دراسة إسرائيلية: تل أبيب بعيدة عن هدفها بإبعاد طهران عن دمشق

17 يناير 2022
من الصعب الافتراض بأن الأسد سيتنازل عن شراكة استراتيجية مع إيران عمرها 40 عاماً (Getty)
+ الخط -

دعا مدير مركز أبحاث الأمن القومي، العقيد احتياط أودي ديكل، في دراسة نشرها على موقع المركز، إلى عدم التفاؤل في كل ما يتعلق بإبعاد إيران وأذرعها عن سورية، أو حتى محاولة دق أسافين بين نظام بشار الأسد وإيران. واعتبر ديكل أن التقديرات المتفائلة التي تصدر عن أذرع الاستخبارات الإسرائيلية بهذا الخصوص غير دقيقة؛ لأن "إسرائيل لا تزال بعيدة عن تحقيق هدفها الاستراتيجي المتعلّق بطرد إيران وتقليص نفوذها ونفوذ وكلائها في سورية. كما أن التوقعات بأن يقوم بشار الأسد وروسيا بهذه المهمة بدلاً من إسرائيل هي خاطئة".

ووفقاً لديكل فإن بشار الأسد "يفتقر إلى القوة اللازمة لإجبار إيران على الخروج من سورية... وعليه فإن على إسرائيل مواصلة معركتها ضد التموضع العسكري الإيراني، وضد وكلاء إيران في سورية، والاستعداد للتعاون مع جماعات ومجموعات محلية تعارض النفوذ الإيراني كما تعارض النظام".

وعارض ديكل تقديرات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) السابق، الجنرال تمير هايمان، الذي أعلن مؤخراً أن "النشاط الإيراني مستمر ويغير شكله وأنماطه، لكن التموضع الإيراني في سورية توقف، كما أن حزب الله ابتعد عن الجولان". كما رفض ديكل تصريحات هايمان التي تحدثت عن أن الجيش الإسرائيلي "شوش فعلياً المحاولات الإيرانية لبناء منظومة صاروخية في سورية وإخفائها في مواقع مدنية، على غرار ما هو قائم في لبنان، وصولاً إلى القول: لقد تمكنا من دق إسفين بين الأسد وبين إيران، وهو يدرك اليوم أنه يتلقى ضربات على استضافته للإيرانيين".

ويؤكد ديكل أن صورة الوجود الإيراني في سورية أكثر تعقيداً مما أشار إليه الجنرال تمير هايمان، وأن هذا الوجود العسكري والمدني الإيراني مستمر ومتواصل وتتم ملاءمته وفقاً للظرف المتغيرة".

ومع إقراره بأن إسرائيل تمكّنت فعلياً من تشويش "ملف الجولان" وفق خطة "حزب الله" لتحويل الجولان السوري لميدان احتكاك متواصل ونشر خلايا للحزب في جنوبي سورية؛ فإنه يرى أن خصائص الوجود الإيراني في سورية ومظاهره لا تتأثر فقط بالعمليات الإسرائيلية، وإنما أيضاً بتغيير الظروف والشروط على الأرض بعد عقد من الثورة والحرب، ذلك أن إيران "معنية بتجنب أي مواجهة مع روسيا، وحريصة على معرفة مخاوف روسيا من التداعيات المحتملة والممكنة لاستمرار الغارات الإسرائيلية وضربها، وعلى مستقبل بقاء نظام الأسد".

وعلى الرغم من أن إيران أبدت تجاوباً مع مطالب روسية فيما يتعلق بسحب وكلائها من جنوبي سورية؛ فإنها لم تتخذ الموقف نفسه بشأن انتشار "حزب الله" في الجنوب السوري، ولم تتخلَ عن أهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى، مثل التأثير في الفضاء السوري، وبناء جسر بري من إيران وصولاً إلى سورية ولبنان، والضغط لإخراج القوات الأميركية من شمال شرقي سورية، وبناء قواعد لإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل.

إلى ذلك اعتبر ديكل أن التقديرات بشأن إحداث شرخ بين نظام الأسد وإيران، تقديرات مبالغ فيها، وتنطوي على خطئين كبيرين؛ الأول أنه من الصعب الافتراض بأن الأسد مستعد للتنازل عن شراكة استراتيجية مع إيران عمرها 40 عاماً، مقابل بعض الامتيازات في تحسين علاقاته مع دول الخليج، التي أيدت الثورة والمتمردين الذين كادوا يسقطون نظامه. والثاني لكون المستشارين العسكريين الإيرانيين كما المليشيات الشيعية يواصلون القيام بدور مهم في حماية النظام ومنع سقوطه، فيما لا تزال الحرب في سورية بعيدة عن الحسم. كما أن لدى الأسد ما يكفي من الأسباب للاعتقاد بأن تحسين علاقاته الدبلوماسية سيستمر حتى مع محافظته على علاقات وطيدة مع إيران.

وخلص ديكل إلى القول إنه ينبغي الامتناع عن التقديرات المتفائلة بقرب وقف التموضع الإيراني في سورية، إذ لا تزال إسرائيل بعيدة عن تحقيق هدفها الاستراتيجي في هذا الباب. النفوذ والتأثير الإيراني في سورية ضروريان للمشروع الإيراني بفرض هيمنته على الهلال الخصيب العربي، وتحدي إسرائيل عند حدودها مع الجولان وفي لبنان. وقد طوّرت إيران وفقاً للتغييرات بدائل سياسية وعسكرية واقتصادية ودينية في سورية. فهي تعتمد في جنوب سورية مثلاً على مليشيات محلية وعلى "حزب الله"، وفي دمشق "تستغل التغييرات الديمغرافية الناجمة عن هروب السكان من أهل السنة لبناء ريف شيعي خاضع للهيمنة الإيرانية وتطويره". كما تتمسك بسيطرتها على المطارات في حمص لتأمين السيطرة على الحدود السورية اللبنانية، وفي شرقي سورية تقوم ببناء قوات للتدخل السريع استعداداً للانتشار في حال انسحاب القوات الأميركية من المنطقة.

وينهي ديكل مقالته بالقول إنه لا يمكن لإسرائيل الاعتماد على أن يقوم الأسد بإبعاد إيران، وعليها أن تثابر في حربها المتواصلة ضد التموضع العسكري الإيراني، وتموضع أذرع إيران، وأن تبني تعاوناً مع مجموعات محلية تناهض النفوذ الإيراني وتعارض نظام الأسد، وأن تعزز بموازاة ذلك أيضاً الحوار الثلاثي مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية للتأثير في بلورة المستقبل السوري.

المساهمون