انطلق مؤتمر عمادة المحامين التونسيين صباح اليوم السبت، ويتواصل غداً الأحد، لانتخاب عميد جديد للمحامين خلفاً لإبراهيم بودربالة، ومجلس هيئة جديد، وسط رهانات سياسية وخلافات حول المواقف من الشأن العام.
وقال بودربالة، في تصريح صحافي صباح اليوم، إنه منذ تسلمه قيادة "سفينة المحاماة، هبّت الأعاصير من كل حدب وصوب، مثل كورونا وإضراب القضاة وكل المشاكل التي اعترضت الحياة العامة والحياة المهنية، كانت في هذه العهدة"، على حدّ تعبيره، مشيراً إلى أن "من حصيلة عهدته، اتخاذ مهنة المحاماة مواقف من القضايا المهمة الوطنية، وأهمها، حسب تقديره، مساندة قرار رئيس الجمهورية في 25 يوليو/تموز، المتعلق بمكافحة الفساد مع الحفاظ على الحقوق والحريات وتدعيمها".
ويعتبر العديد من المحامين أن الملف السياسي والموقف من الشأن الوطني سيطغيان بلا شك على نقاشات الجلسة العامة العادية للمحامين اليوم، وربما على حساب الجانب المهني، حيث يحضر الموقف من الانقلاب ومسار 25 يوليو بقوة في مقدمة النقاط الخلافية التي زادت من انقسام المحامين.
ودعا بودربالة إلى المؤتمر الـ22 لعمادة المحاماة يومي 10 و11 سبتمبر/أيلول، بعد تأجيل موعده، حيث كان من المفترض عقده فور نهاية ولايته في بداية يوليو الماضي، بحسب ما تنظمه قوانين المهنة.
ويُنتخب لعضوية عمادة المحامين في مجلس هيئتها الوطنية 14 عضواً بشكل مباشر، كما يضم المجلس العميد المباشر والعميد السابق و17 رئيساً لمختلف الفروع الجهوية.
وتقدم إلى منصب عميد المحامين خلفاً لبودربالة 5 محامين من قدماء المهنة، وهم الكاتب العام الحالي للهيئة حاتم مزيّو، والكاتب العام السابق بوبكر بالثابت، ورئيس الفرع الجهوي بتونس محمد الهادفي، ومحمد بكار، وسامي شطورو. وتقدم للترشح إلى عضوية الهيئة 39 محامياً، من بينهم 6 أعضاء من المجلس الحالي.
وضع مهني وسياسي دقيق
وينعقد المؤتمر الانتخابي للمحامين في وضع مهني وسياسي دقيق في تاريخ هذه المهنة، نظراً للتغيرات السياسية الهيكلية التي عرفتها البلاد، والدور الذي لعبه المحامون، وخصوصاً العميد إبراهيم بودربالة، في ما يتعلق بدعم سياسات الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ 25 يوليو 2021، وموقف العمادة من حلّ المجلس الأعلى للقضاء، وتعيين المجلس المؤقت، ودعم بودربالة صياغةَ الدستور الجديد، بالإضافة إلى مواقف العمادة من قضايا الحقوق والحريات ومحاكمات وتوقيفات المحامين منذ تفرد الرئيس سعيّد بالسلطات.
وبيّن الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المحامي غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المحاماة ليست بمنأى عن الشأن السياسي، فقد "لعبت دوراً كبيراً في الثورة التونسية، وساهمت في تحركات 14 يناير/كانون الثاني 2011، حيث عرّض المحامون أنفسهم للموت، ثم ساهموا في هيئة تحقيق أهداف الثورة وبعدها في الحوار الوطني، كما أن العديد من المحامين هم من القيادات في الأحزاب، وكانوا يمثلون وزناً هاماً في البرلمان"، مضيفاً: "المحاماة قلعة للدفاع عن الحريات والحقوق، ويؤكد دستور 2014 أن المحاماة هي الجناح الثاني للعدالة، وهي موجودة في الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية".
واستدرك الشواشي قائلاً: "لكن للأسف، في العهدة الأخيرة مع العميد إبراهيم بودربالة، خرجت المحاماة عن مسارها وأصبحت قريبة من السلطة"، مضيفاً: "لا يمكن للمحاماة التي تمثل مجموعة ضغط أن تكون قريبة من السلطة، فدورها أساسي وتعديلي في الدفاع عن الديمقراطية والعدالة واستقلالية القضاء، وبالتالي لا يمكن أن تكون في ركاب السلطة مهما كان انتماؤها".
وقال الشواشي: "كنا نتمنى أن تخرج المحاماة من قبضة الأحزاب رغم تسييسها، ولكن للأسف عادت اليوم، ومن المفترض أن تتحرر من قبضة السلطة وأن تكون مستقلة عنها".
وبيّن قائلاً: "هذه الانتخابات سيكون فيها جانب سياسي كبير، وستكون فيها تدخلات حزبية كبيرة، وهناك من المحامين داعمون لما يحدث مع القضاة، ويساندون رئيس الدولة، ويدعمون عزل قضاة بطريقة تعسفية، وهذا يُعدّ فضيحة في حق جزء من المحامين، وأنا لن أصوت لهؤلاء".
