رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة لـ"العربي الجديد": إصلاح مجلس الأمن ضرورة

19 مارس 2022
شاهد الرئيس الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة (جاستين لاين/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه حكومات العالم ومعها الأمم المتحدة ومؤسساتها تحديات كبيرة في التعامل مع الأزمات المختلفة حول العالم ليس على مستوى النزاعات فحسب، بل من أجل تحقيق تقدم للدول النامية في أمور أساسية كالتعافي من تبعات وباء كورونا، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتغيير المناخي وغيرها.

هذه التحديات وغيرها يتحدث عنها رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، وزير خارجية المالديف، عبد الله شاهد، في مقابلة مع "العربي الجديد".

* تبنّت الجمعية العامة قراراً يشجب العدوان الروسي على أوكرانيا بعدما فشل مجلس الأمن في القيام بذلك بسبب الفيتو الروسي. وعلى الرغم من أهمية هذا القرار إلا أن البعض يتساءل حول الفائدة من تبنيه، إذا كان غير ملزماً كما قرارات مجلس الأمن؟
الجمعية العامة بمثابة ضمير المجتمع الدولي. إنها سلطة أخلاقية. ويتاح في مناسبات نادرة للغاية للدول الأعضاء، البالغ عددها 193 دولة، فرصة لاتخاذ قرار بشأن القضايا التي تعذّر على مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار فيها أو يتعذّر عليه أداء دوره الأساسي في معالجة قضايا تتعلق بالأمن والسلم الدوليين.

أعتقد أن الأغلبية الساحقة من الأصوات (141 مؤيدة و5 معارضة و35 ممتنعة عن التصويت) التي تم تبنّي القرار بموجبها، تظهر بوضوح القرار الأخلاقي الذي اتُخذ وأهميته للدول الأعضاء (ورمزية شجب العدوان الروسي).

موضوع الفيتو في مجلس الأمن

* في هذه النقطة تحديداً، أي عجز وشلل مجلس الأمن أمام الفيتو الذي يستخدم ليس فقط من قبل الروس، بل من جميع الدول دائمة العضوية (فرنسا، الصين، الولايات المتحدة، بريطانيا) في مراحل مختلفة، هناك نقاشات حول إصلاح مجلس الأمن تدور منذ نحو 30 عاماً. وعند توليك لمنصبك تحدثت عن ضرورة التحرك بشكل أكثر فعالية. أين وصلت المفاوضات؟ وهل من طريق يمكن أن يساعد على التحرك بشكل أسرع؟
إن إصلاح مجلس الأمن مسألة بالغة الأهمية. مرة أخرى، خلال هذه الأزمة تبيّنت ضرورة أن يعكس مجلس الأمن للوقائع السياسية الحالية في العالم. لقد تغيرت الأمور كثيراً، منذ الإصلاحات الأخيرة التي أجريت على مجلس الأمن قبل عدة عقود.

هناك اتفاق أو إجماع بين الدول الأعضاء على أن مجلس الأمن بحاجة إلى الإصلاحات. التحدي هو كيف؟ وما هي التغييرات؟ إن عملية التفاوض بين الحكومات مستمرة.

هناك انقسامات بين الدول الأعضاء حول العديد من الأمور. يحاول الميسرون الأساسيون تسهيل وخلق تقارب بين الأفكار. ولكن في نهاية المطاف فإن هذا مرتبط بالدول نفسها (الأعضاء في الأمم المتحدة). وعملية الإصلاح برمتها تحركها الدول الأعضاء. لذا فإن الأمر متروك تماماً للدول الأعضاء لاتخاذ قرار بشأن وتيرة العملية.


بدأت الاجتماعات من أجل مناقشة مسألة الفيتو

* ولكن لا يبدو أن هذه الدول الأعضاء، خصوصاً دائمة العضوية، معنية بعمليات إصلاحات. نحن نتحدث عن عقود من المفاوضات؟
يتحركون بخطوات ووتيرة بطيئتين. هناك اجتماعان عُقدا هذا العام حول الموضوع آخرهما حول قضية الفيتو وهناك اجتماع ثالث في وقت لاحق هذا العام. آمل أن تتعامل الدول الأعضاء مع هذه المسألة بإلحاح أكبر.

