لم تنجح الغارات الجوية الروسية والحملات البرية التي نفذتها قوات النظام السوري والمليشيات المحلية والإيرانية، في الحد من نشاط تنظيم "داعش" في البادية السورية مترامية الأطراف، بل إن وتيرة عمليات التنظيم ارتفعت في الآونة الأخيرة، ما يشير إلى أن إمكانياته لم تتراجع. وكثّف الطيران الروسي غاراته على تحصينات التنظيم في البادية في الأيام القليلة الفائتة، في محاولة متكررة لوضع حد لعمليات خاطفة يقوم بها "داعش" تؤدي إلى مقتل وإصابة وخطف عناصر من قوات النظام. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير أول من أمس الجمعة، أن "المقاتلات الروسية استهدفت بأكثر من 560 غارة جوية مواقع مبعثرة يعتقد أنه يتوارى ضمنها عناصر تنظيم داعش منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الحالي".
وبحسب المرصد، بلغت حصيلة القتلى جراء عمليات التنظيم خلال الفترة الممتدة من 24 مارس/آذار 2019 وحتى أواخر الشهر الحالي، 1597 قتيلاً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم 3 من الروس على الأقل، بالإضافة لـ153 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية. كما ذكر المرصد أن عدد قتلى "داعش" بلغ 1089 خلال الفترة ذاتها، موضحاً أن عمليات التنظيم تتركز في بوادي دير الزور والرقة وحمص والسويداء وحماة وحلب.
أكثر من 560 غارة روسية على مواقع مفترضة لداعش هذا الشهر
وجددت الطائرات الحربية الروسية غاراتها الجوية على مواقع مفترضة لتنظيم "داعش" في البادية السورية، أمس السبت. وذكر المرصد أن 3 طائرات حربية روسية قصفت صباح أمس مناطق انتشار عناصر التنظيم في باديتي حمص والرقة، وذلك بعد مقتل وجرح نحو 25 من عناصر التنظيم في القصف الجوي الروسي خلال الساعات الماضية، وفق المرصد.
وكان "داعش"، أعلن أول من أمس الجمعة، في بيان نشرته وكالة "أعماق" التابعة له، أنه نفذ خلال الأسبوعين الماضيين، 17 هجوماً في سورية، ما أسفر عن مقتل وإصابة 35 عنصراً من قوات النظام السوري والمليشيات الرديفة لها، وقوات سورية الديمقراطية (قسد).
وكان تنظيم "داعش" اتخذ من البادية السورية، التي تعادل مساحتها نحو نصف مساحة سورية، مسرحاً لعملياته، مع بدء تحصّن فلوله بها أواخر عام 2017 وصولاً إلى مطلع عام 2019، عندما خسر آخر معقل له في شرق الفرات وهو بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي. وكان انتقل عدد كبير من عناصر التنظيم إلى البادية نتيجة صفقات مع النظام في دمشق وريفها، وفي حوض اليرموك بريف درعا الغربي خلال عام 2018، فضلاً عن انتقال عناصر من التنظيم من منطقة شرقي نهر الفرات إلى البادية مع اشتداد المواجهة والمعارك ضده من قبل "قسد" وطيران التحالف الدولي في عام 2018.
وتراجعت إلى حد كبير عمليات التنظيم في منطقة شرقي نهر الفرات الخاضعة لهيمنة "قسد"، بينما اتسع نطاقها في البادية السورية التي تقع تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي تنشط في ريف دير الزور جنوب نهر الفرات وفي مدينة تدمر وسط البادية السورية.
