مع اقتراب العام الأول من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن من نهايته، وبعد تجدد التوتر الروسي الغربي على خلفية الأزمة الأوكرانية، تترقّب موسكو رداً غربياً على المقترحات التي تقدمت بها إلى الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، بشأن الضمانات الأمنية، بما فيها المطالبة بالعدول عن خطط قبول جورجيا وأوكرانيا في عضوية الحلف.
وتنصّ مسودتا الاتفاقين الأمنيين المقترحين مع واشنطن والأطلسي، التي سلمتهما روسيا للولايات المتحدة في 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي، على تحديد مبادئ الأمن المتبادل، بما فيها استبعاد استمرار توسع الحلف شرقاً، وعدم قبول الجمهوريات السوفييتية السابقة في عضويته، والتزام الولايات المتحدة بالامتناع عن نشر قواعد عسكرية على أراضيها والدفع بالتعاون العسكري معها، وغيرها من الضمانات.
كما تضمنت المقترحات إشارة إلى الأسلحة النووية والصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، بما في ذلك منع الأطراف من نشر مثل هذه الأسلحة خارج الأراضي الوطنية لكل بلد.
الكرملين يريد الاتفاق على الضمانات الأمنية
وفتح الحلف الأطلسي نصف الباب أمام مناقشة المقترحات الروسية، مع إعلان الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أول من أمس الثلاثاء، أن الحلف سيسعى إلى إجراء مناقشات "جادة" مع موسكو، مطلع العام المقبل، لتبديد المخاوف من أفعال روسيا.
ستولتنبرغ وأضاف في مؤتمر صحافي في بروكسل: "ما زلنا مستعدين لإجراء حوار جاد مع روسيا، وأعتزم الدعوة إلى عقد اجتماع مع مجلس (حلف الأطلسي ـ روسيا) في أسرع وقت ممكن من العام الجديد".
وشدّد الأمين العام لحلف الأطلسي على أنه "لا بد أن يكون الحوار مع روسيا قائماً على المبادئ الأساسية للأمن الأوروبي، ويعالج مخاوف الحلف من أفعال روسيا. ولا بد أن يُجرى (الحوار) بالتشاور مع شركاء الحلف الأوروبيين، ومن بينهم أوكرانيا".
وتلقّف الكرملين، أمس الأربعاء، حديث ستولتنبرغ إيجاباً، معلناً ترحيبه "بتأكيد الغرب استعداده للتفاوض بشأن الضمانات الأمنية"، لكنه استدرك في بيان أن "بحث المقترحات لا يمكن أن يتحول إلى مفاوضات ماراثونية، ونأمل أن يأتي الشركاء الغربيون بمواقف واضحة".
الكرملين: بحث المقترحات لا يمكن أن يتحول إلى مفاوضات ماراثونية
بدوره، اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في حديثٍ مع قناة "روسيا اليوم"، أن "ردّ الأميركيين على مبادرات روسيا بشأن الضمانات الأمنية عملي، وتم تنسيق اتجاهات العمل المستقبلي".
وتوقع لافروف "إجراء أول جولة من المباحثات بشأن الضمانات الأمنية مطلع شهر يناير/كانون الثاني المقبل".
وكشف الوزير الروسي أنه "تم تنسيق ثلاثة اتجاهات مع الولايات المتحدة للتفاوض بشأن هذه الضمانات".
وأشار لافروف إلى أن "الإدارة الأميركية أكدت مراراً على أهمية اتفاقات مينسك، بما يشمل منح دونباس (يضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك في الشرق الأوكراني) وضعاً خاصاً"، مبدياً قلقه "من وقوف فرنسا وألمانيا إلى جانب نظام كييف الذي يشوه اتفاقات مينسك، بينما يتوجب عليهما إجبار حكومة أوكرانيا على تنفيذها".
وشدّد الوزير الروسي على أن موسكو "لا تسعى للحرب، لكننا سنستخدم الوسائل المتوفرة بحزم بغية ضمان أمننا. لا نريد اختيار طريق المواجهة المسلحة، لكن الكرة في ملعب شركائنا الغربيين".
زيلينسكي يرغب في لقاء بوتين
من جهته، أبدى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أمس، استعداده "للقاء (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين لبحث عملية السلام في دونباس وفق بنود اتفاق مينسك".
وجاء كلام زيلينسكي، بعد إعرابه، أول من أمس الثلاثاء، عن خيبة أمله، إزاء تحفّظ الأطلسي والاتحاد الأوروبي حيال ضغوط كييف التي تريد الانضمام إلى التكتلين.
وقال زيلينسكي للسلك الدبلوماسي الأوكراني "لا يمكننا قبول الفكرة التي تحظى بشعبية كبيرة اليوم حول انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي خلال 30 عاماً وإلى الحلف الأطلسي خلال 50 عاماً"، معتبراً ذلك أنّه "يثبط الجميع ويبطئهم".
وأضاف الرئيس الأوكراني أن بلاده تطمح إلى "الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات القليلة المقبلة، وإلى أن تحصل على جدول زمني للانضمام إلى الحلف الأطلسي، نريده في عام 2022".
