في حمأة تنافس ساسة غربيين على إظهار مواقف متشددة، استناداً لأحادية سردية الصهيونية-الدينية، بتجنيد وسائل الإعلام والصحافة، نسوا أن الرواية الفلسطينية أبعد من 7 أكتوبر.
فالتيقّن والتحقق من الأخبار الزائفة والمضللة ذهبا مع رياح إظهار مكنونات العقل الباطني لبعض الغرب، بعنصرية واستخفاف بقيمة وأرواح مئات آلاف الضحايا في غزة، شهداء وجرحى ومشردين من بيوتهم التي يُدمرها الاحتلال الإسرائيلي ومقابرهم التي ينبشها، بتنافس وباحتفائية لم نشهدها سوى عند مرضى العسكريتارية الفاشية.
في عرف هؤلاء، وبينهم سيد البيت الأبيض جو بايدن، وأركان حكمه، يصبح الإنسان "معادياً للسامية" إذا تحدث عن إرث العصابات الصهيونية من عام 1948، المُطبّق في غزة والضفة الغربية والقدس، أو عن مقاومة الفلسطيني لمحتليه، فتلك حكر على من "يشبهوننا".
عليه، يُعتقل شباب من أصل فلسطيني وعربي، ولدوا في الغرب، بتهمة "الإرهاب"، بعد تعبير محبط وقاس من مواقف ساسة بلادهم من الضحايا والمقاومة.
وليست مفارقة وحيدة أن تقيم واشنطن وباريس وكوبنهاغن وبرلين، ما يشبه محاكم تفتيش، ومكارثية تقصي أكاديميين وصحافيين وغيرهم، فقد سارعت في الدوس على مبدأ قانوني يقول إن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". ودانت عبر تصريحاتها المشتبه فيهم أخيراً، حيث بدا أن ذاك المبدأ يسري فقط على "مواطني الدرجة الأولى".
وفي بلاد الحريات يجري حظر ومنع مواقع وشبكات إخبارية تتناول مثلاً مقاومة غزة، بينما بكل تفاخر يسمح بعرض تلك التي من أوكرانيا.
وتساند كوبنهاغن وبرلين إلى لندن فواشنطن، جرائم حرب وإبادة، وتحارب معارضيها بشعارات أكثر ضحالة، مثل "الشباب يتحولون إلى الراديكالية"، لتبرير خضوع أجهزتها الأمنية كتلامذة روض أطفال لمندوبي "الموساد".
فكيف لو طرح المرء سؤالاً: ماذا لو كانت "السامية" (المتخيلة طبعاً دوناً عن الساميين الآخرين) ترتكب جرائم حرب وإبادة؟ بالتأكيد سؤال سيثير الأجهزة الأمنية الغربية، حتى وإن أصبحت "معاداة السامية" عرضة لاستهزاء يهود غربيين، يرفضون جرائم الحرب والإبادة المرتكبة في غزة، بدعم من بايدن، وبتزلف ونفاق القائمة الطويلة من الدول.
فجرائم الحرب، وقتل الرضع والأطفال والنساء، والتنافس لإظهار فاشية في معاملة المُختَطفين من مراكز إيواء ومدارس الأمم المتحدة في غزة، لم تعد بالطبع قصصاً مجهولة. فكارثة النفاق في الغرب لا تساهم فقط بأن تنظّر عليه روسيا والصين حين تستخدمان القوة لتنفيذ مشاريعهما، بل خلقه أسساً جديدة تبيح استعادة الهمجية والبربرية، والتي وُصفت بها قبائل جرمانية وقبائل العصور الوسطى الأوروبية.
وتلك وصفة لا مثيل لها لتعجيل "الميول الراديكالية"، عند ملايين ممن يراقبون سقوط الغرب وقيمه وأخلاقياته على حواف التدمير الهائل في غزة.