في السياق، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "داعش" يتخذ من جبال وهضاب وتضاريس وعرة في البادية، ملاذات لعناصره الذين يتحركون في غالب الأحيان ليلاً لتنفيذ عمليات تصل أحياناً إلى منطقة الرصافة في ريف الرقة الجنوبي الغربي، والتي تعد منطقة تماس بين قوات النظام و"قسد". كما أشارت المصادر إلى أن التنظيم يتحرك على طول البادية وعرضها، مؤكدةً أن إمكانياته "لم تتأثر نتيجة الحملات البرية العديدة التي قامت بها قوات النظام خلال العام الحالي للقضاء على فلوله وخلاياه النشطة". وتابعت "كما لم تستطع الغارات الجوية الروسية وضع حد لعمليات هذا التنظيم".
بدورها، أوضحت مصادر محلية أخرى في ريف الرقة الغربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عناصر قوات النظام "ليست لديهم إرادة قتال على الإطلاق"، مضيفةً أنهم "يتسولون طعامهم ممن بقي من سكان قرى متناثرة في بادية الرقة، ما يعني أنهم غير قادرين على مواجهة هجمات تنظيم داعش".
من جانبه، قال الباحث السياسي، فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تنظيم داعش "لم ينته في البادية السورية كما يروّج الروس والإيرانيون"، مضيفاً أنه "ما زال يمتلك كل القدرات العسكرية والقتالية، ولكنه بدّل استراتيجية المواجهة من قتال الجيوش إلى هجمات خاطفة". وعن أسباب عودة نشاط التنظيم في الآونة الأخيرة، أوضح علاوي أن "داعش كان رتب أوراقه منذ سنوات لهذا السيناريو وهذه المرحلة من وجوده في سورية"، مضيفاً أنه "منذ عام 2015 خزّن أسلحة في مخابئ له داخل البادية السورية". وأشار إلى أن "خطوط الإمداد بين البادية السورية وغربي العراق ما تزال مفتوحة، ما يعني سهولة نقل الأسلحة إلى داخل الأراضي السورية".
بدّل داعش شكل المواجهة من قتال الجيوش لهجمات خاطفة
كما أوضح أن التنظيم موجود في البادية منذ عام 2015 "ما يعني أنه قادر على التعامل مع التضاريس الوعرة الموجودة أكثر من أي قوة أخرى، ولديه تفوّق في هذه الناحية لدرجة أنه يجبر قوات النظام والمليشيات الإيرانية على سلوك طرق رسمها لها من خلال الألغام والعبوات الناسفة". وأشار علاوي إلى أن عناصر التنظيم "يتحركون في البادية من خلال الدراجات النارية التي يُصعب على الطيران استهدافها"، لافتاً إلى أن "التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لا يتحرك لاستهداف التنظيم بمنطقة البادية السورية لكونها منطقة نفوذ للروس، ما ساعد التنظيم على مواصلة نشاطه وعملياته ضد قوات النظام". وبيّن أن "المليشيات الإيرانية والمحلية قلّصت من نشاطها في البادية السورية بسبب الخوف من التنظيم، وهو ما سمح للأخير بفرض السيطرة على مساحات واسعة في هذه البادية".
في السياق ذاته، رأى الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات، عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد" أنّ الغارات الروسية ضد داعش "تفتقد للدقة والاستراتيجية المتكاملة لمواجهة هذا التنظيم"، معرباً عن اعتقاده بأن "غياب الحل السياسي في سورية يساعد التنظيم على البقاء والقيام بعمليات بعد جذب مجندين لصفوفه". وأوضح أنّ "ضعف قوات النظام يساعد التنظيم على تكثيف نشاطه"، مضيفاً أن "هناك مناطق هشة في البادية، وطبيعتها الجغرافية واتساعها عامل مهم للتنظيم لاستمرار عملياته". وأشار شريفة إلى أنّ تنظيم "داعش يمتلك قاعدة دعم لوجستي متمثلة بالأموال التي استولى عليها، سواء في سورية أو العراق، والتي أخفاها في البادية السورية"، مضيفاً أنّ "كلّ هذه الأسباب مجتمعة تشكّل عوامل لاستمرار نشاط تنظيم داعش في البادية السورية".