رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية"لـ"العربي الجديد": الحرب ضد دونباس ستشكل نهاية أوكرانيا كدولة
في حوار خاص مع "العربي الجديد"، يستعرض رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها دولياً، دينيس بوشيلين، رؤيته لأسباب الأزمة الأوكرانية وأفق تسويتها، ويعلق على التصنيف الأوكراني والغربي لمنطقة دونباس (تضم مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك) كانفصالية، وحدود الدعم الروسي لها، ومشاركة عناصر روسية في عمليات القتال في شرق أوكرانيا.
كما يرد على الاتهامات بإسقاط طائرة "بوينغ-777" الماليزية في عام 2014 بعد إصابتها بصاروخ في المنطقة التي يسيطر عليها الانفصاليون. ويحذر من أن عودة النزاع في دونباس إلى مرحلة ساخنة ستشكل نهاية لأوكرانيا كدولة.
كما يتحدث بوشيلين، البالغ من العمر 40 عاماً والذي يتولى "رئاسة جمهورية دونيتسك الشعبية" منذ نهاية عام 2018، عن العقبات التي تحول دون تحقيق اتفاقات مينسك للتسوية الأوكرانية ("مينسك 1" في 5 سبتمبر/أيلول 2014، و"مينسك 2" في 12 فبراير/شباط 2015)، وفشل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تحقيق وعوده الانتخابية بالسلام في دونباس.
كذلك، يتحدث عن مسألة حصول مئات الآلاف من سكان دونباس على الجنسية الروسية، وآفاق تدخل موسكو بشكل مباشر في النزاع الأوكراني والاعتراف باستقلال "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك".
بداية، لنعد إلى اندلاع الأزمة السياسية والعسكرية في أوكرانيا في عام 2014، ما هي أسبابها الحقيقية؟ هل كان يمكن تجنبها؟
بدأ كل شيء في نهاية عام 2013 في ساحة "الميدان" في كييف، حيث نُظمت احتجاجات بدعم من الخارج وفق سيناريو "الثورات الملونة". لم يدعم سكان دونباس هذه الاحتجاجات، لأن شعارات "الميدان" ذات الطابع القومي المتشدد كانت غريبة علينا. وبموجب إحدى الوثائق التشريعية الأولى التي تم تبنيها بعد الانقلاب (على الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش) في فبراير/شباط 2014، بدأ التضييق على الحقوق اللغوية للسكان الناطقين بالروسية على الرغم من أنها من حقوق الإنسان الأساسية.
طالبت دونباس بإجراء استفتاء على الفيدرالية، ولكن لم تتم الاستجابة لطلبها. حينئذ، أعلن سكان مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك عن قيام الجمهوريتين الشعبيتين، وعبروا عن عزمهم على إجراء الاستفتاء بمعرفتهم. إلا أن المجرمين الذين وصلوا إلى سدة الحكم في كييف نتيجة للانقلاب، استخدموا الجيش ضد سكان دونباس، وهو أمر يتعارض أيضاً مع القانون الدولي.
كنا نراهن على نموذج انضمام القرم لروسيا
هل راهنت "جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان" على الانضمام إلى روسيا وفق سيناريو ضم شبه جزيرة القرم؟ وما الذي منع موسكو من التعامل بحزم أكبر؟
بالطبع، كنا نراهن على نموذج انضمام القرم لروسيا، ولا يكمن الأمر في عدم حزم موسكو، وإنما في تصرف روسيا وفق القانون دائماً. كان وضع الحكم الذاتي بالقرم يتيح إجراء استفتاء استعادة الوحدة مع روسيا، بينما فضلت النخب السياسية الأوكرانية في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك الهروب بدلاً من دعم تطلعات الناس. بعد ذلك، سلكت دونباس طريقها المستقل.
شهد عام 2021، مخاطر متكررة بشأن إمكانية تحوّل التوتر العسكري إلى مواجهة مفتوحة في دونباس. في حالة التصعيد، هل يمكن أن تتدخل روسيا بشكل مباشر في النزاع مع الاعتراف باستقلال "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" وفق نموذج الاعتراف باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا في عام 2008؟
هذا السؤال لا يوجه إلينا، وإنما إلى روسيا. من وجهة نظرنا، فإن جميع الأحاديث عن التدخل الروسي في النزاع بين كييف ودونباس هي مضاربات واستفزاز سياسي. نظراً لتصريحات الممثلين الغربيين، فإن مثل هذا السيناريو يصب في مصلحة أوكرانيا وحدها.
