ردّ إيران... إشارات أميركية ملغومة تعزز احتمال المفاجأة في المنطقة

12 اغسطس 2024
أوستن وغالانت خلال زيارة الأخير إلى واشنطن، 25 يونيو 2024 (جلال يونس/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **التوترات الإقليمية والتحركات العسكرية الأميركية**: بعد اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن إرسال غواصة مزودة بصواريخ موجهة وتسريع وصول حاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى الشرق الأوسط، وسط تقارير عن نية إيران شن هجوم على إسرائيل.

- **الموقف الإيراني وردود الفعل المحتملة**: تشير القراءة الأميركية إلى أن إيران لا ترغب في حرب مفتوحة بسبب قدراتها المحدودة، لكن هناك تخوف من رد إيراني على اغتيال هنية، خاصة مع الضغوط الإسرائيلية لتزويدها بالسلاح.

- **الاعتبارات الانتخابية الأميركية ومحاولات التهدئة**: الإدارة الأميركية تسعى لتجنب التورط العسكري في ظل الانتخابات المقبلة، وتراهن على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، لكن تصعيد نتنياهو يعقد الوضع.

مع ترقب ردّ إيران وحزب الله على اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية، والقيادي العسكري الكبير في الحزب فؤاد شكر، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس الأحد، توجّه غواصة مزودة بصواريخ موجّهة إلى الشرق الأوسط، كما تسريع وصول حاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى المنطقة. وكشف البنتاغون عن أن ذلك جاء في أعقاب مكالمة بين أوستن ووزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت. وفي الوقت نفسه، قال موقع أكسيوس الأميركي الوثيق الصلة بمطبخ القرار الإسرائيلي إن استخبارات الدولة العبرية "تعتقد أن إيران قررت شنّ هجوم مباشر على إسرائيل". التزامن بين خطوتي البنتاغون وإشارة الموساد لا يبدو صدفة، والكشف عنهما بهذه الصورة غير الاعتيادية وفي هذه اللحظة المشحونة بالترقب وحبس الأنفاس أثار التساؤل بقدر ما بدت غاياته مريبة.

القراءة الأميركية للموقف الإيراني بعد اغتيال هنية في طهران مزدوجة. من جهة، ترجح أن إيران "لا تريد الحرب المفتوحة"، على أساس أن "قدراتها العسكرية والاقتصادية لا تسمح" بذلك. ويضيف العارفون بالشأن الإيراني أن طهران ليست في وارد "التضحية" بحزب الله الذي يشكل رأس مالها العسكري الكبير في المنطقة. ثم إن حكومتها الجديدة بعد انتخاب الرئيس مسعود بزشكيان "معنية بالاقتصاد وليس بالحرب". في المقابل، يميل الاعتقاد المتأثر عموماً بالخطاب الإسرائيلي، إلى التخوف من ضربة قريبة لإسرائيل، إذ "لا يعقل أن تردّ طهران على استهداف قنصليتها في دمشق في إبريل/نيسان الماضي وتتغاضى عن عملية اغتيال هنية في عقر دارها". وطبعاً، يقف المحافظون على رأس هذا الفريق الذي يطالب بتزويد إسرائيل بما يلزمها من السلاح والدعم، لتمكينها من القيام برد واسع إذا أقدمت طهران على مهاجمتها.

الإدارة الأميركية لا تتحمل أي تورط عسكري في هذا الظرف الانتخابي، وخاصة أن مرشحتها كامالا هاريس انطلقت في بداية صاعدة، واحتفظت للأسبوع الثالث على التوالي بالتقدم على منافسها الجمهوري دونالد ترامب. بحسب استطلاع نيويورك تايمز، الأحد، باتت تتفوق على الرئيس السابق بأربع نقاط (50% مقابل 46%)، في ثلاث من أصل ست ولايات تتقرر فيها الانتخابات. لتجنب هذا الاحتمال، ولحمل إيران على صرف النظر عن أي رد إذا أمكن، أو في أقله الاكتفاء "بشيء رمزي"، تراهن الإدارة، إلى جانب الردع من خلال حشودها ورفع نبرة تحذيراتها، على الإسراع في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل أسرى ومحتجزين، علّه يكون بداية لوقف الحرب، وبما يمكن أن يؤدي إلى صرف نظر إيران عن أي رد عسكري على إسرائيل. لكن هذه المراهنة تبدو واهية. رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سدد لها ضربة استباقية قاتلة، السبت، بالغارة على المصلى في مدرسة التابعين للنازحين في شمال غزة، والتي حصدت مئة شهيد. البيت الأبيض اكتفى في رده على المجزرة الجديدة ببيان أعرب فيه كالعادة عن "القلق العميق"، وكالعادة أيضاً، غابت عنه كلمة "إدانة"، والذرائع معروفة، وعلى رأسها أن المدرسة استخدمتها حركة حماس كغرفة عمليات، وأن هذه الأخيرة اعتادت أن تجعل المدنيين "درعاً لها"، وهذه معزوفة ترددت طوال الأشهر العشرة الماضية وما شهدته من مجازر.

المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس اكتفت هي الأخرى بتذكير إسرائيل بأن "العدد كبر كثيراً!". الاعتراض يقف عند حد التوبيخ الخجول، وطبعاً من غير أن يُترجم إلى إجراء أو ثمن. المحاسبة غير واردة في هذا المجال. حكومة نتنياهو عازمة على الإطاحة بأي سيناريو يرمي إلى نزع فتيل الحرب. وفي هذا السياق، لا يُستبعد قيام إسرائيل بعملية استباقية بذريعة الضرورة الدفاعية التي تقتضي إحباط هجوم عسكري ضدها. وما سرّبته الاستخبارات الاسرائيلية عن "هجوم إيراني مباشر على إسرائيل"، قد يكون بمثابة تمهيد في هذا الاتجاه. ويذكر أن الشائعات تكررت في الأيام الماضية، وأحياناً على المستوى الرسمي، بأن الضربة الإيرانية "حاصلة بعد يوم أو يومين"، وبما يخلق الأجواء التي تبرر مفاجأة الاستباق إذا حصلت. وزارة الدفاع الأميركية أوحت بأنها اتخذت اليوم هذه التدابير كإضافة لقوة الردع. لكن السوابق تبيّن أن قوة الردع الأميركية وظفها نتنياهو لتوسيع العمليات باتجاه بيروت وطهران، وقياساً عليه، فإنه لن يتردد باستخدامها في الاستباق.