جاء الخطاب السياسي والدعائي للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مع بداية شهر رمضان (بدأ في 2 إبريل/نيسان الحالي) ليستكمل الخطاب الذي خاضت فيه هذه الفصائل مواجهتها الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي في شهر مايو/أيار من العام الماضي دفاعاً عن القدس المحتلة والمسجد الأقصى.
وصدّرت هذه الفصائل، وتحديداً حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، خطاباً ذا طابع تصعيدي يحمل التلويح بالقوة العسكرية في وجه الاعتداءات الإسرائيلية على القدس المحتلة والأقصى، ورفض فرض وقائع جديدة في الحرم المقدسي تعزز الوجود الإسرائيلي فيه.
استعداد الفصائل الفلسطينية للقتال
ولم تمانع الفصائل الفلسطينية من الدخول في مواجهة مسلحة من أجل التصدي للمخططات الإسرائيلية التي سعت الجماعات اليهودية لتنفيذها في الأقصى، غير أن الخطاب والتهديدات التي أعلن عنها ونقلت للوسطاء جعلت المشهد يبدو مختلفاً.
ويعكس الخطاب السياسي والدعائي لفصائل غزة استفادة واضحة من خصائص القوة العسكرية التي باتت تمتلكها، والتي أضحت أكثر تطوراً من السابق، مقارنة مع ما كان قبل 10 سنوات على أقل تقدير، وهو ما قد يمكّنها من تحقيق نجاحات تكتيكية من دون قتال.
وتبدو المقاومة راغبة في توظيف سلاحها في المشهد الفلسطيني عموماً، خلال الفترة المقبلة، من دون أن تدخل في حرب جديدة تنعكس سلباً على الواقع المعيشي في القطاع، وبما يسمح لها بإشعال الجبهات الفلسطينية الأخرى.
يعكس الخطاب السياسي والدعائي لفصائل غزة استفادة واضحة من خصائص القوة العسكرية التي باتت تمتلكها
مع العلم أن الاحتلال يضغط معيشياً على أهالي غزة، وهو ما بدا أمس بإعلانه إغلاق معبر "بيت حانون" (إيرز)، شمالي قطاع غزة، أمام حركة العمال والتجار الفلسطينيين حتى إشعار آخر، رداً على إطلاق صواريخ من القطاع.
ونقل موقع صحيفة "معاريف"، عن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غسان عليان، قوله إن المعبر سيغلق ابتداء من اليوم الأحد، مشيراً إلى أن هذا القرار سيتم إعادة تقييمه مستقبلاً بناء على تقدير المؤسسة الأمنية في تل أبيب.
وإلى جانب ما جرى أخيراً، يمكن الإشارة إلى ما حصل خلال مواجهة العام الماضي، حينما كان الخطاب العسكري للمقاومة يوجه بشقين؛ الأول إلى المستوطنين وجبهة الاحتلال الداخلية، والآخر إلى الفلسطينيين، وهو ما تحقق في الأحداث الأخيرة.
وحول ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة حسام الدجني، إن هناك تطوراً واضحاً وملموساً في الخطاب السياسي والدعائي للمقاومة في الفترة الأخيرة.
ويوضح الدجني، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن المقاومة لوّحت باستخدام القوة العسكرية من دون أن تضطر لاستخدامها أو أن تدخل في مواجهة جديدة، فيما تمكنت من تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع انعكست باحتواء المشهد وتدخّل الوسطاء.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن هذا الخطاب الدعائي والاستفادة من القوة العسكرية، يعكس حالة النضج على الصعيدين السياسي والإعلامي للمقاومة خلال الفترة، ويؤكد أنها باتت أمام مراحل جديدة من العمل خلال الفترة المقبلة.
ويرى أن امتلاك المقاومة للقوة وتطورها عسكرياً على صعيد قدراتها يجعلها تمتلك رؤية أكثر وينعكس إيجاباً على خطابها ضمن المواجهات أو حتى أوقات التصعيد، وهو ما كان واضحاً في الأحداث الأخيرة في الأقصى وفي المواجهة السابقة.
تطور خطاب المقاومة الفلسطينية
ويقر الدجني بأن الخطاب الدعائي والسياسي للمقاومة أصبح أفضل حالياً عما كان علياً سابقاً، حيث أصبح هناك تركيز على المفردات الدولية والمفردات المتعلقة بالقانون الدولي والإنساني وتصدير أخلاق المقاومة في العمل ضد الاحتلال.
وخلال الأسابيع الأخيرة، لوحت المقاومة في أكثر من مرة بنسف التهدئة والدخول في مواجهة عسكرية، ونقلت رسائل ذات طابع حربي للاحتلال نتج عنها عشرات الاتصالات والمباحثات لاحتواء المشهد وضبط الأوضاع، من دون الوصول إلى مواجهة جديدة.
وفي سياق موازٍ، يعتبر الباحث في الشأن الدعائي حيدر المصدر، أن البارز في هذه الجولة كان الخطاب السياسي أكثر من الخطاب العسكري، الذي لم يكن حاضراً بحكم أن الأمور لم تتطور لمرحلة المواجهة المسلحة.
المقاومة لوّحت باستخدام القوة من دون أن تضطر لاستخدامها
ويقول المصدر لـ "العربي الجديد" إن الخطاب السياسي عبر عنه رأسا الهرم في حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عبر إسماعيل هنية وزياد النخالة، ولم يغادرا فيه مربع التهديد والتحذير للاحتلال بشأن الأحداث في القدس والأقصى.
ويبين المصدر أنّ المختلف في الخطاب السياسي هذه المرة هو أنه كان ذا طابع وطني جمعي تمثيلي للجميع، وهو ما جعل الفصائل تطور خطابها وتنتقل فيه من حالة حزبية إلى حالة أكثر وطنية تشمل الجميع.
ووفقاً له، فإن حالة التأثير في الخطاب السياسي والدعائي ستكون محدودة جداً على الرغم من حالة التطور، في ظل وجود لاعبين خارجيين في المشهد، منهم الاحتلال الإسرائيلي ودول إقليمية والغرب، إلّا أنه سيؤدي إلى تغييرات في المستقبل.