يبدو المشهد السياسي للمعارضة السورية اليوم معقداً إلى حد كبير، في انعكاس واضح لحالة استعصاء الحل السياسي للأزمة السورية. وتعصف حالة من التشظي والانقسام بما يعرف بـ"منصة القاهرة" بينما لا يبدو وضع باقي المكونات السياسية المعارضة أفضل، وعلى رأسها الهيئة العليا للتفاوض. وتبرز مساعٍ لعقد عدة مؤتمرات وإعادة ترتيب التحالف، ما قد يدفع إلى هيكلة الهيئة العليا للتفاوض، وبالتالي اللجنة الدستورية المعارضة من جديد.
وتتفاقم الخلافات داخل "منصة القاهرة"، على أساس الانقسام الذي ظهر عقب عقد 25 شخصية، من بينهم غالبية ممثلي الأمانة العامة لمؤتمر القاهرة الذي التأم منتصف العام 2015، لاجتماع في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تمخض عنه تشكيل لجنة سياسية مكونة من 8 شخصيات، تعمل حالياً على تشكيل مكاتب عمل لها. في المقابل غاب ممثلو "هيئة التنسيق الوطنية" رغم دعوتهم، إضافة إلى "تيار الغد" الذي يترأسه أحمد الجربا، ويمثله في المنصة أحمد شبيب، إضافة إلى منسق المنصة في هيئة التفاوض وممثل "شباب الحراك الثوري" فراس الخالدي. يومها وقع الخالدي وشبيب بياناً مشتركاً باسم "منصة القاهرة" إثر الاجتماع، وصلت في حينه نسخة منه لـ"العربي الجديد"، قالا فيه إن بعض المواقع الإعلامية تطرقت إلى عقد اجتماع افتراضي نسب "زوراً" إلى مؤتمر القاهرة. واعتبرا أنه لا يمثل مؤتمر القاهرة، ولم تتم مناقشته على مستوى المنصة، لكنه اجتماع دبّر في ليل، وكان الهدف منه ربما تجاوز بعض الاستحقاقات التنظيمية، ولحماية بعض الأشخاص ومآرب شخصية بحتة.
أعد قاسم الخطيب كتاباً لهيئة المفاوضات يطلب فيه استبدال فراس الخالدي بصالح نبواني
وأفاد مصدر معارض، طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن أمين سر لجنة متابعة مؤتمر القاهرة وعضو الهيئة العليا للتفاوض عن "منصة القاهرة" قاسم الخطيب، أعد كتاباً لهيئة المفاوضات يطلب فيه استبدال فراس الخالدي بصالح نبواني، أحد المشاركين باجتماع الـ25 شخصية الشهر الماضي والقيادي في تيار "قمح" الذي يترأسه هيثم مناع. مع العلم أن "تيار الغد" السوري فصل الخطيب من أمانته العامة العام الماضي، برغم نفيه انتمائه للتيار سابقاً، الأمر الذي أظهر وجود خلاف بينه وبين الجربا، أعاده الأول للخلاف حول آليات عمل الهيئة وما عرف بملف المستقلين.
وعلى أثر هذا التطور، أرسل الخالدي كتاباً آخر إلى هيئة التفاوض يطلب فيه استبدال الخطيب، وهو عضو "هيئة التفاوض" وعضو اللجنة الدستورية، وأن يحل مكانه نضال محمود الحسن عضواً في "الهيئة" وتليد صائب عضواً في اللجنة الدستورية. فما كان من هيئة التفاوض، برئاسة أنس العبدة، إلا أن أقرّت كتاب الخالدي، في وقت غاب عن الجلسة كل من "هيئة التنسيق الوطنية" و"منصة موسكو". وكان الطرفان علقا مشاركتهما في اجتماعات الهيئة منذ نحو عام، على خلفية خلاف حول ما عرف بمؤتمر المستقلين الذي عقد نهاية 2019، وهدف إلى ضم عدد من الشخصيات إلى كتلة المستقلين في "هيئة التفاوض"، الأمر الذي رفضه الائتلاف حينها.
