"ذا غارديان": شاهد رأى ريجيني في قسم شرطة بالقاهرة قبل اختفائه

28 يناير 2021
سمع الشاهد ورأى ريجيني بحوزة الشرطة قبل العثور عليه ميتاً على جانب الطريق (فرانس برس)
+ الخط -

اكتفت السلطات المصرية بالصمت تجاه معلومات وتفاصيل جديدة نشرتها صحيفة "ذا غارديان"، البريطانية، حول جريمة قتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر، على أيدي قوات الأمن 2016، وفقاً لاتهامات رسمية من النيابة العامة في روما.

وكشفت "ذا غارديان"، في تقرير، اليوم الخميس، أنّ "شاهداً رأى الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، قبيل اختفائه داخل قسم شرطة بالقرب من العاصمة المصرية القاهرة"، مشيراً إلى أنه سمع ورأى طالب الدكتوراه في جامعة "كامبريدج" الراحل بحوزة الشرطة، قبل العثور عليه ميتاً على جانب الطريق بعد أيام من إخفائه قسرياً وتعذيبه.

وقال الشاهد، الذي يعتبره المحققون في روما موثوقاً به، إنّ مسؤولي الأمن، الذين يُرجح أنهم احتجزوا ريجيني تصرفوا كما لو كانوا فوق القانون، مستطرداً "هؤلاء الأشخاص الذين استولوا على الباحث الإيطالي كانوا مختلفين عن الأفراد الآخرين داخل القسم، فالجميع في مصر يهاب من ضباط جهاز الأمن الوطني".

وحسب الصحيفة، فإنّ الشاهد رأى تبادلاً بين ضباط الأمن المصريين، ما يشير إلى أنهم تلاعبوا بهاتف ريجيني المحمول لعرقلة التحقيقات، مبينة أن هذه الشهادة من بين الأدلة التي حصل عليها المدعون الإيطاليون، في محاولة لإثبات أنّ أربعة من أفراد جهاز الأمن الوطني المصري كانوا مسؤولين عن اختفائه.

وعُثر على جثة ريجيني في حفرة بجوار طريق سريع ناء على أطراف القاهرة في فبراير/ شباط 2016، بعد تسعة أيام من اختفائه في الذكرى الرابعة للثورة المصرية، على خلفية بحث يجريه عن دور النقابات العمالية. وكان على جسده ما وُصفت بـ"علامات تعذيب" على يد قوات الأمن المصرية، إذ كان مشوهاً لدرجة أن والدته قالت إنها لم تتعرف عليه إلا من "طرف أنفه".

وعلى الرغم من عدم محاكمة أي شخص، إلا أن اللواء طارق صابر، الذي كان مسؤولاً كبيراً في جهاز الأمن الوطني، ويختص بالإشراف على مراقبة أنشطة المجتمع المدني (نُقل أخيراً إلى إدارة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية)، قد حدده المدعون الإيطاليون كواحد من أربعة متهمين مسؤولين عن اختطاف ريجيني.

وقال أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، والذي تحفظت "ذا غارديان" على ذكر اسمه حفاظاً على سلامته، إنّ "صابر رُقي مؤخراً داخل وزارة الداخلية، لكنه أُعيد تعيينه بعيداً عن منصبه السابق الحساس سياسياً"، مضيفاً أنّ "تورط صابر، وكذلك مجدي إبراهيم، الضابط القوي داخل جهاز الأمن الوطني، أظهر كيف كثف جهاز الأمن المصري حملته على المجتمع المدني، منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة".

وأضاف الناشط "الهدف الآن هو إيقاف ومعاقبة أي نشاط من هذا القبيل، ورفع كُلفته، وليس مجرد مراقبته أو جمع المعلومات عنه".

وقال ممثلو الادعاء في روما إنهم "حصلوا على شهادات من ثلاثة أشخاص توضح بالتفصيل رحلة ريجيني من مركز الشرطة في حي الدقي -القريب من وسط القاهرة- إلى مركز احتجاز كبير حيث تعرض للتعذيب". وأطلق المدعون الإيطاليون أسماء رمزية للشهود هي "جاما" و"دلتا" و"إبسيلون".

ولطالما اعتبرت السلطات في مصر أن جهات فاعلة غير معروفة، أو عصابات إجرامية مسؤولة عن اختفاء ريجيني، وقتله. وطالبت النيابة المصرية شطب ادعاءات إيطاليا بشأن تورط أفراد من الأمن المصري في قتل ريجيني ضمن وثائق القضية.

لطالما اعتبرت السلطات في مصر أن جهات فاعلة غير معروفة، أو عصابات إجرامية مسؤولة عن اختفاء ريجيني

وتجاهلت إيطاليا محاولة مصر إخفاء القضية محلياً، حيث أصدرت النيابة العامة في روما طلباً رسمياً لمحاكمة أربعة أشخاص في جهاز الأمن الوطني لضلوعهم في قتل ريجيني، وهم: طارق صابر، وحسام حلمي، وآسر كامل محمد إبراهيم، ومجدي إبراهيم عبد الله شريف.

