبية غير غربية، كان أبرزها اتصال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأول بينهما.
كما استقبل الأسد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في زيارة هي الأولى لمسؤول أردني بهذا المستوى إلى العاصمة السورية (منذ بدء الأزمة)، كما استقبل وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان.
تجنبت الرياض حتى الآن الاتصال المباشر بحكومة الأسد، ونسّقت مع الهلال الأحمر السوري بشأن وصول المساعدات
من جهتها، أرسلت السعودية بعد الزلزال، طائرات مساعدات إلى مطار حلب الخاضع لسيطرة النظام، وأعلنت أيضاً عن توقيع عقود مشاريع لصالح متضرري زلزال تركيا وسورية بأكثر من 183 مليون ريال سعودي (48.8 مليون دولار)، فيما قال المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية الحكومي، عبد الله الربيعة، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، إن التعهدات الجديدة، تشمل مشروعاً يمكن بموجبه إرسال متطوعين طبيين سعوديين إلى سورية للمرة الأولى.
وتجنبت الرياض حتى الآن الاتصال المباشر بحكومة الأسد، ونسّقت عوضاً عن ذلك مع الهلال الأحمر السوري بشأن وصول المساعدات إلى الأراضي التي تسيطر عليها حكومة النظام، على ما أوضح مسؤولون سعوديون لوكالة "فرانس برس".
واستقبل السلطان هيثم بن طارق، سلطان عمان، الأسد، أول من أمس، في زيارة هي الأولى للأخير إلى سلطنة عُمان منذ اندلاع الثورة على نظامه في عام 2011. وتضمنت الزيارة جلسة مفتوحة، ناقش فيها الأسد مع بن طارق تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية والجهود الرامية لدعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأشاد الأسد بعُمان لكونها "حافظت دائماً على سياساتها المتوازنة ومصداقيتها، وأن المنطقة الآن بحاجة أكثر إلى دور مسقط بما يخدم مصالح شعوبها من أجل تعزيز العلاقات بين الدول العربية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى"، بحسب وكالة الأنباء الرسمية للنظام "سانا". ونقلت الوكالة عن سلطان عمان قوله إن "سورية دولة عربية شقيقة ونحن نتطلع لأن تعود علاقاتها مع كل الدول العربية إلى سياقها الطبيعي".
من جهتها، ذكرت وكالة الأنباء العُمانية الرسمية أن سلطان عُمان استعرض مع الأسد "مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين ومجالات التعاون المشترك، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر بشأن مُجمل التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية والجهود الرامية لتوطيد دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم".
غير أن الجلسة المغلقة التي تلت تلك المفتوحة بين الأسد وسلطان عمان، قد تعطي بعداً للزيارة أكثر من كونها محطة لكسر العزلة.
وربطاً بتحرك الأسد على المستوى الإقليمي، والخليجي تحديداً، كان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، قد لمح إلى إمكانية التعاطي مع نظام دمشق برؤية مختلفة عن السابق، إذ قال السبت: "سترون أن إجماعاً يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار".
وأضاف الوزير السعودي: "في ظلّ غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حلّ سياسي فإن نهجاً آخر بدأ يتشكل لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين خصوصاً بعد الزلزال المدمر في سورية وتركيا". ونوّه إلى أنه "ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما، بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية، خصوصاً في ما يتعلق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين وما إلى ذلك".
زيارة عُمان: علاقات عامة لإعادة التعويم
وتعليقاً على زيارة الأسد لسلطنة عمان، رأى المحلل السياسي طه عبد الواحد، المقيم في موسكو، أن الزيارة ليست استثنائية لكون السلطنة لم تقطع علاقاتها مع النظام من الأساس، معرباً عن اعتقاده في الوقت ذاته بأنها تحمل أبعاداً إيجابية للأسد نفسه وربما تكون مبرمجة من قبل شركات العلاقات العامة التي تساعده على تعويم نفسه إقليمياً ودولياً، بحسب رأيه.
طه عبد الواحد: الأسد يريد من الزيارة أن تترك انطباعاً في المجتمع الدولي أنه بات خارج العزلة
وأضاف عبد الواحد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأسد يريد من الزيارة أن تترك انطباعاً لدى الكثيرين في المجتمع الدولي أنه بات خارج العزلة، ويريد أيضاً إعطاء الثقة لنفسه بمعنى: أنا أقوم بالزيارات الخارجية الرسمية، فأنا موجود".
