ريف درعا الغربي: تعزيزات النظام تحيي مخاوف تجدد التصعيد

30 مارس 2021
يعتمد النظام سياسة تعميم الفوضى الأمنية في عموم درعا (يوسف قروشان/ فرانس برس)
+ الخط -

عززت قوات النظام السوري أخيراً مواقعها في ريف درعا الغربي، ما فجّر مخاوف لدى السكان من عودة التصعيد العسكري إلى المنطقة التي لطالما حاولت هذه القوات اقتحامها، ولكنها فشلت بسبب مقاومة كبيرة تبديها مجموعات مسلحة محلية ترفض أي عودة عسكرية أو أمنية للنظام تحت أي ذريعة. وقال الناشط المعارض، محمد الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ قوات النظام أحضرت، أول من أمس الأحد، تعزيزات عسكرية إلى نقاطها في محيط بلدة المزيريب بريف درعا الغربي، جلها دخل إلى مبنى مؤسسة الري، بينما تمركز بعضها على طريقي اليادودة وطفس. وذكر الحوراني أن التعزيزات ضمت عناصر وآليات مدرعة وسيارات مزودة برشاشات ثقيلة، تابعة لـ"الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، موضحاً أنّ الكثير من العناصر الذين جلبتهم الفرقة إلى المنطقة، هم من المنتسبين الجدد للمليشيات المحلية التي شكلها النظام منذ عام 2018، من أهالي درعا ومحيطها. ولفت الحوراني إلى "مخاوف جدية لدى أهالي بلدة المزيريب ومحيطها، من نية الفرقة الرابعة اقتحام البلدة، وإحداث نعرات عائلية وعشائرية بين أبناء محافظة درعا".

أحضرت قوات النظام تعزيزات لنقاطها بمحيط بلدة المزيريب

من جهتها، ذكرت مصادر محلية، أنّ الفرقة الرابعة رفعت سواتر ترابية على طريق المزيريب-اليادودة، وعززت تلك المنطقة بالسلاح والعناصر، ومنعت المدنيين من سلوك ذلك الطريق. وبيّنت هذه المصادر، الموجودة في بلدة اليادودة، أنّ المعطيات الميدانية تشير إلى أنّ "الفرقة الرابعة بصدد القيام بعمل عسكري في ريف درعا الغربي".
وكان قتل في منتصف مارس/ آذار الحالي، أكثر من 23 من عناصر "الفرقة الرابعة" في اشتباكات مع قيادي سابق في فصائل المعارضة السورية، هو أبو طارق الصبيحي، ومجموعته، ومسلحين من أبناء المنطقة، إثر محاولة الفرقة اعتقاله. ومنذ ذلك الحين، تعزّز الفرقة الرابعة مواقعها وحواجزها في المنطقة، لدفع فعاليات مدنية محلية للتفاوض لتسليم مطلوبين وتهجير مقاتلين رافضين لأي تسوية مع النظام. وتقع منطقة المزيريب في ريف درعا الغربي، غير بعيد عن الحدود السورية – الأردنية. ويضم ريف درعا الغربي العديد من البلدات والقرى التي لم تخضع لقوات النظام، التي تسعى جاهدة لفرض السيطرة المطلقة على مجمل الجنوب السوري.
وكانت فصائل المعارضة السورية في محافظتي درعا والقنيطرة المجاورة، اضطرت إلى توقيع اتفاقات تسوية مع النظام منتصف عام 2018، برعاية الجانب الروسي، والتي تبيّن لاحقاً أنها كانت مجرد مدخل للنظام للعودة إلى المحافظتين والقيام بعمليات انتقام واسعة النطاق. وتتلطى إيران خلف "الفرقة الرابعة"، لمدّ نفوذها في الجنوب السوري عامة، وفي ريف درعا الغربي خاصة، إذ من المعلوم أنّ ولاء الفرقة منذ بدء الثورة السورية هو للجانب الإيراني، الذي يشرف على تدريب وتسليح عناصر هذه الفرقة التي تنتشر اليوم في عموم المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.