ويبدو أن موافقة العبدة على كتاب الخالدي، أثارت حواراً ما بين "هيئة التنسيق" و"منصة موسكو" وعدد من مكونات مؤتمر القاهرة، حيث يتم العمل حالياً على إصدار بيان يبين مواقفهم من آخر التطورات، ويتوقع أن يصدر قريباً، بحسب المعلومات التي وصلت إلى "العربي الجديد".
واعتبر الخالدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لم يتم تغيير ممثلي المنصة (في الهيئة العليا للتفاوض)، بل إن (الخطيب) كان ممثل تيار الغد في المنصة، (وفصله) يستدعي استبداله في كل مكان محسوب لتيار الغد. وقاسم الخطيب ليس ممثلاً بشخصه، لكنه ممثل لتيار الغد، الذي هو مكون أساسي في منصة القاهرة، ولا يزال يدعم المنصة وجزءا أساسيا منها". وأضاف "دائماً وجود المكونات كلها أفضل، لكن الديمقراطية لا يتم تعطيلها بالمقاطعة أو بمحاولة سيطرة أو قرار مكون. وأظن أن هذه الممارسة ستعطي انطباعاً سيئاً على كل من يدعي أنه يدعم الديمقراطية ويحارب من أجل إحلال المؤسسات وعملها".
أعاد الخالدي عدم مشاركتهم في اجتماع ديسمبر لما سمّاه أموراً داخلية
وحول شرعية موافقة "هيئة التفاوض" على تغيير ممثلي "المنصة"، رأى الخالدي أن "شرعية قرارات الهيئة واضحة بنظام داخلي، والجميع توافق عليه. لذلك كل ما يتسق مع هذا النظام هو شرعي، وغير ذلك محاولة لمصادرة قرارات باقي المكونات". ونفى أن يكون الخطيب ليس ممثلاً لـ"تيار الغد"، قائلاً "لو كان ذلك صحيحاً لكان الطلب في استبداله مرفوضا من قبل الهيئة العليا للتفاوض". وأعاد الخالدي عدم مشاركتهم في الاجتماع الذي عقد بداية ديسمبر الماضي، لما سماه "أموراً داخلية"، معتبراً أن موقف "المنصة واضح".
وقال أحد أعضاء مؤتمر القاهرة، طلب عدم نشر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك مساعي جدية لعقد جولة جديدة من مؤتمر القاهرة، تعيد تجميع أكبر قدر ممكن من القوى السياسية الديمقراطية. ويدور منذ أشهر حوار مع الخارجية المصرية والعديد من القوى السياسية في هذا الإطار، في وقت يتم تناقل معلومات غير رسمية عن عزم السعودية والإمارات، بدعم روسي أميركي، عقد اجتماع جديد في الرياض، يهدف إلى إعادة تشكيل الهيئة العليا للتفاوض، على أساس التساوي بعدد الممثلين بين المنصات، الأمر الذي سيمنع الائتلاف من السيطرة على القرار، وبالتالي إضعاف السطوة التركية على اللجنة، ويخرج الهيئة من حالة الشلل الذي تعيشه منذ نحو عام".
وبالتزامن مع هذه الأجواء المشحونة، تسعى عدة قوى لعقد مؤتمرات سياسية. فـ"هيئة التنسيق الوطنية" تحضر لعقد مؤتمر يضم عدداً من القوى تحت جبهة أطلق عليها اسم "جود"، ويتم العمل عليه منذ نحو عامين. وشكلت مجموعة من القوى والمستقلين المعارضين، أبرزهم هيثم مناع وخالد المحاميد واللواء محمد حاج علي، لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر تحت عنوان "المؤتمر السوري لاستعادة السيادة". إلا أنه يبدو أن القيود التي فرضتها الإجراءات الوقائية ضد فيروس كورونا على السفر، وعدم نضوج توافقات دولية وإقليمية، تؤجل عقد هذه المؤتمرات، التي يترقب الساعون إلى عقدها وجود استحقاقات أو خطوات سياسية جديدة في مسار حل الأزمة السورية.