روسيا: خنق المعارضة عشية انتخابات الدوما

14 يونيو 2021
من تظاهرة داعمة لنافالني في موسكو (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -

مع بقاء أقل من ثلاثة أشهر على موعد انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي الذي يهيمن عليه حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، تعيش روسيا حالة من تضييق الخناق على المعارضة "غير النظامية"، تراوح بين اعتقال رموزها أو الضغط عليهم ودفعهم لمغادرة البلاد، وصولاً إلى حظر جميع منظمات ومقار المعارض الروسي الأبرز والمعتقل حالياً، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد" أليكسي نافالني، بتصنيفها كـ"متطرفة".

معارض روسي: قرار محكمة موسكو حول منظمات نافالني سيؤثر سلباً على جميع من تمنّوا رؤية انتخابات نزيهة

وواجه نافالني تضييقاً غير مسبوق منذ انتهاء رحلة العلاج من التسميم بغاز أعصاب يشتبه أنه ينتمي إلى مجموعة "نوفيتشوك" في ألمانيا وعودته إلى روسيا في يناير/ كانون الثاني الماضي، وتم تحويل حكم السجن الصادر بحقه مع وقف التنفيذ في قضية "الاختلاس" بشركة "إيف روشيه" إلى السجن النافذ بذريعة خرقه شروط إطلاق سراحه. وبعد تغييب نافالني بشخصه عن الساحة السياسية، بدأت نيابة موسكو منذ منتصف إبريل/ نيسان الماضي، بالمطالبة بإدراج جميع منظماته على قائمة المنظمات المتطرفة بحجة قيامها بـ"خلق ظروف لزعزعة استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي" ودعوتها لـ"أعمال العنف والنشاط المتطرف وأعمال الشغب العامة عن طريق محاولات توريط القاصرين في النشاط غير القانوني" بالتنسيق وبطلب من مختلف المراكز الأجنبية، بحسب الرواية الرسمية الروسية.

وبعد إصدار محكمة موسكو قراراً بتصنيف صندوق نافالني ومقاره كمنظمات "متطرفة"، يتوقع عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة) المعارض في موسكو أليكسي كرابوخين أن تزيد هذه الخطوة من صعوبة وصول مرشحي المعارضة "غير النظامية" إلى الدوما، جازماً بأنها تأتي ضمن تضييق الخناق على المعارضة عشية الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها بين 17 و19 سبتمبر/ أيلول المقبل. ويقول كرابوخين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قرار محكمة موسكو سيؤثر سلباً على جميع من تمنّوا رؤية انتخابات نزيهة في روسيا، خصوصاً أنه قد لا ينعكس فقط على نشطاء حملة نافالني، وإنما أيضاً على من دعموهم بالتبرعات"، متابعاً "نحن كحزب يابلوكو، مثلاً، كان بإمكاننا تقديم مرشحين من حملة نافالني، ولكن ذلك سيكون صعباً من وجهة النظر القانونية بعد صدور القرار". ويضيف ساخراً: "بهذا المنطق يمكن تصنيف حتى من سمعوا اسم نافالني أو رأوا صورته متطرفين، فهذا مسرح العبث ولا تبقى لنا فيه سوى السخرية المرّة".

ومع ذلك، يعتبر كرابوخين أن قرار محكمة موسكو لا يعني استبعاد احتمال وصول مرشحي المعارضة "غير النظامية" إلى الدوما نهائياً، قائلاً: "لا تزال هناك فرصة، فهناك مرشحون من غير أعضاء مقار نافالني، ولكن الوضع ازداد تعقيداً، كما أن استمرار التصويت لمدة ثلاثة أيام سيقلل من إمكانيات المراقبة طوال هذه الفترة، وسيزيد من احتمال التزوير"، مضيفاً "بشكل عام، يجري تضييق الخناق على المعارضة، واضطر النائب السابق في الدوما، المعارض دميتري غودكوف، إلى مغادرة البلاد".

أنصار نافالني سيضطرون للبحث عن أساليب عمل جديدة

ويقلل كرابوخين من أهمية المزاعم بأن حظر منظمات نافالني يهدف إلى توجيه رسالة ما إلى الغرب عشية أول لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الأميركي جو بايدن، في جنيف في 16 يونيو/ حزيران الحالي، قائلاً إن "هذه الحملة تندرج في سياق الانتخابات، وبايدن سيتحدث خلال القمة عن العقوبات وسيعرب عن قلق واشنطن من وجود معتقلين سياسيين في روسيا، ولكنه لن يخطو أبعد من ذلك".
وسبق لمحكمة مدينة موسكو أن قررت في جلسة مغلقة، عقدت يوم الأربعاء الماضي واستمرت لأكثر من 12 ساعة، تصنيف "صندوق مكافحة الفساد" ومقار نافالني كمنظمات "متطرفة"، ما زاد من صعوبات تنسيق العمل السياسي بين قوى المعارضة "غير النظامية".
وفي هذا السياق، يعتبر مدير "مجموعة الخبراء السياسيين" (منظمة روسية تضم خبراء ومحللين ومستشارين سياسيين)، قسطنطين كالاتشوف، أن قرار حظر منظمات نافالني كان متوقعاً، مستبعداً احتمال إقدام أنصاره على تسجيل أي شخصية اعتبارية جديدة في الفترة المقبلة. ويقول كالاتشوف، في حديث مع "العربي الجديد": "كانت هذه القصة متوقعة إلى حد كبير، وأعتقد أن أنصار نافالني سيضطرون للبحث عن أساليب عمل جديدة"، لافتاً إلى أن أهم موظف في "صندوق مكافحة الفساد"، ليونيد فولكوف، موجود حالياً في الخارج، ولا عوائق أمامه لبث أفكاره بواسطة مختلف قنوات الاتصال. ويذكّر بأن "فولكوف نفسه أعلن في نهاية إبريل الماضي عن حل مقار نافالني، لأن المنظمة سيتم إدراجها تحت بند (التطرف)، وتغيير العلامة لن يساعد في هذه الحالة".

ومن مؤشرات مواصلة فولكوف نشاطه حتى بعد مغادرته روسيا، عقده لقاء مع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في واشنطن، تناول قضايا احترام الديمقراطية وسيادة القانون، وهو لقاء تحوّل إلى موضع للهجوم من قبل بعض وسائل الإعلام الروسية الموالية للكرملين. ويخلص كالاتشوف إلى أنه "لن تكون هناك في القريب العاجل أي محاولات لتسجيل شخصيات اعتبارية جديدة" من قبل أنصار نافالني في الظروف الحالية.

ومن اللافت أن حظر منظمات نافالني تزامن مع مواصلة مجلس الدوما مناقشة مشروع قانون تعديل المادة 284.1 من القانون الجنائي الروسي (مزاولة نشاط منظمة غير مرغوب فيها)، لتشمل التعديلات إمكانية الملاحقة الجنائية بتهم تمويل أو المساعدة في جمع الأموال للمنظمات "غير المرغوب فيها" وتقديم أي خدمات مالية لها. وفي 31 مايو/ أيار الماضي، اعتقلت قوات الأمن الروسية المدير السابق لمنظمة "روسيا المفتوحة" أندريه بيفوفاروف، عند سفره من مطار بولكوفو في العاصمة الشمالية الروسية سانت بطرسبورغ إلى وارسو. وتم إخراج بيفوفاروف من الطائرة عندما كانت تستعد للإقلاع، ثم جرى ترحيله إلى مدينة كراسنودار، جنوب روسيا، وقررت محكمة محلية حبسه لمدة شهرين.

المساهمون