ريف دير الزور... ميدان رسائل بين واشنطن وطهران

07 يناير 2022
للتحالف الدولي، بقيادة أميركا، العديد من القواعد في شرق سورية (Getty)
+ الخط -

تحوّل أقصى الشرق السوري إلى ميدان تبادل رسائل بين الإيرانيين والأميركيين، في ظل القصف الجوي من طائرات التحالف الدولي لقواعد ونقاط عسكرية إيرانية في ريف دير الزور، يقابله قصف صاروخي من المليشيات الإيرانية باتجاه قاعدة "العمر"، أكبر قواعد التحالف في سورية.

تصعيد عسكري في دير الزور

وشهد ريف دير الزور الشرقي تصعيداً عسكرياً تزامن مع الذكرى الثانية لمقتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني في 3 يناير/ كانون الثاني 2020، بغارة أميركية بطائرة مسيّرة في محيط مطار بغداد.

ياسين جمول: مناطق النفوذ باتت شبه ثابتة بين الفاعلين الدوليين

ووفق مصادر إعلامية ومحلية متقاطعة، فقد تعرضت قاعدة "العمر"، التابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، الأربعاء الماضي، لقصف صاروخي من مقار مليشيات إيرانية تسيطر على ريف دير الشرقي، جنوب نهر الفرات.

ولطالما تعرضت هذه القاعدة ومواقع تابعة للتحالف الدولي في ريف دير الزور لقصف صاروخي محدود من المليشيات، يُنظر إليه على أنه رسائل إيرانية للجانب الأميركي مفادها أن قواعده في مرمى النيران.

في المقابل، ذكرت شبكة "نهر ميديا" الإعلامية المحلية أن 6 طائرات مسيّرة، تتبع للتحالف الدولي، حلقت، أمس الخميس، في سماء ريف دير الزور الشرقي ومحيط قاعدة حقل العمر النفطي.

وبيّنت الشبكة أن قصفاً مدفعياً من جانب التحالف الدولي استهدف، أمس الأول، مواقع المليشيات الإيرانية جنوبي مدينة الميادين، جنوب نهر الفرات،

وأشارت الشبكة إلى أن طائرات مسيّرة استهدفت، الأربعاء الماضي، مباني لمعسكر تدريبي جديد افتتحته مليشيات "الحرس الثوري" الإيراني في منطقة المزارع، جنوب الميادين.

وكانت طائرات أميركية قد نفذت، الثلاثاء الماضي، غارات على مواقع للمليشيات الإيرانية في بادية بلدتي القورية والعشارة، شرقي دير الزور.

وفي السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن "مسؤول في التحالف الدولي" قوله إن التحالف نفذ، يوم الثلاثاء، ضربة في سورية لاستهداف مواقع إطلاق صواريخ تشكل "تهديداً وشيكاً".

ويفصل نهر الفرات بين القوات الأميركية والمليشيات الإيرانية في شرقي سورية، وهو ما يسهّل مهمة هذه المليشيات في استهداف حقل العمر، حيث القاعدة الأميركية، بشكل دائم.

ووفق مصادر محلية، فإن تأثير القصف الإيراني على قاعدة العمر "غالباً ما يكون محدوداً ولا يؤدي إلى مقتل عسكريين من جانب التحالف الدولي".

ويحتفظ هذا التحالف بحضور عسكري واسع النطاق في شرقي سورية، للحد من النفوذ الإيراني وحماية حقول وآبار النفط والغاز في ريفي دير الزور والحسكة، وأبرزها "العمر" النفطي، أكبر حقول النفط في سورية مساحة وإنتاجاً.

كما توجد في المنطقة الخاضعة للنفوذ الأميركي وتسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، العديد من أكبر الحقول البترولية في سورية.

وللتحالف الدولي العديد من القواعد في شرق سورية، سواء في محافظة دير الزور أو محافظة الحسكة، بينما ينشر "الحرس الثوري" الإيراني عشرات المليشيات في ريف دير الزور، خصوصاً بين مدينتي الميادين والبوكمال.

مصطفى الفرحات: الريف الشرقي لدير الزور المعبر الوحيد للإيرانيين

ويعد ريف دير الزور جنوب النهر منطقة نفوذ إيرانية بلا منازع، حيث تنشط طهران على مختلف الصعد في المنطقة، لدرجة العبث بالهوية الدينية والديمغرافية في مدينتي الميادين والبوكمال.

ومنذ أواخر عام 2017 ينفذ طيران التحالف الدولي هجمات على مواقع وقواعد هذه المليشيات بشكل دائم، لمنعها من خلق وقائع على الأرض لا يمكن تجاوزها.

ولكن "الحرس الثوري" يرسل تعزيزات باستمرار، غير آبه، كما يبدو، بالتهديد الأميركي، لأن المنطقة تشكل أهمية كبيرة للإيرانيين، كونها حلقة وصل مهمة في الطريق البري بين إيران مروراً بالعراق وسورية وصولاً إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط. ويبدو أن طهران ماضية في تنفيذ مشروع سككي يربطها مع العراق في المرحلة الأولى، ومن ثم يصل إلى ميناء اللاذقية السوري.

تحرشات بمناطق النفوذ الأميركي في سورية

الباحث في مركز "الحوار السوري" ياسين جمول أشار، في تعليقه على ما يجري في ريف دير الزور من تصعيد إيراني أميركي متبادل، إلى أن مناطق النفوذ باتت شبه ثابتة في سورية بين الفاعلين الدوليين، وصارت أقرب لما كان يُعرف قديماً بـ"حِمى الملوك". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد": من الطبيعي أن يتم إزعاج أي طرف عن طريق التحرّش بحِماه أو منطقة نفوذه.

وبيّن جمول أن الريف الشرقي لدير الزور، شمال نهر الفرات، "يُصنف منطقة نفوذ للأميركيين"، مشيراً إلى "أن الروس أحياناً يتحرشون بهم، وأحياناً أخرى يحاول الإيرانيون ذلك"، وقال: لأنها مستودع قوة ومصدر تمويل، فمن الطبيعي أيضاً أن يبقى التنازع عليها مستمراً، لعدم قناعة كل طرف بما سلبه من الكعكة السورية، ولأن عيونه معلقة على ما سلبه غيره أيضاً.

وأضاف جمول: "يجب ألا نُغفل نشاط خلايا داعش في المنطقة، بالتوازي مع التحرش بين إيران والولايات المتحدة، فقد تكون ورقة ضغط أخرى على الأميركيين للدفع باتجاه مكاسب لإيران، سواء من جهة تعجيل مفاوضات العودة للاتفاق النووي، أو للتخفيف من الضربات على مليشياتها في سورية".

من جهته، أوضح المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ريف دير الزور الشرقي منطقة حساسة ومهمة لكل أطراف الصراع في سورية".

وقال الفرحات: "بعد التضييق على الحركة الإيرانية عبر مطار دمشق الدولي، واستهداف شحنات الأسلحة الإيرانية التي تصل إلى ميناء اللاذقية من قبل الطيران الإسرائيلي، بقي الريف الشرقي لدير الزور المعبر البري الوحيد أمام الإيرانيين".

وأعرب الفرحات عن اعتقاده بأن "تعثر المفاوضات بين الغرب وإيران حول ملفها النووي ينعكس تصعيداً عسكرياً في ريف دير الزور الشرقي"، مضيفاً: التصعيد سيستمر طالما لا يوجد حل سياسي للقضية السورية.

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون