دعوات لحل البرلمان التونسي: ضغط سياسي واستحالة دستورية

08 ديسمبر 2020
تفاقم التوتر تحت قبة البرلمان(فيسبوك)
+ الخط -

تصاعدت وتيرة الدعوات السياسية لحل البرلمان التونسي مع تفاقم العنف اللفظي والجسدي تحت قبة مجلس الشعب، والذي بلغ حد التشابك والتدافع، أمس الإثنين، غير أن خبراء القانون الدستوري يجمعون على عدم توفر إمكانية قانونية لحل المجلس التشريعي فيما ذهب آخرون لاستحالة ذلك في الوضع الراهن.
وأطلق نواب وسياسيون معارضون، اليوم الثلاثاء، دعوات لحل البرلمان التونسي، معتبرين أن المجلس الحالي عمق الأزمة التي تعيشها البلاد وزاد من الصعوبات حدة.
ودعا الوزير السابق (التيار الديمقراطي) محمد عبو، الرئيس التونسي قيس سعيد، إلى تفعيل البند 80 من الدستور التونسي وإعلان الخطر الداهم، مشدداً على أن يستعمل سعيد صلاحياته في محاسبة خصومه السياسيين، أساساً أحزاب "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة".
واعتبر عبو أنه في حال لم يطبق الرئيس صلاحياته فعلى الشعب النزول إلى الشارع والتظاهر.

كذلك، طالب النائب (المستقيل من قلب تونس) حاتم المليكي في تصريح صحافي، رئيس الجمهورية، بتفعيل البند 80 واعتبار البلاد في حالة خطر داهم، مؤكداً على ضرورة إجراء انتخابات تشريعية قبل 2022 لاعتبارات أن كل عناصر الاقتتال توفرت في تونس.
بدوره، قال النائب المعارض منجي الرحوي في تصريح، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا البرلمان انتهى ويجب أن يثور الشعب ضد هذه الطغمة السياسية البعيدة عن نبض الشارع التونسي ومشاكله".
واعتبر الرحوي أن "الشعب تم تضليله والتحايل عليه خلال الانتخابات بخطابات بعيدة عن الواقع وبوعود زائفة، واليوم صدم التونسيون بحقيقة نخبة تخدم مصالحها الضيقة من خلال مواصلة تفقير الشعب واستغلاله".
ودعا الرئيس قيس سعيد، بحسب بلاغ صادر عن الرئاسة تفاعلاً مع ما شهده البرلمان من أعمال عنف وخلافات، إلى ضرورة تمرير قانون المالية حتى لا يتم اللجوء إلى البند 66 من الدستور (الذي يفوض للرئيس صرف الموازنة على أقساط في حال عجز البرلمان عن المصادقة عليها).

وأعرب سعيد عند استقباله نواباً من "الكتلة الديمقراطية"، من بينهم من تعرضوا للعنف في البرلمان، أمس الإثنين، عن "رفضه لكل أشكال العنف حيثما كان، وخاصة داخل مؤسسات الدولة". 
وقال سعيد، وفق شريط مصور نقله موقع رئاسة الجمهورية على "فيسبوك"، إنّ "تونس تعيش أدق وأخطر المراحل التي عرفتها بعد الاستقلال، لكن من يعتقد أنه سيسقط الدولة التونسية واهم"، مشدداً على أنّه "لن يقبل بأي تصرف غير مسؤول".


ودعا الجميع إلى تحمّل مسؤولياتهم كاملة، قائلاً إنه توجد "قوى مضادة للثورة تعمل منذ 2011 على إسقاط مطالب التونسيين"، وإنه "يوجد من تحالف مع هذه القوى ويريد إسقاط الدولة، لكن ليعلموا أن ترتيباتهم معلومة. ولا حوار مع المجرمين".
وأشار رئيس الجمهورية إلى أنّه "يوجّه الإنذار تلو الإنذار والتحذير تلو التحذير، بأنه يحترم الشرعية والقانون"، لكنه "لن يترك تونس ومؤسساتها تتهاوى وتسقط، ولن يقبل بأن تسيل الدماء، وأن يمهّد البعض لإسقاط الدولة". وأردف: "سنردّ بأكثر مما يتصورون لإنقاذ الدولة من كل اعتداء على أمنها".
في الشأن، أكدت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة القانون البرلماني منى كريم الدريدي في حديث، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا مجال لحل البرلمان في الوضع الحالي"، مشددة على أن "وضعية حل البرلمان لا تستقيم دستورياً إلا في حالة إسقاط الحكومة".
وبينت كريم أن "دعوات حل البرلمان هي دعوات سياسية، وفرضية حل المجلس التشريعي غير ممكنة ولا سند دستورياً لها ولا علاقة للبند 80 بذلك".
وأوضحت أن تفعيل "البند 80 يتطلب وجود محكمة دستورية، وحتى إذا ذهب الرئيس في تأويل هذا البند مستنداً إلى سلطته التقديرية معتبراً دواليب الدولة معطلة ووجود خطر داهم، فإن مجلس نواب الشعب في هذه الوضعية الاستثنائية يعد في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة".

وأشارت كريم إلى أن "هذا البند المذكور ينص على اتخاذ تدابير استثنائية". واعتبرت أن اللجوء له في غياب محكمة دستورية يمثل "مسألة خطيرة جدًا" لأن إعلان حالة الاستثناء يخوّل للرئيس اتخاذ "كل التدابير" وهي عبارة جاءت على إطلاقها، وفق تعبيرها.
من جهته، اعتبر القيادي البارز بحركة "النهضة"، العجمي الوريمي في تعليقه لـ"العربي الجديد"، أن "الداعين اليوم لمراجعة النظام السياسي وحتى الدفاع عن فرضية حل البرلمان هم إما أطراف هُزِمت في الانتخابات في 2019 وتتعلل بعدم قدرة الحكومة على إنقاذ البلاد أو أطراف تريد الاصطفاف وراء رئيس الجمهورية لإنهاء ما تعتبره هيمنة حركة النهضة على الحكم منذ سنة 2011"، مشيراً إلى أنها تنقّب في كل فصول الدستور التي تمنح رئيس الجمهورية اتخاذ إجراءات استثنائية أو حل البرلمان".
وتابع الوريمي: "بالإضافة إلى أطراف يقودها الحنين إلى زمن الاستبداد وبعقلية ثأرية من الثورية وتتستر بالدعوة إلى استعادة الدولة لهيبتها ومنع انهيارها وتفككها".
وأردف: "هذه الأطراف، المنهزم منها في الانتخابات الأخيرة ومن يريد تكوين جبهة سياسية يقودها الرئيس ومن يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بتحريض الرئيس على اتخاذ إجراءات استثنائية، تجد في الاحتجاجات الاجتماعية ذات الطابع المحلي والجهوي، وهي احتجاجات مطلبية بالأساس، حجة وتعلة لتمرير أجندتها السياسية الحزبية أو المعادية للديمقراطية والثورة".
ورأى القيادي بحزب "النهضة"، أن "الوضع الراهن وضع مأزوم بسبب الحسابات والأجندات المتعارضة والمتناقضة، ولكن من وراء الدعوة لحل البرلمان استهداف للبرلمان الحالي لا استهداف للنظام البرلماني في حد ذاته".
وأضاف الوريمي "أن أصحاب دعوة حل البرلمان الذين يريدون وقوف رئيس الجمهورية في صفهم يأملون استغلال موقف الرئيس الشخصي من الأحزاب ومن الفساد ومن منظومة الحكم التي أصبح ملزما بحكم موقعه بحمايتها والتحرك ضمن قاعدتها الدستورية حتى وإن كان يروم تغييرها"، على حد تعبيره.
واستنتج محدث "العربي الجديد" أنه "في خضم هذه الرهانات يبدو رئيس الجمهورية حذراً تجاه دعوات حل البرلمان ودعوات اتخاذ إجراءات استثنائية بدعوى احتمال الخطر الداهم، لأن الرئيس قيس سعيد يعي أن هذه الدعوات تقدم له هدية مسمومة وأن حل المؤسسات الشرعية المنتخبة أو استجماع السلطات والصلاحيات بيده في ظل الأزمة لن ينتج عنه إلا إنهاك المؤسستين العسكرية والأمنية وربما تصاعد الاحتجاجات وما يمكن أن يترتب عنه من احتقان قد يفضي إلى صدامات لا تحمد عقباها".

واعتبر أن "الدولة من خلال مؤسساتها والحكومة وجميع الأطراف اليوم أمام مسؤولية التوفيق بين الحفاظ على الشرعية ممثلة في المؤسسات المنتخبة من برلمان ومجالس حكم محلي، والاستجابة لمشروعية مطالب الجهات والفئات في التنمية والتشغيل والتوزيع العادل للثروات، وما يتطلبه ذلك من إصلاحات قد تمر عبر حوار وطني اقتصادي واجتماعي ومن تفاوض مع المنظمات الوطنية وتنسيقيات المحتجين، وعدم الإصغاء لمن يعتبرون المطالب المشروعة تمرداً ونعرات جهوية ينبغي الرد عليها ومواجهتها بالإجراءات الاستثنائية واستعمال العصا الغليظة"، على حد قوله.