أعلن مايك بنس النائب السابق للرئيس دونالد ترامب، اليوم الأربعاء، ترشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية في 2024، بعد إعلان حاكم ولاية نيوجرسي السابق كريس كريستي، الترشح أيضاً، وكلاهما من الوجوه المحسوبة على الخط الكلاسيكي للحزب الجمهوري والمتنافر مع الرئيس السابق ترامب.
وبذلك اكتملت عملياً لائحة المتنافسين الجمهوريين على الفوز بترشيح الحزب، وخوض من ترسو عليه انتخابات التصفية الحزبية، المعركة ضد الرئيس بايدن.
عددهم هذه المرة 12 مقابل 17 في انتخابات 2016، وفي المرتين كان ترامب وما زال في الطليعة، فهو الآن المرشح الجمهوري المتقدم بأشواط على الـ11 الباقين. لكن السباق ما زال في بدايته؛ مرحلته الرسمية الأولى ما زالت على بُعد 7 أشهر، ويفصله عن موعد الاستحقاق النهائي حوالى 17 شهراً (أول يوم ثلاثاء من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024)، وقد تطرأ تطورات تغيّر التوازنات بين المرشحين الجمهوريين حتى ذلك الحين، ولا سيما أنّ السوابق والمعطيات ليست لمصلحة ترامب.
وتشير تجارب الرؤساء الأميركيين الـ46، إلى نجاح واحد منهم فقط في استعادة الرئاسة بعد أربع سنوات من فشله في تجديد ولايته، وهو غروفر كليفلاند (1885 و1897)، فيما خاض أربعة رؤساء آخرين محاولات للعودة دون جدوى.
كذلك لم يسبق لرئيس أن عاد إلى حلبة الترشح ليواجه منافسين حزبيين من بينهم نائبه السابق، باستثناء حالة واحدة حصلت منذ 127 سنة عندما كان نائب الرئيس لا يدين لرئيسه باختياره لخوض المعركة معه وإيصاله إلى الموقع الثاني في السلطة.
خطوة تقول الكثير من جانب بنس المكتوي بتجربته مع ترامب، التي يعرف عنها ما لا يعرفه إلا القلّة وبما يؤثر في شريحة واسعة من الأصوات المتأرجحة التي ساهمت في حمل ترامب إلى البيت الأبيض في 2016. وكذلك هو حال كريستي الذي كان قريباً من ترامب ويخزن معلومات بارزة عن رئاسة الأخير.
ولا يقلل من ذلك وجود رصيد هزيل جداً لبنس وكريستي لدى الناخبين الجمهوريين حتى الآن. أما المفارقة الكبيرة، فهي أنّ ترامب يخوض معركة باسم حزب تخاصمه قيادته وتنقسم قاعدته الانتخابية، والعكس صحيح، إذ إنّ الحزب المشطور ستعمل ماكينته الانتخابية التقليدية للتقليديين، مثل بنس وكريستي، لو تمكّنا من الإقلاع.
وكانت الخصومة مكبوتة عام 2020، حيث لم يكن هناك منافس لترامب على الترشح من الحزب الجمهوري، وفي عام 2016 صوت حوالى 30 مليون ناخب جمهوري في انتخابات التصفية الحزبية، نال ترامب معظمها، فيما ينافسه عليها هذه المرة 11 مرشحاً يجمعهم هدف رئيسي هو منع فوزه بالترشيح الحزبي.
المراهنة أنّ ترامب لن يقوى على تكرار تسويق حملته في ظل وضعه الغارق بالدعاوى والتحقيقات القضائية والاتهامات الجنائية التي من المتوقع أن يضاف إليها في الأيام القليلة المقبلة، توجيه تهمة جرمية أخرى في قضية الوثائق السرية التي نقلها معه بعد نهاية رئاسته والتي يتردد أن المحقق الفيدرالي الخاص في هذه القضية قد أشرف على رفع تقريره بشأنها.
مشكلة ترامب أنه علق في قبضة المؤسسة. تمادى وكانت حساباته خاطئة. ومشكلة الحزب الجمهوري أو على الأقل قسم منه، أنه متورط بترامب، لا هو قادر على نسف الجسور معه لافتقاره إلى قيادة كاريزماتية تتصدى له، ولا هو قادر على السير وراءه. قضى السنوات الماضية وهو يمشي مواربة إلى جانبه.
وتبلورت المواجهة مع ترامب في هذه الانتخابات أكثر، إذ هاجم كريستي في إعلان ترشحه ترامب بقوة وبصورة مباشرة، وقد يكون ذلك نموذج المنافسة مع الرئيس السابق في معركة الانتخابات الحزبية، علماً أنّ المرشحين الآخرين نأوا حتى الآن عن المواجهة المكشوفة مع ترامب، ما يترك معركة الجمهوريين مع ترامب غامضة ومحاطة نهاياتها بكثير من علامات الاستفهام.
وكذلك الحال، ولو لأسباب أخرى على جبهة الديمقراطيين، ورغم الالتفاف الواسع في صفوفهم حول ترشيح الرئيس بايدن، إلا أنّ هناك حالة من الاطمئنان المنقوص. الجمهوري لديه قلق من ترامب وتسببه المحتمل بخسارة معركة الرئاسة، والديمقراطي لديه تخوف من مفاجآت بايدن التي قد يفرضها العمر. ومع اكتمال مشهد ترشيح الجمهوريين يبدأ العد العكسي لانتخابات غير اعتيادية بكل المقاييس.