تتعرض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لضغوطات متضاربة في موضوع النفط الروسي. الكونغرس يدفع مع غيره من الهيئات لشموله بالعقوبات، لكن البيت الأبيض ما زال يتهيّب الخطوة خوفاً من ارتداداتها السلبية على التضخم المرتفع أصلاً، والذي يهدّد الرئيس وحزبه الديمقراطي بثمن سياسي في انتخابات الكونغرس بعد 8 أشهر. أسعار الطاقة مرتفعة أصلا، واندلاع حرب أوكرانيا فاقمها.
حرمان السوق من 5 إلى 8 ملايين برميل نفط روسي يومياً من شأنه أن يؤدي إلى التهابها، بما يزيد من نقمة الناخب وتعثر الاقتصاد. وضعية لا يحتملها بايدن الذي استرجع بتشدده مع موسكو، بعض الزخم والتأييد؛ كما لا تتحملها أميركا في الوقت الحالي الصعب.
لكن استفحال الحرب في أوكرانيا، وانفتاحها على التمدد والتوسع الذي يهدد بالأدهى، أعطى مطلب ضم النفط الروسي إلى العقوبات، المزيد من الزخم في الأيام الأخيرة، بعدما عجزت كافة الأسلحة الرادعة حتى الآن، من غير مفعول سريع. في أحسن الأحوال، آثارها متأخرة، لكن الأحداث في سباق مع الوقت. وعليه، "لم تعد لدينا خيارات كثيرة في الوقت الراهن"، بتعبير السناتور الجمهوري ماركو روبيو اليوم، والذي يلخص كلامه أجواء واشنطن إلى حد بعيد.
الخيارات المتداولة تنمّ عن حالة من البلبلة أكثر منها أي شيء آخر. المطروح منها يتراوح بين محاولة شد عصب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحكومته، وبين جس النبض والتمهيد لخيارات ما زال الحديث عنها في أطواره الأولى.
من الصنف الأول، يجري التلويح باحتمال تزويد أوكرانيا بمقاتلات حربية، وتمريرها مفككة عن طريق بولندا. وقيل إنها من طراز "ميغ" الروسية القديمة المتوفرة لدى الجيش البولندي. لكن مثل هذا الدعم لا يبدو مسألة جدية. وضع سلاح جوي من هذا الطراز، وبأعداد قليلة بيد القوات الأوكرانية، في مقابل تفوق جوي روسي كاسح (أكثر من 1500 طائرة "ميغ" و"سوخوي" حسب التقديرات الأميركية)، لا يبدو مسألة جدية بقدر ما هو رفض ناعم لمطلب الرئيس زيلينسكي بأن يقوم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بفرض حظر جوي فوق أوكرانيا. خطوة من هذا النوع رفضها بايدن تكراراً، باعتبارها "دخولاً في حرب عالمية ثالثة".
من الصنف الثاني الذي بدأت تتسرب حوله التلميحات، أن الغرب يمكنه دعم مقاومة تقودها حكومة أوكرانية في المنفى، وإن كانت أوساط الرئيس زيلينسكي تؤكد ابتعادها عن هذه الصيغة، وتشدد على عزمها على متابعة المعركة من الداخل. لكن حسابات الميدان تبقى لها الكلمة الفصل. فهذا الخيار، المعلومات المنسوبة إلى جهات دبلوماسية أوروبية وأميركية، "يجري استعراضه في ضوء توقع سقوط العاصمة كييف في قبضة القوات الروسية"، التي تبدو عازمة على تحقيق هذا الهدف.
ومثل هذا التدبير، أي نقل الحكومة إلى المنفى، وبولندا هي المرشحة كمكان لها، لا يفقدها الصلاحية، لأن "قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة حفظ لها شرعيتها حتى ولو مارست أعمالها من خارج أراضيها"، في ضوء ظروف الحرب الجارية.
ومن المؤشرات على جدّية هذا البديل، أن الإدارة طلبت من الكونغرس تخصيص مبلغ 10 مليارات دولار كمساعدة عسكرية وإنسانية لأوكرانيا. حجم المبلغ واستعداد الأكثرية من الحزبين "للإسراع" في إقرار المشروع، دليل آخر على أن الأمور سائرة في هذا الاتجاه، ولو أن هناك خشية من رد فعل روسي ضد بولندا لو احتضنت حكومة المنفى، وبالتالي توريط "الناتو" في مواجهة يمكن أن تتوسلها موسكو، لتوسيع دائرة الحرب، بحيث تشمل دول البلطيق الثلاث التي يتردد الحديث عن احتمال أن تكون الحلقة القادمة من الصراع، بحكم موقعها "الرخو"، وصغر رقعتها.
تسارع وشراسة العمليات العسكرية، وضعا مسألة النفط على نار حامية. ويبدو أن قدرة البيت الأبيض على الاستمرار في تحييده، تتضاءل. يشير إلى ذلك، أن الإدارة تحركت باتجاه فنزويلا، وربما نحو السعودية، (التي ذكرت معلومات الليلة أن نائبة الرئيس كامالا هاريس قد تقوم مع وزير الدفاع لويد أوستن بزيارة قريبة إليها)، للبحث عن كميات إضافية تسدّ حصة روسيا من السوق لو جرت مقاطعتها. وحتى لو تعذر تأمين البديل، يبدو من إشارات الإدارة وعودتها إلى نغمة "كل الأوراق على الطاولة"، أنها قد تضطر إلى توظيف ورقة النفط، خصوصاً عندما تبررها وتدعو إلى استعمالها "عند الضرورة"، مرجعيات اقتصادية مثل البروفسور لاري سمرز، من زاوية أن "حماية النظام الدولي أهم من اعتبارات التضخم" وأوجاعه، وفي ذلك غطاء للرئيس بايدن إذا أقدم على معاقبة روسيا بنفطها.