لكن بصفتي رئيس الجمعية العامة، لا يمكنني إلا أن أتمنى أن يتحركوا بشكل أسرع لأن هذه العملية منوطة بالدول الأعضاء. لقد ناشدت الدول الأعضاء في بداية الدورة الحالية العمل بإلحاح.

* في موضوع كورونا، هناك دول لم تتمكن من تطعيم أغلب سكانها، في الوقت الذي ترمى فيه اللقاحات في دول صناعية وتدفع المحفزات المالية لتشجيع الناس على التطعيم كما حدث في الولايات المتحدة. ما تعليقك على عدم المساواة هذه؟ وهل كان ربما من الأفضل البحث عن آلية أخرى غير كوفاكس أو التخطيط لها بشكل آخر يضمن وصول اللقاحات للدول الفقيرة والنامية بشكل أفضل؟
عندما ضرب وباء كورونا، رأينا العالم بأسره يتحد كما لم يحدث من قبل. كان هناك الكثير من الوحدة والأمل والحديث عن أنه يمكننا أن نعيد بناء مجتمعاتنا، وأنه يمكننا النجاة فقط إذا عملنا معاً، وأنه لن يكون أي منا بأمان إلا إذا أصبح الجميع بأمان.

كل هذه الشعارات الجذابة والملهمة كانت موجودة. ولكن من المحزن للغاية، أن نجد أنه في اللحظة التي اكتشف فيها اللقاح، فإننا نسينا هذه التطلعات النبيلة للغاية التي كانت لدينا.

ومن بين التطلعات أن يكون اللقاح ملكاً عاماً للبشرية (براءة الاختراع متاحة للجميع). ثم رأينا صعود ما يسمى بـ"قومية اللقاح". وعندما كانت الدول المتقدمة في مرحلة تطعيم مواطنيها بتطعيمات معززة (لقاح ثالث) كانت البلدان النامية قد طعمت فقط 2 أو 3 في المائة من مواطنيها، والآن معدل التطعيمات في أفريقيا خمسة في المائة فقط. وإذا كان يمكننا الحديث عن الأخذ بالعبر من هذا الوباء، فإنه واضح أن لا أحد بأمان حتى يصبح الجميع بأمان.

وهذا ينطبق على الأمور الأخرى، كالتغلب على أزمة المناخ، أو أزمة الديون، أو أي من الأزمات الأخرى التي تواجهها البشرية اليوم. العالم مرتبط ببعضه. لا يسعنا أن ننجو إلا معاً.

وهذا يحيلنا إلى قضية التعددية الدولية. لذا، أعتقد مرة أخرى، علينا أن في الأمم المتحدة أن نركز بشكل أكبر على أهمية التعددية، واستعادة ثقة ناخبينا، "نحن الشعوب" (كما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة). بحيث عندما يضربنا الوباء مرة أخرى نكون مستعدين بشكل أفضل. هناك عبر يجب تعلمها من آلية كوفاكس، والتي أنشئت بأهداف نبيلة للغاية.

يتعين علينا إجراء تحقيق مناسب للوقوف على أسباب نجاحها أو عدمه. علينا أن نكون صريحين للغاية. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي سنتمكن من خلالها في المضي قدما.

* هل هناك جهود جدّية لتحقيق ذلك؟
نعم، هناك جهود يبذلها عدد كبير من الدول الأعضاء بما في ذلك إدراج موضوع الجهوزية للوباء على جدول أعمال الأمم المتحدة والوقوف على الأخطاء. أعتقد أنه من خلال هذه العملية سنتمكن من طرح هذه الأسئلة المهمة للغاية. وعندما نجيب عن هذه الأسئلة، يجب أن نتحلى بالصراحة. وإلا فإننا سنستمر في ارتكاب نفس الأخطاء.

التنمية المستدامة وكورونا

* ماذا عن أهداف التنمية المستدامة التي كان من المفترض تحقيقها بحلول 2030. ألا يبدو أن تلك الأهداف أصبحت في مهب الريح، تحديداً بعد كورونا وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، وتحديات المناخ. هل تعتقد بجد أنه سيتم تحقيقها فعلاً وكيف؟
لم نكن على الطريق الصحيح لتحقيقها حتى قبل انتشار الوباء. كان واضحاً أنه لن يكون ممكناً تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة في موعدها.