وأشارت شهادة "جاما" إلى أن الضابط شريف ناقش اختطاف ريجيني في مؤتمر بالعاصمة الكينية نيروبي، قائلاً في حديث له مع آخرين: "اعتقدنا أنه جاسوس إنكليزي فأخذناه، وبعد ركوبه سيارة الشرطة اضطررنا إلى ضربه". وأضاف أنه "رأى ريجيني يحضر إلى قسم شرطة الدقي في حوالي الساعة الثامنة أو التاسعة مساءً، وتحدث بالإيطالية طالباً التواصل مع قنصلية بلاده".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

وتتوافق رواية "دلتا" مع وصفه في مقابلة لاحقة مع "ذا غارديان"، بما في ذلك واقعة التبادل بين ضباط الأمن حيال ريجيني، بعد أن تحدث طالب الدكتوراه باللغة الإيطالية، ورد أحد أفراد الأمن المصري عليه: "يمكنك التحدث بالعربية"، في إشارة إلى أنهم كانوا على علم مسبق بإمكانية تحدث الشاب البالغ من العمر 28 عاماً بالعربية قبل اعتقاله.

وأمرت قوات الأمن التي احتجزت ريجيني بوضعه في "الثلاجة"، وهي غرفة للاحتجاز في بعض أقسام الشرطة المصرية تُستخدم لسوء المعاملة، وأحياناً التعذيب. كما وصف الشاهد حديثاً سمعه بين ضباط الأمن، وقول أحدهم للآخر: "هل فعلت ما قلته لك بخصوص هاتفه (ريجيني) المحمول؟"، ليجيب الضباط المساعد: "نعم، لقد أغلقت الهاتف، وصعدت".

وروى "دلتا" أن هذه المناقشة أظهرت جهود الضباط لإغلاق هاتف ريجيني المحمول من داخل محطة مترو في القاهرة، وبالتالي إخفاء أي دليل على موقعه الأخير عندما سعى المحققون الإيطاليون لذلك لاحقاً. ولم يقدم الشاهد هذا الدليل للمدعين العامين في روما، بسبب عدم استرداد الهاتف المحمول.

وطلب المحققون الإيطاليون مراراً تسجيل لقطات تلفزيونية مغلقة من مترو القاهرة في يوم اختفاء ريجيني، إلا أن مصر لم تزود إيطاليا في نهاية المطاف إلا بـ"فجوات غير مبررة في المحتوى المسترجع تمثل صوراً وفيديوهات مفقودة، ولم تسترجع" في عام 2018، وهو ما جعلها غير مجدية كدليل.

طلب المحققون الإيطاليون مراراً تسجيل لقطات تلفزيونية مغلقة من مترو القاهرة في يوم اختفاء ريجيني

وقدم "دلتا" تفاصيل تخطيط مركز شرطة الدقي لصحيفة "ذا غارديان"، وأسماء ضباط الأمن، والمحادثات التي لا يكون المعتقلون طرفاً فيها عادةً. في حين تحدثت منظمة العفو الدولية إلى المصدر نفسه، ووجدت روايته ذات مصداقية.

وقال الباحث في شؤون مصر بمنظمة "العفو"، حسين باعومي: "لقد كان صادقاً جداً بشأن الطريقة التي رأى بها ريجيني، وما حدث له. ولا يبدو أنه كان بالضرورة يهتم كثيراً بالجرائم المرتكبة ضده، أو يرى بالضرورة أن هذه الأعمال إجرامية أو سيئة".

ويقول المحققون الإيطاليون إنهم وجدوا "دلتا" مصدراً موثوقاً به، لا سيما أنه وصف تعصيب عين ريجيني، وقيادته في سيارة مدنية على بعد أربعة أميال من الدقي إلى مجمع "لاظوغلي" شديد الحراسة بوسط القاهرة، والمعروف كواحد من وجهات محتملة عدة لإخفاء المعتقلين السياسيين قسراً في مصر.

وأخبر "إبسيلون"، الموظف المخضرم في مجمع لاظوغلي، الذي يضم قسماً كبيراً للمحتجزين تعسفياً من قبل جهاز الأمن الوطني، المدعين العامين بأنه "رأى ريجيني داخل المنشأة عارياً في النصف العلوي من جسده، وتظهر عليه علامات التعذيب، وكان يتحدث اللغة الإيطالية".

من جهته، قال محمد لطفي، مؤسس "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، التي يعمل محاموها بدور المستشار القانوني المصري لعائلة ريجيني، إن 13 شخصاً إضافياً محل اهتمام طلبهم المدعون الإيطاليون، والذين من المحتمل أن يكشفوا عما حدث لريجيني في الأيام التسعة بين احتجازه في لاظوغلي، واكتشاف جثته المشوهة على بعد 18 ميلاً بالقرب من منشأة أخرى تابعة لجهاز الأمن الوطني في ضاحية الشيخ زايد بالجيزة.