وكانت نصت اتفاقات التسوية مع الجانب الروسي، على عدم دخول قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له إلى المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرة الفصائل، مقابل تهدئة دائمة وتسليم السلاح الثقيل، ونقل رافضي الاتفاقات إلى الشمال السوري. وحاولت قوات النظام منذ ذلك الحين، تجاوز هذا الاتفاق واقتحام مدن وبلدات مثل: جاسم، وطفس، والمزيريب، والصنمين، ولكنها فشلت بسبب مقاومة مجموعات كانت منضوية ضمن "الجيش السوري الحر" لا تزال تحتفظ بسلاحها الفردي والمتوسط. كما حاولت قوات النظام أكثر من مرة اقتحام حي "درعا البلد" تحت ذرائع مختلفة، ولكن محاولاتها منيت بالفشل. وفي 18 مارس الحالي، خرجت تظاهرات في درعا في الذكرى العاشرة للثورة السورية، وبدت محافِظة على أبرز شعارات هذه الثورة ولا سيما المطالبة بـ"إسقاط النظام"، في رسالة واضحة للأخير أنه من الصعوبة بمكان عودة قوات النظام وأجهزة أمنه إلى مناطق خرجت عن سيطرته لسنوات عدة.

في السياق، أشار المحلل العسكري، العميد أسعد الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "النظام يبحث عن أي ثغرة يستطيع من خلالها تفريغ الضغط الشعبي الذي يتعرض له"، مضيفاً: "حاول في البداية التوجه إلى محافظة إدلب في الشمال الغربي من سورية، وفشل، ومن ثمّ ركز على تنظيم داعش في البادية، وفشل كذلك. واليوم يتجه إلى درعا التي يظنها الخاصرة الرخوة". ورأى الزعبي أن محاولات النظام في ريف درعا الغربي "ستفشل أيضاً"، مضيفاً: "هذه آخر المحاولات". وعن موقف الضامن الروسي الذي أشرف على اتفاقات التسوية عام 2018، قال الزعبي: "الروس دوماً يعطون الضوء الأخضر للنظام السوري في كل عملية بشكل سري، فإن نجحت أعلنوا أنهم هم السبب، وإن فشلت تنصلوا من المسؤولية وتدخلوا كقوة فصل وسلام".

المعطيات تفيد بأن الفرقة الرابعة بصدد القيام بعمل عسكري

ويعتمد النظام سياسة تعميم الفوضى الأمنية في عموم محافظة درعا، وهو ما يسمح بالقيام بعمليات اغتيال واسعة النطاق بحق معارضين ومنتسبين سابقين لفصائل المعارضة السورية. في المقابل، تنشط في محافظة درعا مجموعات يُعتقد أنها جزء من "المقاومة الشعبية" في الجنوب السوري، في استهداف عناصر في أجهزة النظام الأمنية ومتعاونين محليين معها. وكانت "المقاومة الشعبية" أعلنت عن نفسها أواخر العام 2018، لـ"ردع قوات الأسد والمليشيات الموالية لها، في ظلّ استمرارها بالاعتقالات والانتهاكات بحق مناطق الجنوب السوري"، وفق بيان صدر عنها في حينه.
إلى ذلك، وثّق "تجمع أحرار حوران" المعارض، خلال شهر فبراير/شباط الماضي، 22 حالة اعتقال، بينها امرأة، نفذتها قوات النظام بحق أبناء محافظة درعا، أُفرج عن 3 من المعتقلين خلال الشهر ذاته، وفق مكتب التوثيق في "التجمع". وأشار المكتب في بيان إلى أن "أعداد المعتقلين أكبر من الرقم الموثق، بسبب امتناع بعض أهالي المعتقلين في درعا، عن الإدلاء بمعلومات عن أبنائهم لتخوّفات أمنية". وسجّل "التجمع"، خلال الشهر ذاته، مقتل 33 شخصاً بينهم امرأة وطفل، في محافظة درعا، منهم أربعة أشخاص قضوا تحت التعذيب في مراكز احتجاز تابعة للنظام، ومن ضمنهم اثنان اعتُقلا عقب إجرائهم التسوية. ووثق المكتب كذلك 30 عملية ومحاولة اغتيال أسفرت عن مقتل 18 شخصاً وإصابة 12 بجروح متفاوتة، ونجاة 6 آخرين.

المساهمون