خيارات حركة حماس في قطاع غزة

26 فبراير 2023
أنصار حركة حماس في غزة يرفعون العلم الفلسطيني (محمد دحمان/Getty)
+ الخط -
السؤال الأبرز الذي يجول في وجدان الكثير من المهتمين بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ سيما مع تطور الأحداث في الأراضي الفلسطينية بعد وصول اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في إسرائيل، يتمثل في: ما هي خيارات حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة للرد على الحكومة الفاشية، التي يقودها بنيامين نتانياهو؟
منح الكنيست الإسرائيلي يوم 29/12/2022 الثقة لحكومة بنيامين نتنياهو بأغلبية 63 نائبًا، يمثلون أربعة أحزاب دينية وقومية دينية متطرفة، بالإضافة إلى حزب الليكود، عبر اتفاق جمع بنيامين نتنياهو مع بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، من أبرز ركائزه تجاه القضية الفلسطينية:
تسهيل عمليات ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية. وفرض السيادة على المستوطنات والطرق الاستيطانية الجاثمة عليها، وعزم حكومته تخصيص مبالغ طائلة لشرعنة وتطوير البؤر العشوائية، في مخالفة واضحة لقرار مجلس الأمن (رقم 2334). كذلك العمل على تطبيق قانون الإعدام بحق الفلسطينيين، والتضييق على الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية، ومنح جنود الاحتلال وعناصر شرطته مزيدا من الصلاحيات لإطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين. وصولًا إلى تغيير الواقع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس عامةً، وفي المسجد الأقصى خاصةً.

سيناريو المواجهة مع قطاع غزة قد يحرف الأنظار عما يجري في الضفة الغربية، ما يمثل فرصة لدولة الاحتلال؛ وربما لأطراف من السلطة الفلسطينية، لاحتواء الحراك الثوري في الضفة الغربية 

 
كما ازدادت حالة الغليان داخل الشارع الفلسطيني، التي عبّرت عن نفسها من خلال إطلاق حالات عسكرية جديدة في الضفة الغربية؛ مثل عرين الأسود وكتيبة جنين وغيرهما، بالإضافة إلى زيادة وتيرة العمليات الفردية ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه، التي سبقت تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو، نتيجة الأسباب التالية:
أولًا: انسداد الأفق السياسي، بسبب انقلاب إسرائيل على الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها اتفاق أوسلو، الذي رعته دول كثيرة، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، ما يؤكد فشل المسار السياسي وأن البديل المجدي مع الاحتلال هو المقاومة بكافة أشكالها. في ضوء ذلك؛ انطلقت اليوم مرحلة جديدة من المقاومة الفلسطينية ذات الطابع السلمي، تتمثل في العصيان المدني في بعض ضواحي مدينة القدس، وداخل السجون الإسرائيلية، فيها استحضار لتاريخ المقاومة السلمية، كالتي قادها الفيلسوف الأميركي هنري ديفد تورو (1817-1862)، الذي كان من أكبر مناهضي العبودية، والمهاتما غاندي في المقاطعة الشهيرة للملح، والثورة التي قادها الزعيم الأميركي الأسود مارتن لوثر كينغ في ستينيات القرن العشرين، عندما رفض الانصياع للقوانين العنصرية للولايات الجنوبية في أميركا، ونيلسون مانديلا الذي قاد النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
ثانيًا: العدوان الصهيوني المستمر وسياسة العقاب الجماعي، والقتل الممنهج، والانتهاكات المستمرة بحق كل ما هو فلسطيني، والحصار وتدنيس المقدسات، واقتحام مناطق السلطة الفلسطينية، والاعتداءات على الأسرى.
ثالثًا: ازدواجية المعايير الدولية في التعاطي مع القضية الفلسطينية بالمقارنة مع تعاطيهم مع الحرب الروسية الأوكرانية.
أسباب ودوافع عديدة دفعت السلطة الفلسطينية إلى اتخاذ قرار وقف عملية التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، وهو قرار بغض النظر إن كان تكتيكيًا؛ بهدف الضغط على المجتمع الدولي للتحرك، أم استراتيجيًا؛ يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة مع الاحتلال، قائمة على الاشتباك بكل الوسائل والسبل، لذا فإن سيناريوهات المشهد العام تتجه نحو التصعيد والانفجار، رغم الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية المبذولة لاحتواء المشهد.