ولم يستبعد المحلّل السياسي أن تكون الزيارة قد حملت أبعاداً أكثر من بروتوكولية، لجهة تواصل الأسد مع المحيط عبر عُمان، معرباً عن اعتقاده بأن ترتيبات الزيارة ربما تكون إيرانية – روسية. وقال عبد الواحد: "إذا أردنا الحديث عن الرسائل، فيصعب التكهن ما إذا كان الأسد ذهب ليتلقى رسائل أو يوصلها للسعوديين عبر السلطنة، وفي كل الأحوال فإن الأسد وبحكم الانفتاح على نظامه بعد الزلزال، بات ينتهز الفرصة لتعويم ذاته، وربما هذا الانفتاح قد يسهل على الرياض الإقدام على خطوة التقارب، التي أعتقد أنها باتت وشيكة".
غير أن المحلل السياسي السعودي نايف الوقاع شدّد في حديث لـ"العربي الجديد" على أن موقف المملكة "كان واضحاً طوال سنوات الأزمة، بإدانة كل الأفعال الإجرامية للنظام بحق السوريين، ولا يمكن لزيارة وإن تخللها بعض الرسائل للمملكة أن تتجاوز كل هذه المعطيات". واعتبر الوقاع أن "هذه الزيارة بالتالي هي محاولة من قبل الأسد لفكّ العزلة، وتحسين صورته على الصعيد الإقليمي".
وأوضح الوقاع، أن الرياض تنظر إلى الأزمة السورية بعمق، وليس كأزمة منفردة ومستقلة أو ذات اتجاه واحد. وشرح أن المملكة تربط الأزمة السورية بكل التطورات الإقليمية لا سيما التي تعصف بالإقليم، وبناء عليه، فإن الموقف السعودي، وحتى إذا ما نظرنا إلى تصريحات وزير الخارجية الذي استشف البعض منه أنه تلميح لإجراء محادثات مباشرة مع النظام، يمكن ربطه بحرص المملكة على التعاطي مع الملف الإنساني أولاً". ولفت إلى أنه "بعد كارثة الزلزال، وجدت المملكة أن هناك صعوبات لا بد من تذليلها، ولا يمكن تذليل الكثير من الصعوبات اللوجستية إلا بالتعامل مع النظام، وبالتالي وصلت طائرات المساعدات السعودية إلى مطار حلب الخاضع لسيطرته".
لكن الوقاع شدّد على وجوب أن يلتقط النظام إشارات الانفتاح عليه، لا سيما بعد الزيارات التي قام بها عدد من المسؤولين الخليجيين إلى دمشق وغيرهم، ليُقدم على عمل حقيقي وجدّي ليتوقف عن سياسة القتل والتهجير وإعادة اللاجئين، ووقف سياسة التغيير الفكري والثقافي والديمغرافي وإنهاء إطلاق يد إيران في بلاده، بحسب قوله.
وأشار الوقاع، رغم ذلك، إلى محدودية قدرة النظام على القيام بهذه الخطوات، لا سيما في ما يتعلق بالتمدد الإيراني، لكنه أكد أنه يضع آمالاً على ضغط وموقف موسكو التي تتمتع بعلاقات طيبة مع الرياض، بالإضافة إلى جهود الولايات المتحدة والتحالف الدولي التي تعتبر السعودية جزءاً منه، لوضع ترتيبات جديدة تسمح ببقاء النظام بشرط القيام بخطوات إصلاحية جذرية توقف معاناة الشعب السوري وتعيده إلى بلاده. وبرأيه، فإنه "حتى وإن كانت هذه الخطوة مؤلمة في ظلّ كل ما ارتكبه الأسد ونظامه، لكن أحياناً ليس بالإمكان أفضل مما كان"، بحسب وقاع.
وشدّد الوقاع على أن الإصلاحات "يجب أن تتضمن إيقاف القصف والقتل، وإخراج المعتقلين من السجون، وإعادة المهجرين، وإخراج إيران من سورية، بالإضافة إلى إطلاق خطة حلّ سياسي شاملة تتضمن صياغة دستور جديد، مكرّراً عدم تفاؤله بقدرة النظام على القيام بهذه الخطوات أو عدم رغبته من الأساس.