روسيا تستميل "سورية الديمقراطية" من بوابة الدستور

20 فبراير 2022
تحاول روسيا دفع الأكراد للتوصل إلى تفاهمات مع النظام (بكر قاسم/الأناضول)
+ الخط -

فتحت تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الخميس الماضي، الباب مجدداً أمام مشاركة "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الجناح السياسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، في اللجنة الدستورية المشكّلة من النظام والمعارضة، ومنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، تحت إشراف أممي. 

وقال بوغدانوف، إن بلاده تدعم مشاركة ممثلين عن الأكراد السوريين، فيما أسماه "الإصلاح الدستوري"، مشيراً إلى أن ذلك سيحول دون أي اتهامات بالانفصال.

ورحبت "الإدارة الذاتية" لشمال شرقي سورية والتابعة لقوات "قسد"، التي يشكّل الأكراد عمادها الرئيسي، بتصريحات المسؤول الروسي. وأشارت، في بيان أمس الأول الجمعة، إلى أنها "تتفق مع رؤية الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، حول ضرورة رؤية الواقع السوري كما هو". 

عبد الواحد: موسكو تحاول سحب ورقة الأكراد من يد واشنطن

وشددت على "ضرورة مشاركة كل السوريين، بكافة مكوناتهم، في عملية الحل والحوار السوري، والمشاركة في لجنة صياغة دستور يعبّر عن حاجة السوريين، ويضمن لهم مستقبلا عادلا ومتساويا". وأكدت أنها ليست "مع أي مساس بالوحدة السورية، لا الجغرافية ولا المجتمعية". 

"مسد" يطالب بالمشاركة في أي حوار سوري 

من جانبه، أكد بسام إسحق، عضو الهيئة الرئاسية والرئيس المشترك لممثلية "مسد" في واشنطن، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مجلس سورية الديمقراطية كان وما يزال يطالب بالمشاركة في أي حوار وطني سوري حول مستقبل البلاد". 

ورداً على سؤال حول شكل المشاركة في اللجنة الدستورية في حال دُعي المجلس لذلك، قال إسحق: هذه تفاصيل تُدرس ويُرد عليها في حال تمت الدعوة فعلاً من قبل الأمم المتحدة.

وتسيطر "قسد" على نحو ثلث مساحة سورية، والمتمثل بمنطقة شرقي نهر الفرات، والتي تعد المنطقة الأغنى بالثروات في البلاد، حيث تضم ثروات مائية وزراعية ونفطية. 

ويشكل العرب غالبية سكان منطقة شرقي نهر الفرات، ولكن ليست لديهم جبهة سياسية واحدة تمثلهم. وتعد "الوحدات" الكردية، وهي ذراع عسكرية لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، الثقل الرئيسي في هذه القوات، المستبعدة من العملية السياسية في سورية، بسبب اتهامات لها بالسعي إلى تشكيل إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية. 

ويُتهم "الاتحاد الديمقراطي" بأنه نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني"، المصنف في تركيا ودول أخرى كتنظيم إرهابي، وهو ما يحول دون مشاركة "الإدارة الذاتية" أو "مسد" في العملية السياسية السورية.

وتطالب المعارضة السورية بفك "قسد" أي ارتباط لها بحزب "العمال الكردستاني" قبل الجلوس حول طاولة تفاوض، يمكن أن تفضي إلى إدراجها في الحراك السياسي، الذي يهدف إلى التوصل لحل سياسي للقضية السورية برمتها، بما فيها الملف الكردي. 

وفي السياق، أشار الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن موسكو "حاولت أكثر من مرة إدخال قوات سورية الديمقراطية والكيانات المرتبطة بها في اللجنة الدستورية، ولكنها فشلت في ذلك". 

معارضة الأتراك أي تسوية مع "قسد"

ويعزو زيادة الفشل الروسي إلى معارضة الأتراك أي تسوية مع "قسد". ويعتقد زيادة أن الطرح الروسي "محاولة لإزعاج أنقرة بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية"، مضيفاً: هذه لعبة الدول، عبر استخدام الأوراق أو التلويح بها.