والآن أصبح ذلك أكثر وضوحاً بعد مرور عامين على تدمير كورونا للاقتصادات في جميع أنحاء العالم، تحديداً الأكثر ضعفاً. اضطرت تلك الدول لنقل مخصصات الميزانيات المتعلقة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى تلك التي تعنى بمكافحة وباء كورونا.

والآن نحن في وقت يتطلب أن نكون صريحين من أجل الوقوف على أفضل السبل لتحقيق أهداف التنمية. في هذا السياق سيكون "منتدى الدوحة" (يُعقد في 26 و27 مارس/آذار الحالي) فرصة لنا لمحاولة معالجة بعض أوجه القصور.

وأعتقد أنه كلما أسرعنا في عملية إعادة التكيف كان ذلك أفضل. والحق يقال إننا أطلقنا بداية عام 2020 مبادرة "عقد العمل". لكن وباء كورونا غيّر الكثير.

لقد خسرنا عامين وعندما نعود إلى الوراء وننظر إلى اقتصاديات كل بلد على حدة، نرى الكثير من الخسائر. لذا فقد حان الوقت لإعادة التقييم، والطريقة الوحيدة لمعالجة ذلك هي العودة إلى وسائل وتدابير مستدامة. أي العودة إلى تقنيات أفضل وتلك التي تحافظ على البيئة الخضراء وغيرها لتحقيق تلك الأهداف.


نسينا العمل معاً بعد اكتشاف لقاح كورونا

* تحدثت في أكثر من مناسبة عن قضية المرأة وتمكينها، كما عن المناخ ومكافحة التغيير المناخي. كيف ترى الربط بين الأمرين؟ وما الذي تقوم به الجمعية العامة في هذا السياق؟
استُبعدت النساء من صنع القرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وعلى مر العصور. وأخيراً فقط تمكنّا من تحقيق أو تمكين النساء جزئياً. ولكن حتى في عصرنا هذا إذا نظرنا حول العالم سيستغرق الأمر لنحو 135.6 سنة لتحقيق التكافؤ بين الجنسين.

ولكن إذا كان نصف المجتمع لا يشارك في الإنتاجية، ولو نظرنا للموضوع من منظور اقتصادي بحت، فكيف نتوقع أن يكون مجتمعاً منتجاً. لذلك علينا، أذا أردنا أن نحقق أهداف التنمية المستدامة، إعطاء النساء فرصا مساوية للرجال. نحن بحاجة لأن تشترك المرأة على مستويات صنع القرار. نحتاجها حول الطاولة. وأن تكون صانعة قرار في جميع مجالات الحياة.

ربما تذكرون في اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى الأخيرة في سبتمبر/أيلول الماضي، فمن أصل 194 متحدثاً (قادة دول)، كانت هناك فقط 18 امرأة.

وهذا مؤسف وغير مقبول ويجب تغيير ذلك. إن لم تشترك النساء على مستوى صنع القرار فلن نتمكن من تحقيق ذلك. انظري حتى إلى الأمم المتحدة. كان لدينا 9 أمناء للأمم المتحدة جميعهم رجال. ومن بين 76 رئيساً للجمعية العامة كانت هناك فقط أربع رئيسات. أعتقد أن الأمين العام للأمم المتحدة المقبل يجب أن يكون امرأة.

نبذة مختصرة

يتمتع الدبلوماسي والسياسي عبد الله شاهد، بخبرة تزيد على 35 عاماً في المجالين التنفيذي والتشريعي لجزر المالديف. يشغل حالياً منصب رئيس الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن منصب وزير خارجية جزر المالديف، للمرة الثانية، بعد عام 2007. وكوزير للخارجية في عام 2008، قدم قرار مجلس حقوق الإنسان 7/23 بشأن "حقوق الإنسان وتغير المناخ".

ويعد مناصراً قوياً للنهج القائم على الحقوق فيما يخص تغير المناخ. لقد ضمن التكافؤ بين الجنسين بين رؤساء البعثات الدبلوماسية لجزر المالديف وكذلك المستويات التنفيذية للوزارة لأول مرة في عام 2020. وكان أول متحدث منتخب ديمقراطياً لمجلس الشعب في جزر المالديف عام 2009.