قطاع غزة

القطاع عبارة عن شريط ساحلي على البحر المتوسط، تبلغ مساحته 360 كيلومترا مربعا، ويسكنه أكثر من مليوني نسمة، حدوده مع سيناء المصرية ما يقارب 14 كم، وحدوده مع دولة الاحتلال 40 كلم تقريبًا. يعد من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وصلت معدلات الفقر فيه إلى أكثر من 53% في العام 2017؛ حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، هذه النسبة في ارتفاع مستمر، سيما بعد الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، كما أن مؤشرات البطالة في القطاع هي الأعلى عالميًا، خصوصًا بين الشباب المتعلمين.
من كل ذلك؛ وبالعودة إلى سؤال المقالة الأساس: ما هي خيارات حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة للتعاطي مع تطورات المشهد السياسي والميداني؟ يعتقد كاتب المقال أن خيارات حركة حماس في قطاع غزة تحكمها أربعة محددات، هي:
المحدد الأول: تقدير الموقف الأمني والعسكري لشعبة الاستخبارات، التابع لذراع حركة حماس المسلح، المبني على أربع اتجاهات هي: مدى جهوزية المقاومة في قطاع غزة، عبر تحليل البيئة الاستراتيجية داخليًا وخارجيًا. ومدى تأثير المواجهة العسكرية في قطاع غزة على مسار الأحداث في الضفة الغربية والقدس (تقدير المصلحة). كذلك؛ مدى تأثير سيناريو المواجهة العسكرية على المشهد الداخلي في إسرائيل. وأخيرًا؛ مدى صلابة الجبهة الداخلية.
المحدد الثاني: تقدير الموقف الحكومي في قطاع غزة، يتناول هذا التقدير مدى جهوزية الجبهة الداخلية لمواجهة العدوان الصهيوني، مثل مدى جهوزية القطاع الصحي؛ المستشفيات، وفرق الطوارئ، وفرق الإغاثة، وقطاع الأمن، والإعلام، الذي يؤثر على روح المجتمع الفلسطيني المعنوية.
المحدد الثالث: تقدير الموقف السياسي؛ ينطلق هذا التقدير من دراسة طبيعة التحولات الإقليمية والدولية، وموقف حلفاء حركة حماس، ومدى جهوزيتهم للإسناد المباشر أو غير المباشر.
المحدد الرابع: مرتبط بإدارة العمليات ومدى جهوزيتها، من الناحية العسكرية والأمنية والسياسية، لأن التجارب السابقة كثيرة وكبيرة، ولا يعتقد الكاتب أن المقاومة في وارد تكرارها، خصوصًا في ما يتعلق بخوض معارك عسكرية دون ثمار سياسية يقطفها المواطن الفلسطيني، سواء على مستوى مشروع التحرر الوطني، أو حتى على مستوى إنهاء حصار قطاع غزة الظالم.

