رفض واسع لتلويح الرئيس التونسي بحل المجلس الأعلى للقضاء

06 فبراير 2022
سعيّد يحاول توظيف اغتيال بلعيد للسيطرة على القضاء (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

أثار إعلان الرئيس التونسي، قيس سعيّد، نيته حل المجلس الأعلى للقضاء، موجة رفض وتنديد، أججها خطابه في الساعات الأولى من فجر اليوم الأحد، من مقر وزارة الداخلية، إذ كان محملا بالاتهامات للقضاة وللهيكل القضائي، ضمن محاولاته، وفق مراقبين، وضع كافة السلط بين يديه.

واتهم سعيّد خلال زيارته وزارة الداخلية بحضور الوزير توفيق شرف الدين وكبار مسؤولي وضباط الأمن، المجلس الأعلى للقضاء "بالتهاون في التعامل مع عدد من الملفات"، مشيرا إلى تعثر كشف حقيقة اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد الذي يتزامن اليوم مع الذكرى التاسعة لمقتله، فيما يطالب التونسيون بمحاسبة المتورطين والكشف عن الجناة.

وأكد سعيّد عزمه إصدار مرسوم مؤقت لتنظيم المجلس الأعلى للقضاء، مستبقا نزول متظاهرين قد يدعون لحل المجلس، بالقول "من حقكم التظاهر ومن حقنا ومن حقكم حل المجلس الأعلى للقضاء".

وتابع: "وليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي من هذه اللحظة، وقلت إنّه التحذير تلو التحذير ولن نترك الشعب لقمة سائغة لهؤلاء"، ومواصلا اتهاماته قال سعيّد إنّ "المجلس الأعلى للقضاء صار مجلسا تباع فيه المناصب، ويتمّ وضع الحركة القضائية بناء على الولاءات وليس بناء على القانون، حيث أصبحت بعض الدوائر معروفة بدائرة فلان".

وأصدر سعيّد منذ شهر مرسوما ينص على وضع حد للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، ما اعتبره المراقبون تصعيدا يسبق حل هذا الهيكل القضائي واستهدافا للسلطة القضائية يحاكي ما حدث مع مجلس نواب الشعب المجمدة أشغاله في منتصف العام الماضي.

ونشر قضاة أخيرا وثيقة رد المجلس الأعلى للقضاء على مشروع مرسوم رئاسي يعتزم سعيّد إصداره لإجراء صلح جزائي مع رجال الأعمال، تضمن رفضا لهذا النص الذي اعتبره مخالفا للدستور، وهو ما وصفه المتابعون بأحد أسباب الخلاف مع الرئيس.

وسبق أن هاجم سعيّد بلهجة قوية القضاة في أكثر من مناسبة خصوصا من يرفضون إجراءاته التي استهلها في 25 يوليو/ تموز ويعتبرونها "انقلابا"، قائلا في خطاب سابق: "لا دخل لهم في الانقلابات وعليهم التزام الصمت في إطار واجب التحفظ".

واعتبر أنه "لا وجود لدولة قضاة بل هم قضاة الدولة"، وأن "هناك مشرعا واحدا وليس آلاف المشرعين" في إشارة إلى أنه ليس من حق المجلس القضائي التشريع لنفسه، بعد أن أصبح سعيّد ممسكا بالسلطة التشريعية بمفعول الأمر 117 الذي يسحب من البرلمان سلطاته.

سعي للهيمنة على السلطة القضائية

تعليقا على ذلك قال القيادي بحزب "النهضة" وعضو مجلس شورتها، محسن السوداني، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إنها خطوة خطيرة تأتي في إطار السعي إلى الهيمنة على السلطة القضائية التي أبدت مقاومة عنيدة ضد الانقلاب ورفضًا حاسمًا للتدخل في شؤون القضاء".

عناصر أمن أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
(فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وأضاف المتحدث ذاته: "بذلك ندخل مرحلة تصعيدية بين رئيس الجمهورية والقضاء، بعد أن استولى على السلطتين التشريعية والتنفيذية، ها هو رئيس الدولة يستولي على السلطة القضائية، والخشية هي أن يوظف القضاء بعد ذلك للانتقام من خصومه السياسيين، وكذلك قطع أنفاس المعارضة والإعلام".

