شنّ "داعش" هجوماً في شرق سورية بعد أيام من إعلان التنظيم تعيين زعيم جديد له، ما يؤكد أنه ما زال يملك القدرة على شنّ هجمات في محيط البادية السورية مترامية الأطراف التي تحوّلت إلى مقرّ لخلاياه، بعد تقويض سلطته في سورية مطلع عام 2019.
وقتل وأصيب عدد من عناصر قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها في ريف دير الزور الغربي، في هجوم نفذه تنظيم "داعش" مساء الاثنين الماضي على بلدة معدان عتيق، وفق مصادر متقاطعة، بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أكد، أمس الثلاثاء، مقتل 10 من قوات النظام، مشيراً إلى أن العدد مرشح للارتفاع لوجود 6 جرحى بعضهم بحالة خطرة، بالإضافة إلى وجود معلومات عن قتلى آخرين.
سيطرة "داعش" لساعات على أجزاء من معدان
وأشار المرصد إلى أن التنظيم هاجم حواجز وآليات تابعة لقوات النظام، ثم أضرم النار فيها قبل خروجه من البلدة، التي سيطر على أجزاء منها لساعات عدة.
فراس علاوي: الهجوم رسالة إعلامية مفادها أن التنظيم ما يزال موجوداً
وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر قوات النظام حاولوا الفرار بسبب عدم قدرتهم على مجابهة عناصر التنظيم الذين شنوا هجوماً مباغتاً، إلا أن البعض منهم قتل أو أصيب، قبل أن ينسحب عناصر "داعش" من المنطقة باتجاه البادية السورية حيث يكمنون.
وبيّن الناشط الإعلامي عهد الصليبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن البادية بين محافظتي الرقة ودير الزور "منطقة نشاط لتنظيم داعش، وخصوصاً جبل البشري"، مشيراً إلى أن معدان عتيق "تابعة إدارياً لمحافظة دير الزور"، موضحاً أن مدنياً قتل في الهجوم، بالإضافة إلى "عدد ليس قليلاً" من مليشيا "الدفاع الوطني".
أوسع هجوم لـ"داعش" منذ 2017
وهذا الهجوم هو الأوسع منذ خروج "داعش" من المنطقة أواخر عام 2017، لتسيطر عليها قوات النظام ومليشيات إيرانية، التي لم تستطع وضع حد لهجمات التنظيم، الذي يعتمد أسلوب الهجمات المباغتة عبر مجموعات صغيرة.
وتقع معدان عتيق على الضفة اليمنى لنهر الفرات، وهي في منتصف المسافة بين مدينتي الرقة ودير الزور، البالغة نحو 150 كيلومتراً. وتنشط في هذه البلدة وبلدة السبخة المجاورة لها قوات النظام، وخصوصاً الفرقة الرابعة و"الدفاع الوطني" ومليشيات إيرانية يُعتقد أنها وراء الهجمات التي تستهدف رعاةً بين وقت وآخر بهدف الاستيلاء على أغنامهم.
إلى ذلك، أكدت مصادر محلية أن التنظيم شنّ، الاثنين الماضي أيضاً، هجوماً بالأسلحة الرشاشة وقذائف "آر بي جي"، على نقاط تمركز لمليشيا "فاطميون" الإيرانية في بادية المسرب بريف دير الزور الغربي. وأشارت إلى أن الهجوم، الذي استمر لمدة ساعة، أدى إلى إصابة عدد من عناصر المليشيا.
وجاء الهجومان بعد أيام من إعلان "داعش" تنصيب زعيم جديد له، هو أبو حفص الهاشمي القرشي، ليكون الزعيم الخامس للتنظيم عقب مقتل زعيمه الرابع المدعو أبو حسين القرشي في هجوم يُعتقد أنه وقع في مايو/أيار الماضي، على مقر سري له في ريف عفرين شمال غربي سورية.
إلا أن فراس علاوي، مدير مركز "الشرق نيوز" (المهتم بأخبار المنطقة الشرقية من سورية)، لا يرى، في حديث مع "العربي الجديد"، "أي رابط بين تنصيب زعيم جديد للتنظيم وبين هجومه الاثنين على بلدة معدان عتيق في ريف الرقة".
رسالة إعلامية حول وجود "داعش"
وأعرب علاوي عن قناعته بأن الهجوم "رسالة إعلامية لا أكثر، مفادها أن التنظيم ما زال موجوداً، ولم تتراجع قدراته العسكرية". وقال: أنا أرى أن التنظيم لم يحقق أية مكاسب من وراء الهجوم، سواء عسكرية او اقتصادية، كالسيطرة على صهاريج نقل نفط، ما يؤكد أن الهدف إعلامي فقط.
بسام أبو عدنان: "داعش" ورقة يمكن تحريكها من قبل أطراف الصراع في شرق سورية
وأشار إلى أن التنظيم، منذ مقتل زعيمه الأول أبو بكر البغدادي شمال غربيّ سورية في 2019 في عملية لقوات أميركية، "لم يعد كتلة واحدة"، معتبراً أنه تحول إلى تجمعات أمنية وولايات منفصل بعضها عن بعض، لا يجمعها إلا مبايعة الزعيم فقط.
وتابع: ليس هناك قرار عسكري واحد لتنظيم داعش، فالمجموعات الموجودة في البادية السورية لها قرار مختلف عن تلك الموجودة في مناطق أخرى داخل سورية أو العراق.
من جانبه، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات بسام أبو عدنان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن عزل الهجوم عن التوتر في شرق سورية بين الإيرانيين والروس من جهة، والأميركيين من جهة ثانية".
واعتبر أن تنظيم "داعش" ورقة يمكن تحريكها من قبل أطراف الصراع في شرق سورية، إما من طريق قياديين مخترقين، وإما عبر دعمه بشكل غير مباشر ليشنّ هجمات. وأعرب عن اعتقاده أن التنظيم "لن يكون طرفاً في أي مواجهة محتملة في شرق سورية بين الأميركيين والإيرانيين، لأنه لا يوجد طرف يريد أن يكون التنظيم معه مباشرةً"، لكنه اعتبر أنه يمكن الاستفادة منه بشكل غير مباشر.
ومنذ تقويض سلطته في سورية أوائل عام 2019، يعتمد "داعش" على هجمات سريعة ومباغتة انطلاقاً من البادية، التي كما يبدو تضمّ مقرات للتنظيم، كان قد جهّزها خلال عامي 2015 و2016، إبان سيطرته المطلقة على القسم الأكبر من هذه البادية.
وفشلت كل محاولات الروس والإيرانيين في الحد من نشاط التنظيم، رغم الحملات العسكرية المتعاقبة التي قامت بها قوات النظام أو المليشيات الإيرانية. كذلك تتحرك خلايا للتنظيم بين وقت وآخر في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، الخاضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تواصل تضييق الخناق على هذه الخلايا.
وكان "داعش" قد أعلن مطلع العام الماضي أنه ما زال يملك القدرة على شنّ هجمات واسعة النطاق، من خلال الهجوم على سجن الحسكة المركزي بحيّ غويران في قلب المنطقة الخاضعة لسيطرة "قسد". وكاد التنظيم يحقق هدفه من الهجوم، وهو إطلاق سراح قادته وعناصره المحتجزين في هذا السجن لولا تدخل التحالف الدولي في حينه.