منذ الإعلان عن إنهاء سيطرة "داعش" الجغرافية، في قرية الباغوز، آخر معقل له في سورية، في مارس/آذار 2019، لم تستطع الأطراف التي تحارب فلول التنظيم، كبح هذه الخلايا في البادية السورية مترامية الأطراف، على الرغم من العمليات العسكرية وحملات التمشيط العديدة.
وأخذ "داعش" بالتمرس يوماً بعد آخر مع الطبيعة الوعرة للبادية، وكسب الخبرة في التعامل معها للانقضاض على أعدائه عندما تسنح الفرصة، أو زيادة النشاط ضدها أو خفضه بحسب المعطيات.
ونشطت خلايا "داعش" مجدداً في الأيام الأخيرة، مستهدفة قوات النظام والمليشيات المرتبطة بها وبإيران في البادية، لا سيما في الأجزاء التابعة لمحافظات دير الزور والرقة وحماة من البادية، وآخرها الهجوم الذي أسفر عن مقتل 3 عناصر وجرح 5 آخرين من مليشيا "لواء الباقر" مساء أمس الأول الأحد في البادية.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن سيارة عسكرية تابعة لـ"لواء الباقر" تعرضت لانفجار لغم زرعه مجهولون على الطريق الواصل بين بادية الرصافة في محافظة الرقة ومنطقة أثريا في ريف حماة الشمالي الشرقي. وذكرت المصادر أن هناك تضارباً في الأنباء عن أن اللغم المزروع من مخلفات تنظيم "داعش"، أو أن خلايا التنظيم زرعته أخيراً لاستهداف المليشيا.
وفي السياق، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن غالبية القتلى والجرحى من "لواء الباقر" ينحدرون من منطقتي نبل والزهراء بضواحي حلب. ومليشيا "لواء الباقر" ممولة من إيران وتنشط بشكل رئيسي في محافظة حلب، وينتمي إليها آلاف العناصر من العشائر والقبائل العربية.
هجمات مستمرة لـ"داعش"
ويوم الأحد أيضاً، قال موقع "نورث برس" الناشط شمال وشرقي سورية، إن أربعة عناصر من مليشيا "لواء هاشميون" الموالية لإيران، أصيبوا بهجوم مسلح استهدف مقر عملهم، في بلدة البوكمال شرقي دير الزور، عند الحدود السورية - العراقية.
أربعة عناصر من مليشيا "لواء هاشميون" الموالية لإيران، أصيبوا بهجوم مسلح استهدف مقر عملهم في بلدة البوكمال
ونقل الموقع عن مصدر عسكري من المليشيا في بلدة البوكمال، إن مسلحين مجهولين شنوا هجوماً بالأسلحة الرشاشة على مقر تابع لـ"هاشميون"، على أطراف بادية البوكمال بريف دير الزور الشرقي، لافتاً إلى أن الهجوم استمر لأكثر من نصف ساعة، و"لولا قدوم مؤازرة لمساندة عناصر المقر، لتمكن المهاجمون من السيطرة على المقر بشكل كامل".
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أدت العمليات في البادية منذ بداية العام الحالي إلى مقتل 16 من عناصر "داعش"، بينما قُتل 173 من قوات النظام والمليشيات الموالية له، من ضمنهم 34 من المليشيات الموالية لإيران.
ويوم الجمعة الماضي، أعلن "داعش" عبر صحيفة "النبأ" التابعة له، مسؤوليته عن تنفيذ سبع هجمات في سورية خلال الأسبوع الماضي. وبحسب الصحيفة فإن العمليات أسفرت عن مقتل وإصابة 19 عنصراً من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والنظام والمليشيات في محافظات دير الزور والحسكة والرقة وريف حماة.
وشهد يوم الجمعة الماضي، العثور على جثتين لشخصين أحدهما يدعى "أبو عبد الله العراقي" والآخر "أبو علي العراقي"، وهما من عناصر "داعش". وأشارت معلومات "العربي الجديد" إلى أن أبو عبد الله، واسمه بشار محمد صالح العيد، كان مسؤولاً عن جمع أموال الزكاة من المدنيين، وهو مطلوب للتحالف الدولي ضد "داعش".
