خطوات بايدن المسرحية تعمّق مأزقه في حرب غزة

11 مارس 2024
حديث بايدن المبهم عن "خطوط حمر" ينسجم مع حساباته الانتخابية (Getty)
+ الخط -

سئل الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال مقابلة مع قناة "إم إس إن بي سي" يوم السبت، عمّا إذا كان هناك "خطّ أحمر" يجب على إسرائيل ألا تتجاوزه في هجومها المتوقع على رفح. فقال: "هذا خطّ أحمر"، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك قائلاً: "لن أتخلى عن إسرائيل أبداً... لا خط أحمر أريد من خلاله وقف شحنات الأسلحة بالكامل"، ثم عاد ليستدرك فيقول: "هناك خطوط حمر.. فمن غير الممكن أن يموت 30 ألف فلسطيني آخرون". 

بجوابه المبهم، بدا بايدن يلوّح بوقف جزء من الدعم المالي أو السلاح الخفيف وليس النوعي للاحتلال الإسرائيلي، لو دخلت قواته إلى رفح. لكن في ضوء تجارب سابقة لا يبدو تحذيره جدياً بقدر ما جاء تهويلاً، استجابة لحساباته الانتخابية، وللضغوط المتزايدة في صفوف الديمقراطيين في الكونغرس. لا سيما أن هذا التلويح يأتي في سياق إجراءات اتخذتها الإدارة في الفترة الأخيرة وغلب عليها الطابع المسرحي غير الجدي، وفي أحسن الأحوال الطابع الرمزي، وأثارت المزيد من الانتقادات وتسجيل المآخذ على تراجعات الرئيس بايدن أمام انفلات إسرائيل في حرب تجويع غزة بعد حرب الإبادة، التي لم تنته بكل حال.

شمل ذلك خطوة إنزال المعونات من الجوّ، ثم قرار بناء الرصيف البحري، الذي لن ينتهي العمل منه قبل شهرين. وقبله ترتيب زيارة للوزير بني غانتس إلى واشنطن التي جرى تصويرها وكأنها التفاف على نتنياهو. كما يجري الترويج لقرار في مجلس الأمن الدولي يقضي بوقف نار مؤقت إذا فشلت مفاوضات القاهرة، "تمتنع" فيه واشنطن عن التصويت وبالتالي عن استخدام حق النقض (فيتو)، علّ ذلك يحمل الحكومة الإسرائيلية على صرف النظر عن عملية رفح.

يحذّر بايدن مجدداً من "خط أحمر" يتجاوزه نتنياهو من دون كلفة، سواء في تفشيله لـمفاوضات القاهرة والحيلولة دون التوصل إلى هدنة قبل شهر رمضان أو في إصراره على معركة رفح، فضلاً عن توسيعه التدريجي للحرب على الحدود مع لبنان. وتذكيراً، زعمت الإدارة الأميركية أنها اشترطت على إسرائيل تزويدها مسبقاً بخطة تكون "قابلة للتنفيذ وضامنة لسلامة المدنيين قبل الهجوم على رفح"، لكنها لم تتسلم الخطة حتى الآن كما قالت الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي. غاب هذا الشرط في حديث الرئيس، السبت، مع أنه في النهاية ليس أكثر من شرط صوري.  

ورطة بايدن

وسط هذا المشهد، بدا الرئيس بايدن يعمق ورطته. لا الحلول النصفية، المذكورة أعلاه، قادرة على إعفائه من التداعيات الانتخابية لتدهور الوضع، ولا هو قادر على مواصلة التغطية لفظائع الحرب. المطلوب منه عند هذا المفصل القيام بخطوات "فارقة" على الأرض، لا الاكتفاء بالتحذيرات وتسجيل "وجهة نظر"، كما يقول آرون دافيد ميلر الخبير والباحث في مؤسسة كارنيغي للدراسات والأبحاث في واشنطن.

مثل هذا الكلام تردد وما زال على لسان العديد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، وخبيرين (ريتشارد هاس وأيان برامر)، ودبلوماسيين سابقين عملوا في عواصم المنطقة (جيمس جيفري، مارتن أنديك)، منهم من خاطب الرئيس بايدن بلغة المناشدة، لتغيير نهج تعامله مع نتنياهو، من دون جدوى.

دخلت هذه السياسة على خط الانتخابات وبما قد يهدد بهزيمة الرئيس لو تفاقمت الحرب وبقي تعاطيه معها على حاله. ولوحظ في الأيام الأخيرة تنامي صدى خطاب نتنياهو عن ضرورة "تدمير حماس" في أوساط الجمهوريين في الكونغرس، الذين بدأوا برفع شعار "مواصلة الحرب حتى لو استُعيد الأسرى الإسرائيليون"، كما قال السيناتور لاندسي غراهام، الذي سبقه دونالد ترامب قبل أيام بالدعوة إلى ضرورة استكمال المهمة العسكرية في غزة.

في المقابل، يشدد الديمقراطيون على وجوب مسارعة البيت الأبيض في توظيف ورقة الدعم لإسرائيل بغية فرض وقف النار وبالتالي وقف "قتل الفلسطينيين"، خصوصا أن الرئيس صار لديه حيز أوسع نسبياً للتحرك في هذا الاتجاه، بعد الزخم الذي ناله من خطاب "حالة الاتحاد"، يوم الخميس الماضي، الذي قد يساعده في التصدي لخطاب مواصلة الحرب، وربما على استعادة شريحة واسعة من قواعد حزبه كانت قد أعلنت مقاطعتها له في انتخابات التصفية الحزبية، احتجاجاً على سياسته في غزة، بالأخص أصوات العرب والمسلمين في ولاية ميشغان الهامة والتي لا غنى له عنها في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني. 

ولا مرة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول ذكر المسؤولون الأميركيون كلمة احتلال. ما طغى في الخطاب الرسمي كان التأكيد على "حق" إسرائيل في الدفاع عن نفسها. الرئيس بايدن كان ولا يزال أسيراً لهذه المقاربة. وكلما طالت هذه الحال، زاد تحكم إسرائيل بمسار الحرب، وربما بمآل الانتخابات. وهذا ما سبق وحذر منه السيناتور بيرني ساندرز وآخرون.   

المساهمون