وشدد السوداني على أن "حل المجلس الأعلى للقضاء يعني أيضا طعن العدالة في مقتل والعودة إلى قضاء التعليمات"، مضيفا: "لا يتعلق الأمر بتهديد الحريات السياسية فحسب أو التعامل مع المعارضة كملف أمني وقضائي فقط وإنما أيضا ضرب الثقة في إحدى دعائم الاجتماع الإنساني وهي العدل".

استحواذ شمولي على كافة السلط

من جانبه قال القيادي بحزب "قلب تونس"، رفيق عمارة في تعليق لـ "العربي الجديد" إنه "من حيث الشكل فإن اختيار مقر الداخلية هو رسالة تخويف أمنية للقضاة وللمعارضين، في توظيف متواصل للمؤسستين الأمنية والعسكرية".

وتابع: "سعيّد يواصل توجيه الرأي العام بشيطنة القضاء وتشويهه في سيناريو شبيه بما حدث مع مجلس نواب الشعب قبل أن ينقض عليه ويسحب منه صلاحياته"، مبينا أن "سعيّد يعد اللمسات الأخيرة لحل المجلس الأعلى للقضاء وبالتالي لإعلان سيطرته الكاملة على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبالتالي يستحوذ على السلطة المطلقة بشكل شمولي".

وأضاف أنه "بالاستحواذ على السلطة القضائية، التي تعد الحاجز الأخير والقلعة الأخيرة قبل تصفية المنافسين وكل نفس معارض، سيتم طي صفحة التجربة الديمقراطية نهائيا".

وتصاعد غضب القضاة في تونس مع تصريحات سعيّد وتهجمه على هذا الهيكل الدستوري المسؤول على تنظيم المرفق القضائي والضامن لاستقلالية القضاة عن السلطة التنفيذية.

وقال رئيس المجلس الأعلى للقضاء في تونس، يوسف بوزاخر، في مقابلة مع "العربي الجديد"، اليوم الأحد: "سنواصل القيام بمهامنا، ولا مشروعية ولا شرعية ولا دستورية لما قد يتخذ من مراسيم في علاقة بحل المجلس الأعلى للقضاء".

وأضاف بوزاخر: "نحن نعتبر أنفسنا من الحاضر ومن المستقبل إلى حين تسليم العهدة لمن يتم انتخابه طبقاً للقانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء، وطبقاً لدستور البلاد، ونواصل القيام بمهامنا".

وأوضح بوزاخر أنه "لم يتم حل المجلس الأعلى للقضاء فعلياً أمس، ولكن تم استدعاء الناس للتظاهر والمطالبة بحل المجلس والتحريض عليه لتبرير قرار قد يتم اتخاذه"، معتبراً أن "هذه الطريقة لا تليق بمؤسسات دولة محترمة"، وموضحاً أن "الرئيس تحدث من مقر وزارة الداخلية، مع ما لذلك من دلالات".

وقال بوزاخر: "من الواضح أن رئاسة الجمهورية تسعى لضرب استقلالية السلطة القضائية، مجسدة بالمجلس الأعلى للقضاء".

استغلال التعبئة الشعبية

وأكد رئيس "جمعية القضاة الشبان"، مراد المسعودي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "سعيّد لم يحل بعد المجلس الأعلى للقضاء، بل أراد استباق استغلال التعبئة الشعبية خلال مظاهرات اليوم بمناسبة ذكرى شكري بلعيد لتوجيهها ضد القضاء".

وتابع: "يريد أن يأخذ هذا القرار لكنه متردد بسبب خوفه من ردة فعل القضاة، وبالتالي يريد توجيه القاعدة الشعبية للمطالبة بحل المجلس الأعلى للقضاء للخروج مساء وإعلان ذلك تحت مسمى الاستجابة للمطالب الشعبية".

وبين أن "سعيّد يعلم أنه لا أحد يساند هذا القرار ولا أحد يريد أن تصبح السلطة القضائية تحت سيطرة السلطة التنفيذية"، مضيفا أن سعيّد "لا يمتلك أي سند قانوني يسمح له بحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من القضاة".

وشدد المسعودي أن "هناك حالة غضب في القضاء فهو يريد أن يستولي على القضاء بأي وسيلة ويؤيد استعمال توظيف الشعب"، موضحا أن سعيّد "منع من جهة التظاهر ثم يتوجه لوزارة الداخلية للتشجيع على التظاهر ضد المجلس الأعلى للقضاء". ولفت إلى أنه "ليس القضاء من عطل ملف بلعيد، بل وزارة الداخلية هي التي لم تقدم الفيديوهات والأدلة، وبالتالي المسؤولية مشتركة".

