الانتخابات الرئاسية الأميركية… العرب والمسلمون حائرون بين معاقبة هاريس وتودد ترامب

28 أكتوبر 2024
مسلمو أميركا في ماريلاند، 16 يونيو 2024 (جلال غونيس/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- واجهت كامالا هاريس انتقادات من الناخبين العرب والمسلمين في ديترويت بسبب موقفها من الحرب في غزة، مما أثار استياءً واسعًا في تجمع انتخابي ضمن محاولات الحزب الديمقراطي لكسب تأييد الناخبين في ولاية متأرجحة.
- تصاعدت التوترات في المؤتمر الوطني الديمقراطي بشيكاغو بين حملة هاريس ومجموعة "غير ملتزم"، مما أدى إلى اعتصامات وتظاهرات، مسلطًا الضوء على الانقسام داخل الحزب حول القضية الفلسطينية.
- بدأ بعض القادة المحليين في ميشيغين بدعم دونالد ترامب، مما يعكس الانقسام المتزايد بين الناخبين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة وتباين مواقفهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

إثر تلقيها بطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، اختارت المرشحة كامالا هاريس عقد تجمع انتخابي في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغين المتأرجحة التي تضم أغلبية عربية ومسلمة في السابع من أغسطس/آب الماضي. وسعى المواطنون في تلك الولاية، على مدار أشهر، للضغط على الحزب الذي ساهموا في فوز مرشحه الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2020، من أجل ضرورة التوقف عن دعم قتل عائلات وأسر بعضهم في غزة. وهتف بعض الحضور في التجمع، خلال إلقاء هاريس خطابها، بهتافات: "كامالا كامالا لا يمكنك الاختفاء. لن نصوت للإبادة الجماعية". حمل رد كامالا هاريس لهجة لامبالاة غير عادية ولغة حادة من دون الاكتراث بمشاعر الناخبين، واستخدمت خطاباً قلّل من حجم الكارثة المرتكبة، كما استخدمت منافسها المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب سلاحَ تهديد للناخبين، وقالت بثقة لم تتناسب مع الخراب والحزن والدمار: "إذا كنتم تريدون أن يفوز دونالد ترامب، فقولوا ذلك". استمرت الهتافات، فواصلت المرشحة الرئاسية لامبالاتها بقولها: "خلاف ذلك، أنا أتحدث الآن". كانت هذه الرسالة هي أول الرسائل السلبية التي توجهها إلى الناخبين العرب في هذه الولاية المهمة.

تصادم فريق هاريس مع حملة "غير ملتزم" في الحزب الديمقراطي

صدام هاريس مع حملة "غير ملتزم"

بعدها بأيام، عُقد المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو، في ولاية إيلينوي التي تحتضن أكبر جالية مسلمة في الولايات المتحدة، بين 19 أغسطس والـ22 منه. كان المشهد مختلفاً عن تجمّع ديترويت، فالأشخاص المشاركون لم يكونوا مجرد ناخبين سيصوتون لهاريس أو ضدها في الانتخابات الرئاسية الأميركية بل مندوبون رسميون ومنهم ممثل لحملة "غير ملتزم". وأبدى المشاركون رغبتهم في تزكية هاريس كي لا يظهر أن هناك انقساماً داخل صفوف الديمقراطيين. وعلى مدار أسابيع، تفاوض أعضاء حملة "غير ملتزم" الممثلة نحو 700 ألف ناخب في مختلف أنحاء الولايات المتحدة مع فريق هاريس، وطرحوا مطالب محددة، مثل الجلوس معهم، والحصول على تعهّد من هاريس بإنهاء الحرب في غزة، والسماح لممثل عن الحملة بإلقاء كلمة للأميركيين من أصول فلسطينية على منصة المؤتمر الرئيسية، والتي صعد عليها جمهوريون طالما نددوا بمبادئ الحزب وهاجموا أعضاءه. تلقت الحملة وعوداً متتالية كانت بمثابة مسكنات استخدمها فريق هاريس لمنع ظهور انقسام في المؤتمر الوطني الديمقراطي. وفي 21 أغسطس الماضي، تلقى أعضاء حملة "غير ملتزم" الإجابة الصادمة: لن يُستجاب لمطالبكم، ويمكن عقد لقاء لكن من دون وعود ومن دون السماح بتمثيل الصوت العربي الفلسطيني الأميركي. قررت الحملة، التي شعرت بالخداع والتلاعب بها والتسويف، الاعتصام والتظاهر داخل المؤتمر وأمام المنصة الرئيسية.

