خفض سن التعبئة العسكرية يفاقم الخلافات الأوكرانية الأميركية

15 ديسمبر 2024
جنود أوكرانيون في لفيف، 6 ديسمبر 2024 (ليس كاسيانوف/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تباينات سياسات التعبئة العسكرية: ترفض كييف خفض سن التعبئة من 25 إلى 18 عامًا رغم الضغوط الأمريكية، بسبب تداعيات اجتماعية وسياسية، ومخاوف من زيادة الغضب المجتمعي وتحديات ديمغرافية.

- تأثير عودة ترامب المحتملة: يترقب الجميع تأثير عودة ترامب على النزاع الأوكراني-الروسي، حيث قد يؤدي إلى تجميد النزاع أو تصعيد القتال، مع ضغوط محتملة لتحقيق تسوية.

- التحديات الديمغرافية والسياسية: تواجه أوكرانيا تراجعًا سكانيًا منذ التسعينيات، مما يعقد تعبئة الشباب ويؤثر على استقرارها الداخلي.

قبل أسابيع معدودة من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، تتجلى أكثر فأكثر التباينات في رؤى كييف وحلفائها الغربيين وعلى رأسهم واشنطن، لتسوية النزاع مع موسكو أو تجميده على خطوط التماس الحالية على الأقل. وفي وقت تطالب فيه أوكرانيا بضمانات أمنية جدية من قبيل نيل عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) مقابل تخليها عن المطالب بالاسترداد الفوري للأراضي الخارجة عن سيطرتها، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على أوكرانيا بغية خفض سن التعبئة العسكرية بين الذكور من 25 عاماً إلى 18 عاماً. ويقابل هذا المطلب بالرفض من الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، خصوصاً أن كييف سبق لها أن خفضت، في الربيع الماضي، سن التعبئة من 27 عاماً إلى 25 عاماً دون أن يُحدث ذلك فارقاً في أرض المعركة.

مواقف متباينة من خفض سن التعبئة

يقرّ مدير المركز الأوكراني للتحليل وإدارة السياسات، رسلان بورتنيك، بوجود تباينات بين مواقف واشنطن وكييف في مسألة خفض سن التعبئة وتبادلهما الاتهامات على خلفية تدهور الوضع على الجبهات، معتبراً في الوقت نفسه أن استجابة السلطات الأوكرانية لمثل هذه الضغوط ستترجم حتماً إلى حالة من الغضب المجتمعي في البلاد. ويقول بورتنيك في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك خلافات في مسألة سن التعبئة"، مضيفاً أن "واشنطن وكييف تتبادلان الاتهامات، إذ يحض المسؤولون الأميركيون أوكرانيا، صراحة تارة أو بالتلميح تارة أخرى، على إعادة النظر في المقاربة حيال التعبئة، وكأن واشنطن تضع على عاتق كييف وقيادتها المسؤولية عن الفشل في الحرب وتبرئ نفسها من التأخر في تسليم إمدادات الأسلحة وتبرر نفسها أمام الرأي العام الغربي".


رسلان بورتنيك: إرسال الشباب إلى الجبهة سيزيد من غضب المجتمع حيال السلطة

 

وينبّه بورتنيك من العواقب الوخيمة لقبول خفض سن التعبئة العسكرية، موضحاً أن "الغرب يسعى لحض الحكومة الأوكرانية على استثمار الموارد البشرية لزيادة الضغط العسكري على روسيا واستنزافها وإلحاق هزائم ـ ولو محلية ـ بها". إلا أن إرسال الشباب إلى الجبهة، وفق بورتنيك "سيزيد من غضب المجتمع الأوكرانية حيال السلطة، لا سيما بين جيل الشباب الذي شكل النواة الصلبة من ناخبي زيلينسكي في عام 2019، وسيكون بمثابة الإقرار بالفشل في سير المعارك والدخول في خلاف مع القسم الأكبر من المجتمع الذي يعارض تجنيد الشباب".

ومن المؤشرات التي تؤكد إرهاق المجتمع الأوكراني والمقاتلين على الجبهة من الحرب، رفع النيابة الأوكرانية 96 ألف دعوى بحق عسكريين غادروا مواقعهم من دون إذن مسبق منذ عام 2022، وفق ما ذكرته وكالة بلومبيرغ الأميركية في السادس من ديسمبر/كانون الأول الحالي، مشيرة إلى أن أغلبية هذه القضايا رفعت هذا العام. ونقلت "بلومبيرغ" عن مسؤول عسكري أوكراني رفض الكشف عن هويته، قوله إن الجيش الأوكراني أكثر عرضة لحالات مغادرة الجنود الذين لا يخافون من التداعيات أو الحديث ضد قادتهم مقارنة مع الجيش الروسي صاحب درجة أعلى من الصرامة بحق العسكريين، ويدفع لهم أجوراً أعلى تساعد موسكو في الحفاظ عليهم.

وكان فاليري زالوجني، السفير الأوكراني لدى بريطانيا، والقائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية، قد كشف هو الآخر في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنه عارض خفض سن التعبئة حتى إلى 25 عاماً، قائلاً خلال لقاء مع طلاب أوكرانيين في لندن، إنه "يجب الحفاظ على الفئة العمرية بين 18 و25 عاماً بأقصى درجة ممكنة، لذلك عندما شغلتُ منصب القائد العام، عارضت دوماً خفض سن التعبئة إلى ما دون 25 عاماً، لأننا نحتاج إلى أوكرانيا ما بعد 20 وبعد 30 عاماً".

