خشية من توغل "هيئة تحرير الشام" بشمال حلب: ذريعة لاستهداف المدنيين

17 أكتوبر 2022
يسود التوجس بين المدنيين في عفرين (العربي الجديد)
+ الخط -

"لن نقبل بدخول هيئة تحرير الشام إلى مدينة أعزاز (في شمال حلب) تحت أي ذريعة"، هكذا قال محمود الحلبي الذي خرج مع عدد كبير من ناشطي المدينة، يوم الجمعة الماضي، في تظاهرات منددة باجتياح "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) منطقة عفرين شمال غربي حلب، وتهديدها بقية المناطق الخاضعة لفصائل المعارضة السورية.

وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "لا فرق بين الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني) وبين بشار الأسد، من حيث الاستبداد والبغي. حررنا مدينتنا بالدماء من قوات الأسد، وسندافع عنها أمام بغي هيئة تحرير الشام". ويختصر هذا التصريح مخاوف الأهالي من توغل "تحرير الشام" في شمال حلب.

وشهدت مدن وبلدات في ريف حلب التي تسيطر عليها فصائل "الجيش الوطني السوري" أمس الأحد، تظاهرات وقطع طرقات رفضاً لدخول أرتال من "هيئة تحرير الشام" إليها.

ونظمت في أكثر من 15 منطقة أبرزها مارع وأعزاز وصوران وجرابلس تظاهرات وإغلاق طرقات رئيسية رفضاً لمرور رتل "هيئة تحرير الشام" في هذه المناطق بحسب ما نص عليه اتفاق الصلح الأخير بين الهيئة والفصائل الداعمة لها من "الجيش الوطني" من جهة و"الفيلق الثالث" من جهة أخرى

وكانت "هيئة تحرير الشام" استغلت اقتتالاً داخلياً بين فصائل المعارضة الأسبوع الماضي، وتقدمت من مناطق نفوذها في شمال غرب سورية، واستولت على منطقة عفرين، قبل أن تبرم اتفاقاً مع فصائل المعارضة مساء يوم الجمعة الماضي، جعل منها القوة الضاربة في كل الشمال السوري.

وحاولت "هيئة تحرير الشام" التوغل أكثر في الشمال السوري على حساب فصائل المعارضة، إلا أنها جوبهت بمقاومة في ريف أعزاز، كبرى مدن الشمال السوري ومقر المؤسسات السياسية التابعة لـ"الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة".

يخشى المدنيون في الشمال السوري من أن يشكل وجود "تحرير الشام" فيه ذريعة للروس والنظام لقتل المدنيين

خشية من استغلال الروس للتطورات في الشمال السوري

ويخشى المدنيون في الشمال السوري، من سكان محليين ومهجرين ونازحين، من أن يشكل وجود "هيئة تحرير الشام"، المصنفة في خانة التنظيمات الإرهابية، فيه، "باباً واسعاً وذريعة للروس والنظام لقتل المدنيين". وهو ما تحدث عنه أبو علي الشامي، النازح من ريف دمشق إلى مدينة أعزاز.

وقال لـ"العربي الجديد": "اليوم (أمس الأحد) قصف الطيران الروسي مناطق في ريف عفرين، وربما هذه هي البداية. الهيئة سلّمت أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها في السابق للنظام، وربما تسلّم الشمال كله لو سيطرت عليه".

وقصف الطيران الروسي، صباح أمس الأحد، معسكراً لفصيل "صقور الشمال" التابع للمعارضة قرب بلدة قطمة الواقعة بين مدينتي أعزاز وعفرين شمالي حلب، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من عناصر هذا الفصيل. كما استهدفت إحدى الغارات محيط منطقة كفر جنة، فيما تعرض غربي مدينة أعزاز لثلاث غارات، وفق مصادر محلية.

وجاء القصف بعد يوم واحد من الاتفاق الذي عُقد بين "هيئة تحرير الشام" و"الفيلق الثالث" التابع للجيش الوطني المعارض، والذي نص على إنهاء القتال بين الطرفين، وسحب المظاهر العسكرية المسلحة، وعودة الفصائل كافة إلى أماكن تمركزها السابقة.

كما نص على وضع منطقتي "درع الفرات" (ريف حلب الشمالي) و"غصن الزيتون" (منطقة عفرين) تحت إدارة عسكرية موحدة بإشراف "هيئة تحرير الشام"، وحصول الأخيرة على عائدات مالية من جميع المعابر مع مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وأبرزها معبر "الحمران" بريف مدينة جرابلس شرقي محافظة حلب، والمعابر الأخرى مع الجانب التركي، حسب ما أكد مصدر عسكري من "الفيلق الثالث"، لـ"العربي الجديد".

من جانبه، رأى الناشط السياسي معتز ناصر، وهو من أبناء مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "صمود الفيلق الثالث أمام هيئة تحرير الشام في منطقة كفر جنة على أبواب مدينة أعزاز، كان السبب وراء الاتفاق الأخير" الذي عُقد بين "الهيئة" و"الفيلق الثالث". لكن ناصر أضاف أنّ "الاتفاق جاء مبهماً، وهو يحتاج إلى شرح وتفصيل".