ولفتت مصادر محلية في البادية لـ"العربي الجديد"، إلى أن مجموعة مسلحين عشائريين من قرابة 40 مسلحاً من ذوي المقتولين، لا سيما من أقارب أبو عبد الله العراقي، خرجوا صباح السبت نحو موقع تنشط فيه خلايا "داعش" في المنطقة التي قتل فيها العنصران، في محاولة إيجاد أي من خلايا لـ"داعش". ورجحت المصادر بأن ذوي المقتول ربما لديهم معلومات بأن العراقي قُتل في تصفية حسابات داخل التنظيم، ويريدون الثأر له من عناصر التنظيم وخلاياه.
استهداف مناطق النظام والمليشيات
من جهته، أشار الناشط الإعلامي جاسم العلاوي، إلى أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والمليشيات المدعومة من إيران في البادية هي الأكثر استهدافاً من قبل "داعش"، مشيراً إلى أن التنظيم يملك أسلحة وذخائر وآليات بشكل جيد نتيجة اغتنامها من عملياته السابقة.
وأكد العلاوي الذي ينشط في محافظة دير الزور وريفها، لـ"العربي الجديد"، أن وعورة المنطقة، لا سيما "الشامية"، أي غرب نهر الفرات والتي تتمركز فيها قوات النظام، تصعّب عملية ملاحقة "داعش" فيها، كونه يستطيع التخفي بسهولة في الكهوف الجبلية والمغاور والأشجار الشوكية، بالإضافة إلى الأنفاق التي كان حفرها إبان فترة سيطرته الكاملة، وهذا ينسحب بشكل أو آخر على كافة مناطق البادية.
لكن العلاوي لفت إلى أن الهدف الأبرز للتنظيم هو عناصر مليشيات إيران، وأكد أن لديه معلومات بأن عناصر النظام لديهم تعليمات بعدم استهداف خلايا "داعش" حتى عند ملاحظتهم، والسبب في ذلك ضعف قوات النظام في الرد.
أما في مناطق سيطرة "قسد"، فأوضح العلاوي أن بادية الروضة عند الحدود السورية - العراقية هي المنطقة التي تشهد أكبر انتشار لخلايا التنظيم، مشيراً إلى أن أهميتها تكمن بقربها من الحدود، وقربها كذلك من أغلب آبار النفط في المنطقة، مؤكداً أن خلايا التنظيم يفرضون إتاوات بمبالغ طائلة على مستثمري النفط المتعاملين مع "قسد"، وأن عدم الدفع من أي مستثمر يعني اغتياله على الفور.
شريفة: عمليات خلايا التنظيم تستهدف مناطق انتشار النظام ومليشيات إيران، التي تحاول أن تفرض سيطرة كاملة في البادية
من جهته، رأى الباحث في شؤون الجماعات الجهادية عباس شريفة، أن نشاط "داعش" يكمن خارج المناطق الحيوية للفاعلين الرئيسيين في الملف السوري، وهم روسيا والولايات المتحدة وتركيا، فلكل منهم منطقة استراتيجية بعيدة نوعاً ما عن انتشار خلايا التنظيم.
وأشار شريفة لـ"العربي الجديد" إلى أن عمليات خلايا التنظيم تستهدف مناطق انتشار النظام ومليشيات إيران، التي تحاول أن تفرض سيطرة كاملة في البادية ليكون هناك طريق سالك تجارياً وعسكرياً بين طهران ودمشق، وبالتالي المنافس الوحيد على تلك المنطقة هو مليشيات إيران التي يكثف التنظيم هجماته ضدها.
ورأى شريفة أن التنظيم ليس بوارد تغيير حركته وعملياته بالانتقال من عمليات الاستهداف والهجمات الخاطفة، والذهاب نحو سيطرة جغرافية، لأسباب عدة، أولاً لعدم جعل نفسه في جغرافية ثابتة تسهل استهدافه، ثانياً قدرته على التخفي في المناطق الوعرة والجبلية. وأشار إلى أن هدف التنظيم من تلك العمليات والهجمات الإنهاك وليس السيطرة.