نأمل كثيراً بتحلي القيادة في كييف بالمسؤولية أمام الشعب الأوكراني، لعدم بدء مرحلة ساخنة من الحرب، حتى لا تكون نهاية لأوكرانيا كدولة، وهو ما حذر فلاديمير بوتين كييف منه.
تصنّف كييف والغرب سكان "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" كانفصاليين، بينما تصنفهم موسكو كأنصار الفيدرالية في أوكرانيا. هل تتوقعون بقاء أوكرانيا دولة موحدة أم استمرار تفككها على أرض الواقع؟
جميع رؤساء أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، بلا استثناء، بنوا سياساتهم وفق مبدأ "فرّق تسد"، وعلى تباين رؤى غرب أوكرانيا وجنوب شرقها، وتعمدوا جميعاً دق الأسافين بين المواطنين على طريق فرض "الأكرنة" وتحريف التاريخ وتشويه صورة روسيا وتمجيد أوروبا ونمط الحياة الغربي.
ما كان لمثل هذه السياسات التي استمرت لسنوات، إلا أن تؤدي إلى تفكك أوكرانيا، وهو ما حدث، وهذه ليست النهاية. ومنذ عام 2014، ازداد الوضع سوءاً، إذ ازدادت حالات انتهاك حقوق الناس، وتراجع مستوى المعيشة بشكل كبير، وتراجع عدد السكان. مع مثل هذه التوجهات، ليست هناك فرص كثيرة للحفاظ على هذا البلد.
في إطار عملية تسوية النزاع، نسترشد باتفاقات مينسك. إذا بدأت كييف بالوفاء بها بدلاً من استمرار محاكاة العملية التفاوضية، فهذا سيساعد أوكرانيا نفسها.
على الرغم من التوصل إلى اتفاقات مينسك، إلا أن الوضع في دونباس لا يزال بعيداً عن التسوية، ويصرّ كل طرف على تفسير رؤيته لهذه الاتفاقات. كيف ترون المخرج من هذا المأزق؟ هل يمكن أن يحدث تحوّل نهائي في مرحلة النزاع المتجمد على غرار الوضع في إقليم ترانسنيستريا في مولدافيا؟
يمكن بالطبع أن يحدث التحول. وهناك جدال حول مختلف التفسيرات لبنود اتفاقات مينسك على الرغم من أن كل شيء، وفق رأينا، مكتوب بوضوح، فخذ وافعل. يمكن تبادل الاتهامات بانتهاك نظام وقف إطلاق النار، على الرغم من أنه حتى هنا توجد معايير محددة لتحديد المتسبب في القصف، إن كانت هناك رغبة في ذلك.
لكن من الواضح تماماً أن هناك من يعيق العملية، في حال نظرنا إلى الالتزامات السياسية للأطراف. كان على أوكرانيا تثبيت الوضع الخاص لجمهوريتي دونباس المنصوص عليه في اتفاقات مينسك، على مستوى الدستور، ولكنها لم تفعل ذلك خلال سبع سنوات. لم يتم تبني تشريعات عدم ملاحقة الأشخاص المشاركين في النزاع. عرقلت كييف تبادل الأشخاص المحتجزين بتخاذلها عن الوفاء بجميع الالتزامات المتعلقة بهذا الشأن. هذه أمور موضوعية يمكن مراجعتها بسهولة. لكن المرعب أنه لا تزال هناك حوادث قتل وإصابة سكان مدنيين وأطفال.
المخرج هو بالوفاء باتفاقات مينسك وبالعملية التفاوضية البناءة بين طرفي النزاع؛ كييف من جانب، ودونيتسك ولوغانسك من جانب آخر. لكن كييف ليست لديها إرادة سياسية لذلك، تحت حكم الإدارة الحالية.