بدت الرسالة واضحة وقوية، وهي أن الحزب وحملة هاريس رفضا رسمياً وجود أي تمثيل لتيار كبير من أعضائه وناخبيه، لكن في الوقت نفسه، بدت الرسالة إهانةً واضحةً أمام الجميع للفلسطينيين العرب الأميركيين بأنه "ليس لكم مكان هنا"، وذلك من أجل أهداف واضحة تتعلق بالحصول على تمويل من خصوم الفلسطينيين. وشهدت القاعة الرئيسية للمؤتمر الديمقراطي، في 21 أغسطس الماضي أيضاً، اعتداءً على ثلاثة مندوبين ديمقراطيين رفعوا لافتة تطالب بوقف تمويل إسرائيل، وهم اليهودي الأميركي ليانو شارون، والأميركي من أصول مصرية عصام برعي، ونادية أحمد. كما كشف مندوبون أن زملاءهم تلقوا تهديدات تحذرهم حال تعاطفهم علناً مع غزة. وكانت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، التي أدارت عملية ترشح هاريس والمؤتمر الوطني الديمقراطي، قد قالت في حينه، لـ"العربي الجديد"، إن سبب عدم السماح بوجود تمثيل للصوت الفلسطيني الأميركي هو أنه لا إمكانية لوجود ممثل لكل قومية في المؤتمر، وأن هناك داعمين لغزة صعدوا على المنصبة، في إشارة إلى أميركيين بيض ولاتينيين تضمنت كلماتهم المطالبة بإنهاء الحرب على القطاع.

انتهت فعاليات المؤتمر الوطني الديمقراطي، وأمهل مندوبو حملة "غير ملتزم" هاريس حتى منصف سبتمبر/أيلول الماضي لتغيير موقفها والاستجابة لمطلب التعهد بوقف العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية في غزة، غير أنها واصلت تجاهل مطالب المندوبين، خصوصاً في ولاية ميشيغين. وعلى الأثر، قررت الحملة عدم تأييد هاريس لموقفها الرافض التعهدَ بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وعدم تمويل إسرائيل، وفي نفس الوقت، عدم تأييد ترامب. على مدار الأشهر الماضية، تحاشت حملة ترامب الحديث عن غزة وعن العدوان الإسرائيلي، أملاً في أن تساهم سياسات وخطط هاريس في إبعاد العرب عنها. مع العلم أن ترامب نفسه هاجم إدارة بايدن بسبب عدم دعمها الكافي لإسرائيل في عدوانها على غزة، داعياً، كما قال في المناظرة الوحيدة بينهما في 27 يونيو/حزيران الماضي، لترك إسرائيل لـ"إنهاء المهمة"، فيما لم تحاول هاريس في المناظرة التعهد بأي شيء يخص إنهاء الحرب، ورددت كلاماً عاماً عن أن هذه الحرب يجب أن تنتهي، وهي الجملة التي سمعها الجميع منها منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتأكيدها أن هناك خسائر كبيرة في أرواح المدنيين، لكن مع تعهدها التام بدعم إسرائيل. 

حتى 23 سبتمبر الماضي، لم تعلن أي مجموعات رئيسية من العرب والمسلمين تأييد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية بل كانت الآمال معقودة والفرص ممنوحة لهاريس من أجل إعلان موقف واضح بشأن إنهاء الحرب في غزة ووقف تسليح إسرائيل. في 24 سبتمبر الماضي، أعلن أمير غالب، العربي المسلم من أصول يمنية ورئيس بلدية هامترامك بولاية ميشيغين المتأرجحة، دعم ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في خطوة مفاجئة لمؤيديه ومعارضيه على حد سواء. كشفت تصريحات غالب كيفية تحرك ترامب من أجل الحصول على أصوات العرب والمسلمين في ولاية ميشيغين، إذ قال: "في الوقت الذي كنا مستائين فيه بشدة من بايدن وكامالا هاريس، زارني أعضاء حملة المرشح الجمهوري في مكتبي عدة مرات وقدموا دعوة رسمية للقاء ترامب، والتقيته ووعد بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط والحروب عامة، وبأخذ مخاوفنا بعين الاعتبار". التقى ترامب غالب لاحقاً وظفر بتأييد عمدة مسلم، واعتذر لأحد اليمنيين على إساءة وجهها لهم سابقاً.