من جانب آخر، قال الشواشي: "هناك أيضاً مرشحون مهنيون ومستقلون يحملون مشروعاً للبلاد، ليس مشروعاً سياسياً، بل مشروعاً لحماية الحقوق والحريات والعدالة والدفاع عن استقلالية القضاء المغتصب الذي يئن". وتأسف الشواشي "لصعوبة هذا المؤتمر الانتخابي، الذي ستلعب فيه الأحزاب دوراً كبيراً"، حسب توصيفه.
"انتكاسة غير مسبوقة"
من جانبه، قال رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية المحامي سمير بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "تأتي الجلسة العامة الانتخابية للمحامين في ظرف حساس، تتزامن مع خرق القانون المنظم لمهنة المحاماة من قبل العميد المنتهية ولايته، وذلك بالتمديد في ولايته دون أي مسوغ قانوني، وذلك في إطار تجاذبات سياسية وحسابات سياسية ضيقة، ولخدمة مصالحه الشخصية".
واعتبر بن عمر أن "المحاماة التونسية تمرّ بانتكاسة غير مسبوقة، أدت إلى تصاعد الاعتداءات على قطاع المحاماة من طرف سلطة الانقلاب، واستهدافه بشكل خاص لتحجيم دوره السياسي وإضعافه، حتى لا يكون في قاطرة المدافعين عن الحقوق والحريات وبهدف تدجينه وإدخاله بيت الطاعة".
وتابع: "المحامون اليوم مطالبون بالدفاع عن مهنتهم وهيئتهم حتى لا تنحرف، ولتضطلع بدورها التاريخي والطلائعي في الدفاع عن الحريات بالبلاد، ولمنع استقدام هياكل المحاماة وتوظيفها من طرف سلطة الانقلاب". وقال بن عمر: "أعتقد أن البعد الوطني والسياسي مطروح على هذه الانتخابات أكثر من أي انتخابات سابقة، خصوصاً أن المدة الأخيرة شهدت استهدافاً للمحاماة، من خلال إقصائها من المجلس الأعلى للقضاء، ورفع الحصانة عن المحامين التي كان يكرسها دستور 2014، وتوقيف عدد من المحامين بسبب موقفهم السياسي وكذلك المهني".
وشدد بن عمر على أنه "لا يمكن أن ننسى السابقة التاريخية في مهنة المحاماة بإيقاف العميد عبد الرزاق بن كيلاني، فمن الواضح أن مهنة المحاماة مستهدفة من سلطة الانقلاب ولا بد من هبة لإنقاذها والدفاع عنها". وبيّن بن عمر أن "معركة المحامين صعبة، وهناك انقسام واضح داخل قطاع المحاماة، وهي ظاهرة ليست جديدة، فهم ليسوا موحدين في معالجة قضايا البلاد، ولكن اليوم هناك خطر جاثم مهدد لوجود المحاماة أصلاً".
وتابع المتحدث "أعتقد أن المحامين سيدافعون عن مهنتهم ووجودهم، ونأمل في أن تصلح هذه الانتخابات ما أفسدته الهيئة منتهية الصلاحية"، مشيراً إلى أن "هناك من المحامين من يتذيلون للسلطة، ويعملون على تدجين المحاماة وجعلها مجرد بوق ومجرد تابع لسلطة الانقلاب، وأتمنى أن يتم التصدي لهؤلاء".
مرحلة حساسة
واعتبر عضو حزب حراك تونس الإرادة المحامي عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا المؤتمر مهم جداً في مرحلة حساسة وحاسمة، تتعلق بدور المحاماة وما قدمته على مدى عقود في طليعة القوى المدافعة عن الحقوق والحريات وعن المظلومين"، مستدركاً: "اليوم، بعد 25 يوليو، أصبحت وضعية المحاماة متردية، فقدت إشعاعها ودورها في واقع يتّسم بضرب السلطة القضائية لتصبح الهيئة على الهامش".
وأضاف: "ينتظر من هذا المؤتمر إنقاذ المهنة وإرجاعها إلى دورها المشرق، وفي الدفاع عن مطالب الديمقراطية والحقوق والحريات، أو أن تزيد من الغرق في المستنقع الذي ارتمت فيه منذ 25 يوليو، منذ انحياز الهيئة وعميدها إلى سلطة الانقلاب".
وقال السيفاوي: "هذا المؤتمر سيكون صعباً جداً في مرحلة حساسة، بسبب انقسام المحامين، وكذلك جسامة رهان إنقاذ المهنة وسمعة المحامين، منذ تعطيل الهيئة السابقة لمقاومة الانقلاب والدفاع عن الحقوق والحريات، ورغم نضال المحامين ضد ذلك، وبالتالي من العار أن تنقص قيمة مهنة المحامين في هذا الواقع، وهذه خسارة كبرى للمحامين ولكل التونسيين".
ودوّن رئيس حركة وفاء المحامي عبد الرؤوف العيادي، عبر حسابه في "فيسبوك"، قائلاً: "أتطلع لمعرفة ماذا كتب مجلس هيئة المحامين في التقرير الأدبي الذي سيعرض اليوم على الجلسة العامة عن نكبة المحاماة التي انتقلت من مؤسسة دستورية إلى شبه وظيفة تعمل على هامش الوظيفة القضائية، المنكوبة أيضاً، بمباركة من هياكل المهنة".