وحول هذه التطورات، يرى الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، أن الغرب لن يوقف نشاطاته العسكرية بالقرب من الحدود الروسية.
ويرجح بلوخين في الوقت نفسه أن يتأنى الأطلسي في قبول عضوية أوكرانيا، ليس إرضاء لروسيا، وإنما لعدم رغبته في تحمّل أعبائها المالية والعسكرية.
ويقول بلوخين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الغرب "لن يقبل بكافة المقترحات الروسية، ومن الواضح أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أنشطتها العسكرية بالقرب من الحدود الروسية، فهي لم تنسحب من اتفاقيات السماوات المفتوحة والدرع الصاروخية والصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، ولم تنشر بنيتها التحتية في أوروبا لهذا الغرض".
ويشير الخبير الروسي إلى أنه "في كل مرة تدعو فيها روسيا إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، كان الغرب يرد على ذلك بتشديد الضغوط عليها. وتزداد أوكرانيا عدوانية تجاه روسيا عاماً بعد عام، ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر إلى الأبد".
ومع ذلك، يقرّ بلوخين بإمكانية نجاح الحوار الروسي الغربي حول أوكرانيا، معتبراً أنه "مهما بدا ذلك متناقضاً، إلا أن الغرب ليس من مصلحته أن تنضم أوكرانيا إلى الأطلسي، لأن ذلك سيكلف مئات المليارات من الدولارات وقد يورّطه في المواجهة المباشرة مع روسيا، ويؤدي إلى تكرار أزمة الكاريبي، حين نشر الزعيم السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، صواريخ سوفييتية في كوبا" في عام 1962، رداً على نشر الصواريخ الأميركية في تركيا.
وحول تفاؤل زيلينسكي، في تحديد الأطلسي في العام المقبل "أفقاً زمنياً محدداً" لانضمام بلاده، مع وعده بحلّ الوضع في دونباس في أسرع وقت، واسترداد شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014، يقلّل بلوخين من هذا التفاؤل.
ويعود السبب، وفقاً لبلوخين، إلى أن "أوكرانيا تتطلع إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والأطلسي، للعيش وفقاً للمعايير الغربية، ولكن منح عضوية الحلف لها عملية مكلفة. ولذلك يفضل الغرب أن يستفيد من الشراكة معها بلا عضوية، ويقدّم لها وعوداً من دون تحقيقها، مثلما ظلت تركيا تنتظر عضوية الاتحاد الأوروبي لعقود".
زيلينسكي مستعد للقاء بوتين وتطبيق اتفاقات مينسك
من جهته، اعتبر رئيس الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية، ألكسندر ياكوفينكو، أن مشروعي الاتفاقين مع الولايات المتحدة والأطلسي يهدفان إلى "كسر تنامي التوتر في العلاقات مع الغرب"، محمّلاً إياه المسؤولية عما آلت إليه الأمور منذ قرار توسيع الحلف في عام 1994.
وفي مقال بعنوان "الدبلوماسية أو المواجهة" نشر في صحيفة "كوميرسانت" الروسية، رأى ياكوفينكو أن "روسيا محاصرة بأفق مضاعفة امتداد حدودها البرية مع الأطلسي، نتيجة لقبول أوكرانيا في عضويته، فضلاً عن الاستثمار العسكري الزاحف إلى أراضيها".
بوتين قلق من الدرع الصاروخية الأميركية
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أعرب، أول من أمس الثلاثاء، عن قلقه من نشر عناصر لمنظومة الدرع الصاروخية الأميركية بالقرب من الحدود الروسية، بما في ذلك احتمال ظهور منظومات صاروخية في أوكرانيا.
وحذّر بوتين خلال اجتماع موسع لهيئة وزارة الدفاع الروسية من أن الصواريخ الغربية قد تصل في هذه الحالة إلى موسكو في ظرف ما بين 7 و10 دقائق، بل 5 دقائق في حال نشر الأسلحة فرط الصوتية. وقال إن "الأميركيين على عتبة بابنا ولا مجال أمامنا للتراجع".
وكانت السفارة الروسية في واشنطن قد دعت، في بيان عبر "تويتر" أمس، الولايات المتحدة، إلى "عدم تشويه الحقيقة، واتخاذ خطوات من شأنها في الواقع خفض التصعيد حول أوكرانيا، عبر الامتناع عن إنشاء مواقع عسكرية موجهة ضد روسيا عند حدودنا".
وجاء البيان رداً على تغريدة ذكر فيها المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أن "روسيا ووكلاءها، وليس أوكرانيا أو الولايات المتحدة، مسؤولون عن تصعيد التوترات".
وفي سياق التوترات، أعلنت شركة "غازبروم" الروسية، أمس، عن تخفيض ضخ الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر خط "يامال - أوروبا"، التي تراجعت وتيرته منذ يوم السبت الماضي، مع توقفه لبعض الوقت، أول من أمس الثلاثاء. ونفى الكرملين ارتباط هذا الأمر بالتوترات السياسية، لكن التوقف عن ضخ الغاز، أدى إلى ارتفاع أسعاره في أوروبا.