ازدادت حالة الغليان داخل الشارع الفلسطيني، التي عبّرت عن نفسها من خلال إطلاق حالات عسكرية جديدة في الضفة الغربية 

 
وفقاً لما سبق؛ تنحصر خيارات حركة حماس في قطاع غزة في ثلاثة، هي:
1. خيار الصبر الاستراتيجي، الذي عززه وتحدث عنه رئيس حركة حماس في إقليم الضفة الغربية؛ الشيخ صالح العاروري، في تسجيل صوتي مسرب له، وجوهره ينطلق من عمل الحركة على ثلاثة مسارات:
• دعم وتعزيز الحراك الثوري في الضفة الغربية بكل الوسائل والسبل، بعيدًا عن التدخل العسكري المنطلق من قطاع غزة، انطلاقًا مما أكدته التجارب السابقة "انفجار قطاع غزة عسكريًا يحرف البوصلة عما يجري في الضفة الغربية".
• الاستمرار في البناء والتطوير العسكري وحشد الشارع الفلسطيني لكافة الخيارات.
• العمل على النهوض بالمقاومة الشعبية انطلاقًا من قطاع غزة، في محاكاة لمسيرات العودة، مع ضرورة تقييم حقيقي للتجربة، يؤسس لمرحلة تصفير الخسائر البشرية قدر المستطاع.
2. خيار المواجهة العسكرية، وهو خيار محتمل في ظل حجم الجرائم المرتكبة في الضفة الغربية والقدس، وبعد دخول الأسرى الفلسطينيين مرحلة العصيان، التي ستنتقل إلى مرحلة الإضراب عن الطعام في الأول من رمضان، ما يعني تدهور أمني كبير ليس من السهل على حركة حماس مراقبته من بُعد دون تدخل عسكري مباشر منها، أو غير مباشر عبر بعض التشكيلات والفصائل المسلحة في قطاع غزة.
3. خيار الاحتواء والجزرة، قد تعمل الأطراف الإقليمية والدولية على احتواء المشهد في قطاع غزة، وتحييده عبر مزيد من الانفتاح والتسهيلات؛ التي قد تصل إلى إبرام صفقة تبادل مع حركة حماس، تسعى إلى تحييد قطاع غزة عن ما يمكن أن يجري في باقي الأراضي الفلسطينية، حينها قد تكتفي حركة حماس بالمسيرات الشعبية السلمية داخل المدن، وفي التحريض عبر وسائل الإعلام، مع حرصها على تصدر خلايا الحركة المشهد في الضفة الغربية في المرحلة المقبلة.
الخلاصة؛ يحكم المحدد الميداني مسار الأحداث في الحالة الفلسطينية، إذ يخشى كاتب المقالة تبني إسرائيل خيار تصدير أزمتها الداخلية؛ المتمثلة في حجم المعارضة المتزايدة داخل إسرائيل ضد الحكومة الإسرائيلية الفاشية، والمعبر عنها في المسيرات والتظاهرات الكبيرة في تل أبيب، أو أن تتعزز القناعة لدى الحكومة الفاشية الإسرائيلية بأن سيناريو المواجهة مع قطاع غزة قد يحرف الأنظار عما يجري في الضفة الغربية، ما يمثل فرصة لدولة الاحتلال؛ وربما لأطراف من السلطة الفلسطينية، لاحتواء الحراك الثوري في الضفة الغربية، وهو ما يتقاطع مع ما كشفه موقع “أكسيوس” الأميركي، في الأول من فبراير/شباط 2023، من أن وزير الخارجية الأميركية؛ أنتوني بلينكن، "ضغط على الرئيس الفلسطيني؛ محمود عباس، من أجل قبول خطة أمنية أميركية؛ صاغها المنسق الأمني الأميركي الجنرال مايكل فنزل، تهدف إلى إعادة سيطرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على جنين ونابلس شمال الضفة الغربية المحتلة"، حسب الموقع الأميركي؛ رفضت السلطة الفلسطينية الخطة، ما يستوجب على الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة التفكير في خيارات أخرى؛ باستثناء الخيار العسكري في هذه المرحلة، ومن أهم هذه الخيارات؛ العمل على تعزيز خيار الصبر الاستراتيجي، مع ضرورة أن يكون لخيار المقاومة الشعبية مكانه في أولويات التفكير الاستراتيجي للفصائل الفلسطينية وغرفة العمليات المشتركة.