عاد الهدوء، صباح اليوم الأحد، إلى أغلب المدن التونسية التي شهدت احتجاجات ليلة أمس السبت، وشملت أغلب المحافظات التونسية، شمالا وجنوبا، وهي احتجاجات تتكرر لليلة الثالثة على التوالي، وتتوسع أكثر فأكثر من حيث المدن أو أعداد المحتجين.
وشهدت بعض هذه المدن مواجهات قوية بين المحتجين وقوات الأمن، وتم إطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وتم القبض على عدد منهم.
وأفاد المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني، في تصريح صحافي، بأن أغلب المحتجين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة، ومن بينهم حتى قاصرون عمرهم 12 سنة.
وبينما يعود السجال بين السياسيين التونسيين حول شكل هذه الاحتجاجات وتوقيتها الليلي ودوافعها، علما أنها ليست المرة الأولى التي يخرج فيها بعض التونسيين للاحتجاج على أوضاعهم الاجتماعية.
وقد رصد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أكثر من 7600 تحرك احتجاجي في تونس خلال عام 2020، على الرغم من قيود مكافحة فيروس كورونا، في مقابل 9091 خلال 2019، و9365 خلال 2018.
وشملت الاحتجاجات أغلب المحافظات التونسية، من بينها 1457 احتجاجاً في قفصة، و1255 في القيروان، و805 في سيدي بوزيد، و710 احتجاجات في العاصمة تونس.
وأكدت منسقة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمختصة في علم الاجتماع نجلاء عرفة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع الحالي والاحتجاجات الليلية تذكرنا بأواخر 2010 وبداية 2011، فالاحتقان الاجتماعي مرتفع، والوضعية الاقتصادية والاجتماعية صعبة، وهشاشة الوضع العام والضبابية السائدة في مثل هذه التحركات، وهو ما يفسر خروج شباب غير مؤطرين للتحرك ليلا".
وأوضحت عرفة أن "خروج الفئة العمرية من الشباب والقاصرين، الذين يجنح بعضهم أحيانا للعنف والتخريب، دليل على أن هذه الفئة مهمشة ومن دون إحاطة وخارجة عن السيطرة"، مشيرة إلى أنهم "كثيرا ما حذروا من انفلات هذه الفئات في أغلب الدراسات والتقارير بالمنتدى، لأنها نفس الفئة التي نجدها في الهجرة السرية، والتي شملت القاصرين بمرافقة ومن دون مرافقة، وفي عمليات السرقة والانتحار، يضاف إلى ذلك خروج قرابة 100 ألف منقطع عن الدراسة سنويا، وبالتالي فإن هذه الفئات هي نفسها التي نجدها اليوم في التحركات الليلية".
نجلاء عرفة: الوضع الحالي والاحتجاجات الليلية تذكرنا بأواخر 2010 وبداية 2011، فالاحتقان الاجتماعي مرتفع، والوضعية الاقتصادية والاجتماعية صعبة، وهشاشة الوضع العام والضبابية السائدة في مثل هذه التحركات، وهو ما يفسر خروج شباب غير مؤطرين للتحرك ليلا
وأشارت إلى أن "الوضع الصحي بسبب كورونا والقرارات الصادرة، والتي أجبرت المدارس والمعاهد على الركون للراحة، وجلّ التراكمات السابقة، سبب وراء الاحتجاجات العشوائية، ومنذ سنوات تم التحذير من ضعف الاعتناء بهذه الفئة، سواء من الدولة أو المجتمع أو الأسرة"، مضيفة أن "أغلب الأسر منكبة اليوم على القوت وعلى مجابهة غلاء المعيشة والقدرة الشرائية المتدهورة، وأهملت دورها في الاعتناء بهذه الفئة".
ولاحظت عرفة أن "أغلب المناطق التي خرجت منها التحركات الليلية هي مناطق مهمشة وترتفع فيها نسب البطالة، وتوجد فيها فئات عمالية هشة كبيرة، كعمال البناء والمقاهي وغيرهم، وأغلب هؤلاء من دون عمل حاليا بسبب الحجر الصحي الشامل"، مؤكدة أن "الهشاشة الاقتصادية وضعف إدارة الأزمة وراء هذا الاحتقان السائد، أما خروج أغلب التحركات في نفس الوقت فهذا يعود إلى آليات التواصل المعتمدة اليوم، حيث تعتمد أغلبها شبكات التواصل الاجتماعي للتحرك والتنسيق، والشباب كما نعرف ينساقون ويقتادون مع بعضهم البعض، فعندما يحصل تحرك في منطقة ما يسارع آخرون لتقليد ما يحصل"، مؤكدة أن "الأمر يحتاج إلى إدارة أزمة واستراتيجية مجتمعية واجتماعية والالتفات أكثر لهذه الفئة المهمشة في البلاد كي لا تنفلت الأمور".
وأكد الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، مهدي ثابت، أنه "بعيدا عن نظرية المؤامرة وأن هناك أطرافا سياسية بعينها هي التي تحرك الشارع حاليا، لأن هذا غير صحيح، ولا يوجد أي طرف سياسي قوي وبمقدروه تحريك الشارع، وما يفسر ما يحصل في الحقيقة هو عدة عوامل تضافرت وشكلت هذا الجو العام المحتقن، الذي يجعل المواطن يشعر أن هناك جهات سياسية تسعى لخدمة مصالحها ولا تهتم به، أضف إلى ذلك الوضع الصحي وقرارات الحجر الشامل، وكأنه لا يكفي أن الوضع سيئ ليحرم المواطن من الاسترزاق، وبالتالي كل هذه الأسباب دفعت للحراك الحاصل".
وبين ثابت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتجاج ليلا بدل الاحتجاج السلمي نهارا يعود إلى أن المحتجين ليست لهم مطالب واضحة، ولا من يقودهم ويؤطرهم، بل استغل الشباب والقاصرون المنفلتون الوضع العام واتخذوا الليل ستارا ليحتموا به لقيام بعضهم بعمليات تخريب وفوضى".
وتؤكد دراسة حول "البعد الاجتماعي في فهم ظاهرة التطرف العنيف"، صدرت في نوفمبر/ تشرين الأول 2020 عن منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وشملت عينة من الشباب (805 مستجوبين من الكبارية وسيدي حسين والمروج والمنازه)، وهي أحياء في العاصمة تونس، أن 71,3 بالمائة منهم يعتبرون أن المجتمع التونسي قائم على أسس غير صحيحة، و83,1% يعتبرون أنّه مجتمع لامساواة، و69,7% يعتقدون أنّ الدّولة لا تلبّي الحاجيات الأساسية، و41,95% أنّها لا تلبّي الحاجيات الصحيّة، و65,7% أنّها لا تلبّي الحاجيات التّربوية، و76,4% يعتبرون أنّ الطبقات الميسورة لا تكترث للطبقات المحرومة، ويعتقد 76,2% أن الدولة لا تكترث للمشاكل الحقيقية للنّاس، و70,1% يَرَوْن أنها تمارس العنف، ويرى 80,4% أنّ الدّولة لا تساعد الفقراء، ويعتقد 82,6% من الشبان المستجوبين أنّهم يعيشون في مجتمع غير منصف.