ذكرى توقيع اتفاقية "إيفيان".. منعطف تاريخي لاستقلال الجزائر

19 مارس 2022
وقفة في وزارة الخارجية بذكرى عيد النصر (العربي الجديد)
+ الخط -

تحتفل الجزائر اليوم السبت بذكرى توقيع اتفاقية "إيفيان" التي تضمنت وقفا لإطلاق النار بين قيادة ثورة التحرير والحكومة الفرنسية، وتفاهمًا على ترتيبات إجراء استفتاء تقرير المصير الذي جرى في الثالث من يوليو/ تموز 1962، ليعلن عن استقلال الجزائر في الخامس من نفس الشهر.

وقال مستشار الرئيس الجزائري المكلف بالأرشيف والذاكرة الوطنية عبد المجيد شيخي، اليوم السبت، في مؤتمر بعنوان "عبقرية المفاوض الجزائري"، إن هذه المحطة درس لكل الشعوب التي تتطلع إلى الحرية والاستقلال، حيث كان هناك "تلازم المسارين التفاوضي والثوري بإصرار من الثورة"، مشيرا إلى أن "عبقرية المفاوض الجزائري ظهرت بوضوح في مفاوضات إيفيان مع الجانب الفرنسي، بما لم تدع الأخير يحقق أي مكاسب على غرار حلمه بفصل الصحراء والاحتفاظ بها تحت السيادة الفرنسية".

وأضاف شيخي أن "المناضل كريم بلقاسم، (الذي وقع الاتفاقية باسم قيادة الثورة واغتيل في المنفى في السبعينيات) عندما أخذ قلمه ليوقع على وثيقة الاستقلال، كان يستعيد مآسي الشعب الجزائري. وبعد ستة عقود من الاستقلال، يجدر بنا أن نطرح سؤالا عما إذا كنا قد أتممنا وحققنا المطلوب، أعتقد أن الأمر يتطلب قراءة موضوعية لتلك المرحلة الصعبة".

وقال الكاتب المهتم بالقضايا التاريخية محمد بوعزارة، إن هذه المحطة "تدفع إلى التفكير كثيرا في الظروف المحيطة التي رافقت المفاوضين الجزائريين، الذين لم يتلقوا تكوينا أكاديميا لفهم مقتضيات التفاوض والخرائط واستحقاقات المصالح الوطنية وغيرها، في مقابل وفد فرنسي مفاوض ذي خبرة ويحوز على المعطيات اللازمة والتقارير التي تساعده في عملية التفاوض"، مشيرا إلى أن "ذلك يؤكد عبقرية المفاوضين الجزائريين وقدرتهم على انتزاع الحقوق التاريخية للجزائر من يد الاستعمار الفرنسي وتحقيق منجز الاستقلال".

وعرضت خلال اللقاء شهادات لعدد من المفاوضين من أعضاء الوفد الجزائري، بينهم القيادي في الثورة عمار بن عودة الذي قال إن الوفد الجزائري المفاوض كان حريصا على ألا تنتزع السلطات الفرنسية أي مكاسب على طاولة المفاوضات لم تتمكن من تحقيقها بقوة السلاح على الأرض، مشيرا إلى أن "قيادة الثورة فرضت مباشرة بعد ذلك سيادتها على الأرض، حيث تقرر أن يكون خروج وحدات الجيش الفرنسي من الثكنات للتوجه إلى الميناء للمغادرة إلى فرنسا، برخصة يوقعها قائد الولاية الجزائرية".

ومع الاحتفال بذكرى التوقيع على اتفاقية "إيفيان" وقرار وقف إطلاق النار في 19 مارس/ آذار 1962، يعود الجدل حول الظروف المحيطة بتلك الأحداث وتبعاتها السياسية والاقتصادية على الجزائر ما بعد الاستقلال، حيث ما زال الحديث يدور حول خلافات وقعت حينها بين بعض القيادات السياسية للثورة وقادة جيش التحرير حول بعض بنود الاتفاقية التي اعتبر أنها تمنح فرنسا بعض المكاسب الثقافية والمصالح في الجزائر، فيما تنظر بعض الأطراف في الجزائر إلى غاية الوقت الحالي للاتفاقية بحذر وتعتبر أنها كبلت الجزائر واشترطت حماية الحضور الاقتصادي والثقافي لفرنسا في الجزائر.

وبدأت جولات المفاوضات حول استقلال الجزائر بين قيادة الثورة والحكومة الفرنسية في 25 يونيو/ حزيران 1960 في منطقة مولان بين ممثل الثورة الصديق بن بخير الذي أصبح لاحقا وزيرا للخارجية نهاية السبعينيات، وروجي موريس المكلف بالقضية الجزائرية لدى الرئاسة الفرنسية، كما عقد لقاء ثان في نوفمبر/ تشرين الثاني بين ممثل الثورة الطيب بولحروف وممثل الحكومة الفرنسية نيكولي. وفي فبراير/ شباط 1961 جرت أولى اللقاءات ضمن المفاوضات الرسمية في لوسارن السويسرية بين قيادة الثورة والحكومة الفرنسية.

وفي يونيو/ حزيران من العام ذاته، جرت أول جولة مفاوضات رسمية ومعلنة بين الوفدين في مدينة إيفيان السويسرية، ومثّل قيادة الثورة كل من كريم بلقاسم، والطيب بولحروف، وسعد دحلب، ومحمد يزيد، ورضا مالك، وأحمد فرنسيس، وعلي منحبس، وقايد أحمد ممثلا لقيادة جيش التحرير، فيما قاد الوفد الفرنسي لوي جوكس.

وجرت بعد ذلك ثماني جولات من المفاوضات بين الوفدين، وكانت تتعطل فيها المفاوضات بسبب قضية فصل الصحراء وبعض المطالب الفرنسية للاحتفاظ بقواعد عسكرية، قبل أن يتم التوصل إلى تفاهمات أولية على نصوص الاتفاقية في فبراير/ شباط 1962، وهو ما فتح الباب إلى جولة مفاوضات الحسم في إيفيان على الحدود الفرنسية السويسرية، وجرى خلال هذه الجولة الاتفاق على تقرير المصير ووقف إطلاق النار بدءًا من تاريخ 19 مارس/ آذار 1962، لينظم عقب ذلك استفتاء الاستقلال في الثالث من يوليو/ تموز، ومن ثم إعلان الاستقلال في الخامس من الشهر ذاته.

المساهمون