ارتباك في عفرين مع تبدل الوضع الميداني

وفي مدينة عفرين، انقسمت آراء الناس من سكان محليين غالبيتهم من الأكراد، ومن مهجرين ونازحين، حيال تبدل الوضع الميداني في المنطقة التي لطالما عانت من تجاوزات فصائل المعارضة السورية وانتهاكاتها، والتي وصلت إلى حد الاستيلاء على الممتلكات والاعتقال خارج القانون، منذ مطلع عام 2018، حين سيطرت هذه الفصائل على المنطقة بدعم من الجيش التركي بعد طرد الوحدات الكردية منها.

وقال أحد المدنيين، والذي رفض الكشف عنه اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لم تتضح الصورة بعد في عفرين، إذ لم نعرف هل ستبقى الهيئة فيها أم ستنسحب". وأضاف: "نأمل أن تتوقف التجاوزات والانتهاكات وأن يُنصف المظلومون سواء من قبل الهيئة أو غيرها. سكان عفرين مغلوب على أمرهم وكل هذه الفصائل هي سلطات أمر واقع لا تمثل السوريين".

وتابع "بعض الفصائل المعارضة اعتبرت منطقة عفرين غنيمة لها، فاعتدت على الناس وقاسمتهم أرزاقهم، وخاصة محصول الزيتون، وهناك من استولى على منازل المهجرين في المدينة وريفها. كانت التهم جاهزة لاستهداف أي شخص في عفرين وهي التعاون أو الانتساب للوحدات الكردية، ونأمل أن تتوقف الانتهاكات على الأقل".

من جهته، قال رديف مصطفى، وهو نائب رئيس "رابطة الأكراد السوريين المستقلين"، والذي كان في عفرين عند هجوم "هيئة تحرير الشام" عليها قبل أيام، إن "الأهالي في المنطقة خائفون ومرتبكون".

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن "أهالي عفرين خاضوا تجارب قاسية على مدى عقد؛ أولاً تجربة المجموعات التابعة للعمال الكردستاني (في إشارة لوحدات حماية الشعب الكردية)، وثانياً تجربة الفصائل المعارضة التي لم تكن ناجحة بسبب الانتهاكات والفوضى الأمنية وتعدد السلطات التنفيذية".

وتابع أن "دخول النصرة (هيئة تحرير الشام) زاد الأوضاع سوءاً في المنطقة"، مشيراً إلى أن "هناك خوفاً لدى المدنيين من بقاء هيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب في عفرين، فهذا يعطي مبرراً إضافياً للروس والنظام لتحويل المنطقة من منطقة وقف إطلاق نار إلى منطقة خفض تصعيد، وشن عمليات عسكرية، وربما قصف كفر جنة اليوم (أمس الأحد) هو مؤشر واضح على ذلك".

وأشار إلى أنه "ربما ظاهر الأمور يوحي بأن الوضع الأمني سيتحسن، وهذا يؤدي إلى خفض مستوى الانتهاكات بحق سكان عفرين، ولكن هذا مجرد وهم، لأنّ تحسّن الوضع الأمني سيكون على حساب الحريات، ما يعني عدم توفر أمان حقيقي".

وتابع: "حجم الانتهاكات في مناطق سيطرة النصرة، فعلياً، أكبر منه في منطقة سيطرة فصائل المعارضة السورية، وهيئة تحرير الشام لها تاريخ مروع على هذا الصعيد، وبالتالي سيكون لوجود الهيئة في عفرين انعكاسات سلبية آنية واستراتيجية خطيرة، والمطلوب هو الخروج الفوري للهيئة من المنطقة، والبدء ببرنامج إصلاح فوري لخدمة الأهالي والنازحين".

لدى هيئة تحرير الشام أجهزة أمنية لا تقل قسوة عن أجهزة النظام

رفض لـ"هيئة تحرير الشام" في الباب

وكانت الأزمة في الشمال السوري بدأت قبل نحو أسبوع، إثر مقتل الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم في مدينة الباب، أبرز مدن منطقة درع الفرات في ريف حلب الشمالي، حيث اتُهم فصيل "فرقة الحمزة"، وهو حليف "هيئة تحرير الشام"، بالوقوف وراء عملية الاغتيال، لتندلع بعد ذلك اشتباكات بين هذا الفصيل وفصائل أخرى ضمن "الفيلق الثالث"، استغلتها "هيئة تحرير الشام" للدخول على الخط وتوسيع مناطق سيطرتها.

وأكدت مصادر محلية في مدينة الباب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "غالبية الناس في المدينة وريفها لا ترحب بوجود هيئة تحرير الشام، على الرغم من الانفلات الأمني وخلافات الفصائل، وعدم وجود قوانين تردع هذه الأخيرة".

وأضافت أن "وجود الهيئة يعني أن الباب باتت هدفاً للطيران الروسي، فضلاً عن التضييق وفرض القوانين المتشددة بحق الناس"، مشيرة إلى أن "لدى هيئة تحرير الشام أجهزة أمنية لا تقل قسوة عن أجهزة النظام".

المساهمون