تقول الرواية الرسمية الأوكرانية إن الأحداث في دونباس ليست حرباً أهلية، وإنما مواجهة مع روسيا. ما هو نطاق الدعم العسكري - السياسي الروسي المقدم لدونباس؟
وفقاً لاتفاقات مينسك المدعومة بقرار من مجلس الأمن الدولي، فإن طرفي النزاع هما أوكرانيا وجمهوريتا دونباس. أما فرنسا وألمانيا وروسيا، فهي الدول الضامنة لهذه الاتفاقات التي لا تحتوي على أي بند يتعيّن على موسكو تنفيذه.
لكن كييف التي تواصل التفاوض للعام السابع، تستمر في قصف أراضينا وقتل السكان المدنيين في دونباس، وتدمير المنازل والبنية التحتية الاجتماعية، مع محاولتها تبرئة نفسها من هذه الجرائم. والآن تتهم بعض الدول الغربية روسيا بأنها تريد مهاجمة أوكرانيا. وهناك سؤال إلى كييف يفرض نفسه: مع من تحاربتم حتى الآن؟
ممتنون كثيراً لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين على الدعم السياسي
ممتنون كثيراً لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين على الدعم السياسي والمساهمة في التسوية السلمية للنزاع. نقول شكراً للشعب الروسي على الدعم الإنساني.
في بداية الحرب، حضر إلى دونباس متطوعون روس لمساعدتنا في حماية أرضنا. تشكّلت لدينا كذلك فرقة دولية واجهت معنا الفصائل المسلحة، وضمّت مواطنين صرباً وأبخازيين وفرنسيين. هذا لا يعني أن كييف تواجه تلك الدول التي حضر منها المتطوعون. وخلال فترة الحرب الأهلية، لم تؤكد أي منظمة دولية، بما فيها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وجود الجيش الروسي في دونباس. ندافع عن أرضنا بأنفسنا.
خلال السنوات الماضية، تم إشراك دونباس في الحياة السياسية والاقتصادية الروسية بنشاط. وكان بإمكان أكثر من 700 ألف من السكان المحليين الذين حصلوا على الجنسية الروسية، التصويت في انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي في الخريف الماضي. كما تم فتح السوق الروسية، بما في ذلك المشاركة في مشتريات الدولة، أمام المصانع المحلية، ويتم استخدام الروبل الروسي لإجراء المعاملات في دونباس. هل يمكن القول إن دونباس اليوم أوكرانية من وجهة النظر القانونية، ولكنها فعلياً أصبحت روسية؟ وما هي الآفاق المستقبلية للتكامل؟
فعلت كييف الرسمية كل ما بوسعها لإبعاد دونباس. وما يزيد من الفجوة بين الطرفين، هو قصف المدنيين والحصار الاقتصادي، والقوانين التي يتم تبنيها بحق السكان الناطقين بالروسية وماضيهم التاريخي وقيمهم الروحية. بالطبع، ما كان أمام دونباس إلا أن تعود في هذه الظروف، إلى جذورها وماضيها القريب، عندما كانت قلباً صناعياً لروسيا الكبرى.
عندما حرمت أوكرانيا سكان دونباس من حقوقهم، قامت روسيا باستعادتها بخطواتها الإنسانية. هكذا كان الأمر، عندما أصدر فلاديمير بوتين مرسوماً بالاعتراف بالوثائق الصادرة في الجمهوريتين. وزاد من فرحتنا، قرار تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية الروسية.
تنص اتفاقات مينسك على التعاون العابر للحدود. لذلك التعاون الاقتصادي مع روسيا هو طوق نجاة لصناعات الجمهوريتين الموجهة للتصدير، والتي تؤدي فيها قطاعات الميتالورجيا (تشكيل الأدوات المعدنية من مسحوق المعادن بالضغط والحرارة) وصناعة الماكينات والكيمياويات دوراً محورياً. نمتن لروسيا على ذلك كثيراً، ونأمل في مواصلة الدفع بالتعاون متبادل المنفعة.