بن سيدهم: "يعول على البوليس"

وقال القيادي بـ"ائتلاف الكرامة" الحبيب بن سيدهم لـ"العربي الجديد" إن "سعيّد يعوّل على البوليس أكثر من القضاة للسيطرة على خصومه بمختلف انتماءاتهم المهنيّة وحتى السياسيّة بالتركيز على الرمزية المكانية لاختيار وزارة الداخلية، يتوجه إليها ليلا في جنح الظلام الذي طالما تحدث عنه، ثم في ليلة ذكرى اغتيال شكري بلعيد (رحمه الله)".

وأوضح أن خطوة الرئيس التونسي تمثل "إشارة صريحة للانتماء الفكريّ والسياسيّ والتبنّي العلنيّ لقضية الاغتيالات السياسيّة والسمسرة السياسيّة والمتاجرة بدم بلعيد ضدّ خصومه السياسييّن (كما يفترض من الإخوان والدواعش)، والهدف هو تجييش المتظاهرين واللعب على وتر الأيديولوجيا".

وأكد بن سيدهم أنه يتم التوجه لـ "حلّ المجلس الأعلى للقضاء عبر تحميل القضاء مسؤولية عدم الكشف عن الاغتيالات السياسيّة وتعويله المطلق على البوليس كمعوّض للقاضي في زمن الفراغ الذي سيتركه مجلس القضاة"، وكذلك "دعوة الأمنيّين لحماية المتظاهرين زمن إجراءات اللجنة العلميّة خير دليل على اصطفافه السياسيّ والإيديولوجيّ وعلى أنه أبعد ما يكون عن الموضوعية والحياد".

غضب بمواقع التواصل الاجتماعي

وتداول نشطاء سياسيون وحقوقيون وقضاة، على مواقع التواصل الاجتماعي بغضب وتنديد كبيرين اتهامات سعيّد وتلويحه بحل المجلس الأعلى للقضاء.

وقال القيادي بحزب "التيار الديمقراطي"، محمد العربي الجلاصي، على حسابه بموقع "فيسبوك": "في 14 جانفي (يناير/ كانون الثاني)، عندما تم منعنا من التظاهر وضُربنا وتم إفراغ الغازات والحقد في عيوننا، كان الوضع الصحي أقل خطورة. اليوم وقد ساء الوضع، يتحول قيس سعيّد إلى وزارة الداخلية ليقرر السماح لأنصاره بالتظاهر مطالبة بحل المجلس الأعلى للقضاء... بل ويستجيب لمطالب أنصاره قبل حتى أن يتظاهروا معلنا حل المجلس".

وتابع الجلاصي: "كل هذا في جنح الظلام وفي أكثر الغرف إغلاقا في تونس (وزارة الداخلية). لا خطة للإنعاش الاقتصادي ولا برنامج لإصلاح المرافق العمومية ولا بداية اتفاق مع صندوق النقد... كل همه أن يجمع السلط في يده..".

غصب للسلطة

وقالت الحقوقية بشرى بلحاج حميدة، في تدوينة ساخرة على حسابها بموقع "فيسبوك"، "مبروك علينا دولة العدل والقانون والحرية 14 جانفي ممنوع التظاهر و6 فيفري (فبراير/ شباط) تشجيع على التظاهر ولندفن فيه المجلس الأعلى للقضاء في مقر وزارة الداخلية. صحيح القضاء لم يتم إصلاحه والأمن أصلح بشكل تام".

وقال القاضي حمادي الرحماني على حاسبه بـ"فيسبوك"، "حل المجلس الأعلى للقضاء من قبل رئيس الجمهورية وتنقيح قانونه بمرسوم هو غصب للسلطة وهو قرار غير شرعي ينتهك الدستور والقوانين النافذة وأبسط مبادئ الدولة الديمقراطية... بل هو قرار معدوم لا عمل عليه ولا توجد محكمة في الدنيا بإمكانها الاعتداد به، وعلى المجلس الأعلى للقضاء القيام بواجبه الدستوري في ضمان استقلال القضاء ومنع ابتلاع السلطة التنفيذية لكل السلطات".

المساهمون