لم يوقّع الرئيس التونسي، قيس سعيّد، إلى اليوم على الحركة القضائية (التعيينات) التي سيتم بمقتضاها إعادة القضاة الذين كان عزلهم ظلماً منذ أربعة أشهر.
في الأول من يونيو/حزيران الماضي، منح الرئيس التونسي لنفسه حق إعفاء القضاة، من دون رقيب ولا حسيب، لأن هؤلاء، بحسب ما أكدوه في تصريحاتهم المختلفة، رفضوا الانصياع لمحاولات تطويعهم واستخدامهم في ضرب خصوم سياسيين. ولكن المحكمة الإدارية أنصفت أغلبهم وطالبت بإعادتهم إلى مناصبهم السابقة، في حكم باتّ ونهائي، وهو طبعاً ما يرفضه الرئيس، بدليل أنه لم يوقّع على الحركة القضائيّة إلى الآن، واكتفى بنشر أجزاء منها.
لا يكترث سعيّد لأي قرار أو رأي يعارض مساره؛ قضائياً أو سياسياً، داخلياً أو خارجياً، يمضي قدُماً في مشروع سطّره بنفسه ولا يرى خلافه شيئاً. يتقدم بسرعة لفرض أمر واقع على الجميع، يرى كثيرون أنه نجح في فرضه إلى حد الآن، خصوصاً مع الجهات الخارجية التي يبدو أنها سلمت فعلاً للأمر الواقع، بحكم تغيّر المعطيات الدولية وحاجتها إلى استقرار سريع في المنطقة.
هذا الأسبوع، سيسافر وفد تونسي للاجتماع مع مسؤولين في صندوق النقد الدولي لمناقشة قرض جديد، تعلّق عليه حكومة سعيّد آمالاً مصيرية لإنقاذها من وضعها المتردي وتصاعد الاحتجاجات ضدها. بينما يقول الخبراء إنه لن يغيّر عميقاً في حال البلاد، وسيكون مجرد مسكّن لفترة زمنية قد لا تتجاوز بضعة أشهر.
ولكن هذا ما يريده سعيّد بالفعل وما يحتاجه، جرعة أوكسجين لمدة أشهر، ريثما تهدأ البلاد قليلاً وتتم الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وتعبر الحكومة منطقة الزوابع المعروفة اجتماعياً في تونس خلال هذه الفترة.
وبعدها، حين يستتب الوضع، سيبدأ في وضع مخطط مشروع بنائه القاعدي، وسيجد أكثر من مصدر لتمويل خزائنه، وسيقايض الناس على حريتهم مقابل الخبز، كما فعل ويفعل الجميع في البلاد المقموعة.
ولكن سعيّد ليس مخطئاً، لقد قال هذا الكلام سابقاً ولم ينتبه إليه أحد، وهو في نهاية الأمر لم يصل إلى قصر قرطاج على ظهر دبابة، وإنما استعملها بعد ذلك لإغلاق البرلمان وضرب من أوصلوه إلى قصره. ولكن الخطأ على نخب ضيّعت بلاداً وحرية وديمقراطية بسبب خلافات تافهة أحياناً. واليوم يبيع جزء آخر من هذه النخبة ما تبقّى من أمل عسى أن يغنم من سعيّد أي مكسب ممكن فشل في نيله بالصندوق، ولو على أنقاض شعب. ولكن الأمل يبقى في شارع جرب متعة الحرية ولن يتخلى عنها، ولذلك ستعود المعارضة الديمقراطية مجدداً إلى الشارع، وسيكون خريفاً ساخناً في تونس.