مع أن ترامب تنصّل مراراً من وعوده في ما يخص قضايا العرب والشرق الأوسط، لكن سياساته الانتخابية هذه المرة أظهرت رغبته في الحصول على أصوات الناخبين مهما كان عددهم. قال ترامب في تصريحاته علناً إنه سيطرد هؤلاء الذين يتظاهرون في الجامعات إلى خارج البلاد وسيوقف الدعم لجامعات، ودعا لترك إسرائيل لاستكمال الإبادة في غزة، كما أشارت تقارير إلى أنه وعد إسرائيل وممولين لحملته بمزيد من الأراضي الفلسطينية. مع دخول شهر أكتوبر الحالي، بدأ ظهور انقسام العرب والمسلمين إلى مجموعات مختلفة، أولها حملة "غير ملتزم" غير الداعمة هاريس أو ترامب، فضلاً عن دعوتها إلى عدم التصويت لطرف ثالث حتى لا يساهم ذلك في فوز ترامب. كما أن هناك مجموعات صامتة تضم عشرات الحركات والمنظمات العربية والإسلامية التي لم تحدد موقفاً معلناً في الانتخابات الرئاسية الأميركية وترك بعضها الخيار لأعضائه، فيما قد تعلن مجموعات أخرى موقفها قبيل الانتخابات بوقتٍ قليل.


حصل ترامب على تأييد إمام في ميشيغين بعد تعهّده بوقف حرب غزة

المجموعات الإسلامية في الانتخابات الرئاسية الأميركية

أما مجموعة "إمغايج أكشن" برئاسة وائل الزيات، فقد التقت، مطلع الشهر الحالي، تيم والز، المرشح لنيابة الرئاسة مع هاريس. كما التقى ممثلون للمجموعة هاريس في ميشيغين، وأعلنت، باعتبارها واحدة من أكبر المنظمات الإسلامية في أميركا، تأييدها المرشحة الديمقراطية. في المقابل، أعلنت مجموعة من الأئمة ورؤساء المراكز الإسلامية تأييدهم التصويت لطرف ثالث، خصوصاً مرشحة حزب الخضر جيل ستاين، فيما قررت مجموعات كبيرة، نسبة كبيرة منها من المنتمين لعائلات فلسطينية، المقاطعة خياراً أول، فيما أبدت مجموعات قليلة تأييدها ترامب على استحياء. منذ أيام قليلة، أظهرت هاريس، في لقاء لها على قناة "سي أن أن" الاميركية، استهانة جديدة بالصوت العربي عندما سئلت عن غضبهم، فقالت: لا تنس أنهم أميركيون والموضوع في غزة محزن ويجب وقف الحرب، لكن في الوقت نفسه لديهم قضايا داخلية أخرى تشغلهم، ويتوافقون معي فيها وليس مع ترامب. بدا المشهد، أول من أمس السبت، مختلفاً. عقدت هاريس تجمعاً انتخابياً في ميشيغين، فهتف حضور مطالبين بوقف الحرب في غزة، فجاء الرد متعالياً كعادة هاريس منذ بدء حملتها الانتخابية، قائلة: يجب وقف الحرب في غزة، ولكن نحن الآن في 2024. طُرد الشخص الذي حاول مقاطعتها، كما أعلنت الجالية العربية الإسلامية في ديترويت أن طرد المسلمين في فعالياتها ممارسة روتينية منذ بداية الحملة.

على الجانب الآخر، واصل ترامب انتهاز الفرص التي منحتها له هاريس في ميشيغين، في سياق سعيه للحصول على أصوات العرب والمسلمين في الولاية، فقدم الاعتذار في مرات عدة. وفي الوقت الذي طردت فيه حملة هاريس أميركيين داعين لوقف الإبادة الجماعية، كان ترامب سمح للإمام بلال الزهيري بالصعود إلى منصة تجمعه الانتخابي في ولاية ميشيغين، معلناً أن المسلمين يدعمون ترامب وأن الله أنقذه لسبب وهو أن يحقن على يديه دماء آخرين. وأكد الزهيري أن ترامب تعهد بوقف الحرب في غزة. كما التقى ترامب مجموعة من الأئمة ورؤساء مراكز إسلامية عرضوا عليه عدة مطالب تتضمن ضرورة وقف الحرب في غزة ووجود تمثيل لهم في إدارته ومحاربة الإسلاموفوبيا، وأعلن في فيديو منشور لأول مرة موافقته على مطالب مسلمين بوقف الحرب ووجود تمثيل لهم في الإدارة. وميشيغين واحدة من أهم الولايات المتأرجحة في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام الحالي، في ظلّ التأثير الكبير للصوت العربي والمسلم، مع تجاوز أعداد الناخبين في صفوفهم 300 ألف ناخب. وكان بايدن قد فاز بالانتخابات في الولاية في عام 2020 بفارق 120 ألف صوت، في حين فاز ترامب في 2016 بفارق 11 ألف صوت فقط.

المساهمون