رحيل بنسعيد آيت يدر.. مقاوم وزعيم سياسي نذر حياته لأجل الحرية في المغرب

06 فبراير 2024
رحل آيت يدر عن عمر ناهز 99 عاماً (إكس)
+ الخط -

"شامخ في تواضعه، رجل عاش عيشة الزاهدين ومات ميتة الشهداء"، بهذه الكلمات نعت الأمينة العامة السابقة لـ"الحزب الاشتراكي الموحد" في المغرب (المعارض) نبيلة منيب، السياسي محمد بنسعيد آيت يدر، الذي توفي صباح اليوم الثلاثاء عن عمر ناهز 99 عاماً، في المستشفى العسكري بالعاصمة الرباط، لتطوى معه صفحة أبرز السياسيين الذين كافحوا من أجل بناء مسار "المغرب الحديث، الديمقراطي، والمتحرر" وتشكيله، والذي كان يؤمن به أشد إيمان.

في مساره السياسي الطويل والاستثنائي، اختبر الراحل المقاومة ضد المستعمر، وظلام السجون، ومرارة النفي، ثم النضال من داخل المؤسسات القائمة في البلاد. حتى وفاته، عاش وفياً لمبادئه، منتفضاً في وجه الظلم، مناصراً لقضايا الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وللقضية الفلسطينية، وهي المبادئ التي لم يحد عنها حتى مماته.

يمتلك آيت يدر، الذي رأى النور في الأول من يوليو/ تموز من عام 1925 في قرية تين منصور بمنطقة أشتوكة آيت باها (جنوب البلاد)، سيرة سياسية تمتد في الزمن طويلاً، بدأها مبكراً، حينما كان يتابع دراسته الابتدائية في مدرسة ابن يوسف بمدينة مراكش، المؤسسة الشهيرة التي خرّجت العديد من عناصر النخبة الوطنية أيام الحماية الفرنسية، فيما شكّل وجوده بالمدينة الحمراء (مراكش)، حيث التقى بالعديد من القيادات الوطنية من أمثال القيادي الاتحادي المهدي بنبركة، نقطة بداية لتشكل شخصيته المناضلة والتحول في مساره، بعد أن آمن بالمقاومة سبيلاً وحيداً للتخلص من الاستعمار، إذ قاد عدداً من الخلايا التي خاضت الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، قبل أن يتولى في بداية الخمسينيات من القرن الماضي منصب المسؤول السياسي لجيش التحرير المغربي في الجنوب، كما شغل عضوية المجلس الوطني للمقاومة.

وتبقى من أبرز المحطات في مساره السياسي بعد نيل المغرب الاستقلال، تعرضه للاعتقال في عام 1960 ثم 1963، في سياق ما عاشه المغرب آنذاك من صراعات وتوتر بين عدد من المناضلين اليساريين وقياديي جيش التحرير من جهة، وولي العهد آنذاك الحسن الثاني من جهة أخرى.

وشكل اتهامه، إلى جانب عدد من مناضلي اليسار المنتمين إلى حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، بالتخطيط لإطاحة النظام حينئذ واغتيال الملك الراحل الحسن الثاني في غرفة نومه بالقصر الملكي، في سياق ما يعرف بـ"مؤامرة يوليو 1963"، محطة أخرى في مسار آيت يدر، بعد أن وجد نفسه مضطراً إلى الفرار إلى الجزائر في محطة أولى، قبل أن يستقر به المقام في فرنسا منذ 1964، إذ ساهم في عام 1970 في تأسيس منظمة "23 مارس" اليسارية التي تنهل من المرجعية الماركسية اللينينية، وكانت تحلم بتأسيس حزب ثوري وقيادة ثورة تسقط النظام.

وظل آيت يدر يمارس نشاطه السياسي في فرنسا إلى حدود الثمانينيات من القرن الماضي، حين اختار بمعية مجموعة من قيادات "23 مارس" العودة إلى المغرب من المنفى، قبل أن يقدموا في عام 1983 على خطوة تأسيس حزب "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" في يناير/ كانون الثاني 1983، بعد أن انتهت نقاشات قيادات المنظمة إلى ضرورة تطليق العمل السياسي السري والتحول نحو العمل السياسي العلني.

وتبقى محطة قيادة الراحل للحزب الجديد، والتوجه نحو العمل السياسي من داخل المؤسسات، وتمكنه من الظفر بمقعد برلماني في انتخابات 1984، من أبرز المحطات في مساره السياسي، إذ واصل كفاحه من تحت قبة البرلمان من أجل بناء المغرب الحديث الديمقراطي والمتحرر الذي كان يؤمن به، وكان أول برلماني يثير قضية معتقل "تازمامارت" في جلسة علنية داخل مجلس النواب، ما جر عليه غضب الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان ينكر وجود هذا المعتقل.

وظل همّ الرجل طيلة سنوات التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة السعي نحو توحيد اليسار، حيث كان في 17 مايو/ أيار من عام 1992 وراء تأسيس "الكتلة الديمقراطية" التي ضمت آنذاك أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاستقلال، والتقدم، والاشتراكية، ومنظمة العمل الديمقراطي، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان الهدف المعلن من تأسيسها توحيد جهودها في نضالها الموحد من أجل تحقيق مطلب الإصلاح.

وفي عام 2002، قاد مهمة توحيد شتات اليسار، من خلال تأسيس حزب "اليسار الاشتراكي الموحد"، الذي سيتخلى عن زعامته، ويكتفي بموقع الرئيس.

وعلى الرغم من ابتعاده عن تحمّل أي مسؤولية سياسية، ظل طيلة السنوات الأخيرة مرجعاً سياسياً وأخلاقياً لرفاقه في اليسار الديمقراطي، يستشيرونه في المحطات الصعبة، كما كان محط تقدير الأوساط السياسية بمختلف تلويناتها والفعاليات الشعبية.

دلالات
المساهمون