في يوليو/تموز 2014، تم إسقاط طائرة "بوينغ" الماليزية فوق دونباس، وكان أغلب ركابها من الرعايا الهولنديين. تشير رواية الجانب الهولندي إلى أنه تم إسقاط الطائرة بصاروخ من منظومة "بوك" من منطقة بلدة بيرفومايسكي الخاضعة لسيطرة مقاتلي دونباس. كيف تردون على هذه الاتهامات؟
الأسلوب الأوكراني الرئيسي في مواجهة دونباس هو الاستفزاز. للأسف، فإن نطاق الوقاحة والتداعيات المأساوية لا تثني قادة هذا البلد. في هذه القصة المروعة المتعلقة بـ"بوينغ" الماليزية يجب التساؤل: من المستفيد؟ كانت أوكرانيا وشركاؤها الغربيون يحتاجون إلى تصوير مقاومة دونباس على أنها من قبل إرهابيين. وقبل بدء التحقيق، وبعد أيام معدودة على الواقعة، تم فرض عقوبات على روسيا.
لننظر إلى الحقائق. أوكرانيا لم تغلق مجالها الجوي فوق أراضي النزاع العسكري. وتم فضح واقعة فبركة فيديو نقل "بوك" باتجاه روسيا بعد الحادثة. فقد تم الاستناد إلى مقطع فيديو غير محترف صوره أحد سكان بلدة سنيجنويه، واعترف بأنه التقطه قبل الواقعة بكثير، وأن "بوك" كانت متجهة صوب أوكرانيا. لم تكن تتوفر لدى قوات الدفاع الشعبي الكوادر اللازمة للتحكم في مثل هذه المنظومة المعقدة للدفاع الجوي.
وبعد الفاجعة مباشرة، شكلنا علناً لجنة دولية للوصول إلى موقع الكارثة في أسرع وقت، وقدمنا مختلف أنواع الدعم في إطار تسليم الجثامين وقطع الطائرة. وبمجرد العثور على الصندوقين الأسودين، تم تسليمهما للجانب الماليزي. يعني ذلك، أننا أظهرنا أعلى درجة من الانفتاح والاهتمام بالتحقق من أسباب الحادثة في أسرع وقت.
ولكنْ لدينا أسباب للتشكيك في موضوعية التحقيق الذي لا يأخذ جميع الأدلة بعين الاعتبار، ومنها على سبيل المثال، تجاهل نتائج تحقيقات شركة "ألماز أنتيه" الروسية، فهي أثبتت أنه لم يكن بالإمكان إطلاق الصاروخ من محيط بلدة سنيجنويه، على ضوء طابع الأضرار التي لحقت بـ"بوينغ"، خاصة وأن الصواريخ من هذه الفئة لم تعد في الخدمة داخل الجيش الروسي منذ عام 1986.
كما لم تقدم الولايات المتحدة صور الأقمار الصناعية التي كانت ترصد منطقة الكارثة في ذلك الوقت. نأمل كثيراً أن يتم الوصول إلى المتسبب الحقيقي في هذه الجريمة ومعاقبته.
زيلينسكي يفتقر للإرادة السياسية لاتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الشعب الأوكراني
في إطار حملته الانتخابية في عام 2019، وعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالسلام في دونباس. من وجهة نظركم، ما الذي منعه من الوفاء بوعوده؟
نعم، صوّت مواطنو أوكرانيا لزيلينسكي بدرجة كبيرة بسبب وعوده بالسلام، ولكنهم خُدعوا مرة أخرى، وهناك بضعة تفسيرات لذلك. أولاً، السبب الخارجي، ويتمثّل بعدم استقلالية أوكرانيا واعتمادها السياسي والمالي والعسكري على الغرب.
والسبب الثاني داخلي، إذ إن كييف أخرجت المارد من القمقم بالرهان في الميدان على اليمين القومي الراديكالي الذي شعر خلال هذه السنوات بقوته وإفلاته من العقاب. يتخذ زيلينسكي جميع القرارات مع مراعاة مواقف الراديكاليين الذين يعتبرون اتفاقات مينسك بمثابة خيانة للمصالح الوطنية الأوكرانية.
وعلاوة على ذلك، يضع الرئيس الأوكراني تداعيات أزمة الطاقة والأزمة الاجتماعية - الاقتصادية على عاتق الحرب. لذلك أكرر أن زيلينسكي يفتقد للإرادة السياسية لاتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الشعب الأوكراني. يرى سكان البلاد هذا، ولذلك نسبة تأييده هو وحزبه (خادم الشعب) في تدهور مستمر.