من جانبه، اعتبر المحلل المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن موسكو "كانت ولا تزال تحاول سحب ورقة الأكراد من يد واشنطن، وتعمل على استغلال القبول الضمني لدى القوى المسيطرة على مناطق الأكراد للتعاون مع النظام بما يخدم رؤيتها للحل في سورية". 

ورأى أن الطرح الروسي "تريد منه موسكو إضعاف موقف قوى المعارضة، الضعيف أصلاً في عمل اللجنة الدستورية". وبرأيه، يبدو أن روسيا تأمل أن يساعد إدخالها هذا الجزء حصراً من القوى الكردية إلى اللجنة الدستورية، في فرض فكرة أن الهدف من العملية السياسية ليس تغيير النظام وتأسيس جهاز حكم انتقالي، وإنما وضع دستور، باعتبار أن هناك قوى مستعدة للتفاوض مع النظام للتوصل إلى حل وسط.


زيادة: الطرح الروسي محاولة لإزعاج أنقرة بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية

يذكر أن الأكراد السوريين ليسوا بعيدين عن اللجنة الدستورية المشكلة من قبل الأمم المتحدة، وتضم ممثلين عن المعارضة والنظام، وعن المجتمع المدني من الطرفين. ويضم وفد المعارضة ممثلين عن "المجلس الوطني الكردي"، وهو أحد المكونات الرئيسية في الائتلاف الوطني السوري. كما يضم وفد النظام أكراداً موالين له.

وحاولت وزارة الخارجية الأميركية خلال عام 2020 تقريب وجهات النظر بين "المجلس الوطني الكردي" و"أحزاب الوحدة الوطنية"، التي يقودها "حزب الاتحاد الديمقراطي" بهدف ترتيب البيت الكردي في سورية، وتشكيل مرجعية سياسية واحدة، تمثل الأكراد السوريين في استحقاقات الحل السياسي، تحت مظلة الأمم المتحدة. 

وخاض الطرفان، وهما أكبر كيانين سياسيين في المشهد الكردي السوري، جولات حوار عدة، حيث اتفقا على الكثير من المسائل. لكن هذا الحوار اصطدم أخيراً بعقبة يبدو من الصعب تجاوزها في الوقت الراهن، وهي وجود كوادر لـ"حزب العمال الكردستاني" في "قسد" و"الإدارة الذاتية".

وبسبب استبعادها من العملية الدستورية الأممية، تعمل "الإدارة الذاتية" على إقرار "عقد اجتماعي" يكاد يرقى إلى مستوى الدستور في مناطق سيطرتها، في شرق الفرات، وبعض المناطق غربه مثل مدينة منبج. 

محاولة روسية لإنقاذ اقتصاد النظام

ومن الواضح أن موسكو تحاول استمالة "قوات سورية الديمقراطية" والأحزاب الكردية، التي يقودها "الاتحاد الديمقراطي"، وتشكل "الإدارة الذاتية"، في محاولة لتعبيد الطريق لتفاهم بينها وبين النظام الساعي إلى العودة لشرق الفرات لإنقاذ اقتصاده الذي وصل إلى حافة الانهيار. 

لكن اللجنة الدستورية، التي عقدت عدة جلسات كانت نتيجتها صفراً، تواجه عراقيل وضعها النظام السوري، الذي يريد تعديلاً بسيطاً على دستور 2012، يُبقي الحال السياسي كما هو عليه اليوم. في المقابل، تبحث المعارضة عن انتقال سياسي على أساس دستور جديد.

وتريد "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية اعترافاً دستورياً بها، وهو ما يرفضه النظام والمعارضة معاً. وتعتبر هذه "الإدارة" أي دستور مقبل لا تشارك في صياغته "إقصائياً"، وليست ملزمة به. وهي تبحث عن نصوص دستورية ترسخ عبرها مشروعها السياسي اللامركزي، وتريد تعميم هذا المشروع من خلال الدستور في المناطق السورية، التي تضم أقليات مثل الساحل ومحافظة السويداء جنوبي البلاد.