ترقب تنصيب ترامب

يجزم بورتنيك بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض لن تؤدي إلى وقف أعمال القتال تلقائياً، قائلاً إن "ترقب تنصيب ترامب أصبح في حد ذاته حتى قبل إتمامه يؤثر على سير الحرب، إذ بات الترقب يخيم على تحركات جميع الأطراف"، وباعتقاده فإن "وتيرة النزاع قد تتراجع أثناء عقد المفاوضات المرتقبة، ثم ستعتمد الأمور على مدى نجاحها". ويرسم في هذا السياق بضعة سيناريوهات لمسار المواجهة، بينها "السيناريو الأول وهو نجاح ترامب في إقناع روسيا وأوكرانيا بتجميد النزاع من دون إنهاء الصراع أو التوقيع على اتفاقية سلام، وإلا فسيمارس ضغوطاً على أوكرانيا عبر تقليص الدعم وعلى روسيا عبر تشديد العقوبات". ويوضح أنه "إذا اتفق مع روسيا من دون الاتفاق مع أوكرانيا، فقد يؤدي ذلك إلى تكثيف العمليات القتالية الروسية لفرض رؤيتها للتسوية، فيما إذا اتفق مع أوكرانيا من دون روسيا، فسيتم تشديد العقوبات على روسيا وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، ما سيؤدي أيضاً إلى تصعيد القتال حتى تتشكل ظروف مغايرة للمفاوضات".


قسطنطين سكوركين: عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل لا تضمن تجميداً للحرب

وعن سن التعبئة، يعتبر قسطنطين سكوركين، الباحث المختص في الشؤون الأوكرانية المتعاون مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن رفض أوكرانيا خفض سن التعبئة يعود إلى دوافع سياسية مثل تجنب إثارة الغضب المجتمعي، وأخرى ديمغرافية في ظل تراجع عدد السكان الذي تعانيه أوكرانيا حتى من قبل بدء الاجتياح الروسي في عام 2022. ويقول سكوركين في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هذه القضية تحولت إلى مسألة شائكة في العلاقات بين كييف وواشنطن في الفترة الأخيرة، إذ لا تريد كييف الإقدام على تعبئة الشباب بين الـ18 والـ25 من العمر التي يحظرها القانون بنسخته الحالية، إدراكاً منها أن مثل هذا القرار سيثير حالة من الغضب في المجتمع الأوكراني بعد زيادة حالة الإرهاق من الحرب والخسائر".

وإلى جانب العوامل السياسية والاجتماعية، يوضح أن هناك أسباباً ديمغرافية موضوعية لذلك، مضيفاً أن "أوكرانيا تعاني منذ تسعينيات القرن الماضي، تراجعاً لعدد السكان، وجيل الشباب من مواليد أعوام 1999 ـ 2006 قليل العدد"، كما أن "مقتل حتى نسبة قليلة منهم قد ينعكس بصورة كارثية على مستقبل الأمة". لذلك، وفق سكوركين "يدافع زيلينسكي بثبات عن موقفه أمام الولايات المتحدة التي تعتبر أن أوكرانيا لا تجند ولا تدرب عدداً كافياً من الأفراد لتعويض الخسائر في ساحة المعركة".

ويجزم بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل لا تضمن تجميداً للحرب، قائلاً إن "ترامب أشهر مراراً عزمه إنهاء الحرب في أوكرانيا في أسرع وقت مع تجلي ملامح صفقة تجميد النزاع على خطوط التماس الحالية التي قد يقترحها على نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بما يشبه سيناريو الكوريتين". ويستدرك أن "هذا العرض قد يقابل بالرفض، لأن الكرملين يرى أن كفة الميزان على الأرض باتت تميل لصالحه، فيما يأمل فريق زيلينسكي أن يضطر ترامب في حال رفض بوتين مقترحاته، إلى مواصلة أو حتى تعزيز الدعم لأوكرانيا حتى لا يظهر نفسه حاكماً ضعيفاً في بداية ولايته". 

ولعل هذا الغموض حول تأثير عودة ترامب إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، يزيد من حذر موسكو في تفاؤلها من وقف الحرب في بدايات عهده، إذ اكتفى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في حوار أجراه معه الإعلامي الأميركي المحافظ المقرب من ترامب، تاكر كارلسون، في وقت سابق من الشهر الحالي، بتجديد تمسك موسكو بشرط حياد كييف واستعدادها لخوض مفاوضات على المبادئ التي تم الاتفاق عليها في إسطنبول، نهاية مارس/آذار 2022.  و"إعلان إسطنبول" كان اتفاقاً أولياً بين موسكو وكييف وضع عناوين عريضة لاتفاق سياسي ينهي الحرب، لم يتم استكماله في حينها، بسبب ارتكاب القوات الروسية مجزرة بوتشا وفق ما برر المسؤولون الأوكرانيون آنذاك، في مقابل تذرع موسكو بأن واشنطن حالت دون مواصلة المفاوضات. وفي ذلك الإعلان، وافق الطرفان على "مبادئ الاتفاق المستقبلي" الذي تضمن عناوين عريضة من ضمنها التزامات بشأن وضع أوكرانيا المحايد وغير المنحاز ورفضها نشر أسلحة أجنبية، بما في ذلك الأسلحة النووية.

 

المساهمون