خبراء قانون عن قرار محكمة العدل الدولية حول غزة: إنجاز مهم وهذه تداعياته السياسية والقانونية

27 يناير 2024
خبراء قانون: القرار يمثل مستندًا قانونيًا يمنكن البناء عليه مستقبلاً (Getty)
+ الخط -

تحدث خبراء ومختصون في القانون الدولي لـ"العربي الجديد" عن قرار محكمة العدل الدولية بشأن الدعوى المرفوعة أمامها من قبل جنوب أفريقيا ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، واصفين القرار بأنه "انتصارٌ مبدئيٌ" للشعب الفلسطيني ولجنوب أفريقيا، لأنه "يضع الاحتلال للمرّة الأولى في قفص الاتهام". وأكدوا أنّ القرار "إنجازٌ مهمٌ جدًا" له تداعياته القانونية والسياسية في ما يتعلق بحقّ الفلسطينيين في غزّة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية وما يتصل بها من أعمال محظورة.

في المقابل، يرى خبراء قانون أن عدم تضمين قرار محكمة العدل الدولية أي إشارةٍ لتشكيل لجان تحقيق في صحة الادعاء الجنوب أفريقي بشأن ارتكاب الاحتلال جريمة إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزّة قصورًا كبيرًا وتقاعسًا من المحكمة في الاستجابة لأحد مطالب دعوى جنوب أفريقيا، التي طالبت بضرورة إلزام الاحتلال بالسماح للجان التحقيق المختلفة بالتحقق من الجرائم المرتكبة في قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول.

وكانت محكمة العدل الدولية قد اتهمت، أمس الجمعة، الاحتلال بمخالفته لالتزاماته الواجبة عليه بحكم انضمامه لاتّفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وهو ما يعني اتهام الاحتلال بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحقّ شعب فلسطين، أو جزءٍ منه على أقلّ تقدير، وفق نص الدعوة الجنوب أفريقية.

وفي هذا السياق، يقول المختص بالقانون الدولي ومنسق فريق البحث والدراسات القانونية في منظمة القانون من أجل فلسطين، ناصر ثابت، لـ"العربي الجديد" إن حكم المحكمة بقبول دعوى جنوب أفريقيا، إضافةً إلى إقرار المحكمة بإمكانية تصنيف الشعب الفلسطيني كمجموعةٍ تخضع للحماية بموجب اتّفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، "هما انتصارٌ مبدئيٌ للشعب الفلسطيني ولجنوب أفريقيا، لأنه يضع الاحتلال للمرّة الأولى في قفص الاتهام أمام المحاكم الدولية، كما أنه سوف يساهم في فتح الباب أمام محاكمة الاحتلال وقادته ومسؤوليه وداعميه أمام المحاكم الأخرى، مثل المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية التي تنظر في الجرائم الدولية".

من جانبه، اعتبر المستشار في القانون الدولي بشار شيخ، في حديثه مع "العربي الجديد" أن "إقرار المحكمة باختصاصها القانوني للنظر في دعوى جنوب أفريقيا، وعدم الاستجابة لطلب إسرائيل برفع القضية من اختصاصها في ما يخص التدابير المؤقتة إنجازٌ مهمٌ جدًا، له تداعياته القانونية والسياسية فيما يتعلق بحقّ الفلسطينيين في غزّة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية وما يتصل بها من أعمال محظورة، المحددة في المادة الثالثة، وحقّ جنوب أفريقيا في التماس امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب الاتّفاقية". 

وأضاف أن تطبيق المحكمة اتّفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها على الشعب الفلسطيني "تأكيدٌ من أعلى هيئةٍ قضائيةٍ دوليةٍ على شبهة ارتكاب الاحتلال لجريمة الإبادة الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني، بدليل اتخاذ التدابير المؤقتة كاستنتاجات معقولة حسب تأويل المحكمة، الأمر الذي يضع الاحتلال في موضع الاتهام على جرائمه المرتكبة من خلال إصدار الأوامر المؤقتة ريثما يتم البت في الأسس الموضوعية للدعوى". 

شيخ: الحكم تأكيدٌ من أعلى هيئةٍ قضائيةٍ دوليةٍ على شبهة ارتكاب الاحتلال لجريمة الإبادة الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني

وتابع: "ما صدر اليوم يمثل مستندًا قانونيًا نستطيع البناء عليه مستقبلاً حين البت في الأسس الموضوعية لإدانة الاحتلال الإسرائيلي بالإبادة الجماعية أمام المحاكمة الوطنية والإقليمية والدولية ذات الاختصاص، بل ولإدانة الأطراف والدول والقوى الداعمة له أيضًا، أينما تتيح الولايات القضائية المتعددة اختصاصها".

التدابير المؤقتة

وبخصوص الإجراءات العاجلة التي طالب بها قرار محكمة العدل الدولية، يؤكد المختص بالشأن القانوني ناصر ثابت، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "المحكمة أقرت بمعظم التدابير التي طالبت بها جنوب أفريقيا، باستثناء طلبها المتعلق بوقف العملية العسكرية التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة، لكن، رغم ذلك ونظرًا لطبيعة ونص الإجراءات التي أقرتها المحكمة يمكن استنتاج أن طلب وقف العملية العسكرية قد أتى بصيغةٍ ضمنيةٍ في قرار المحكمة بضمان الاحتلال عدم ارتكاب أيّ أفعال واتخاذ أيّ إجراءاتٍ توصف بأفعال الإبادة ضمن اتّفاقية الإبادة الجماعية". 

ويرى ثابت أن "الإجراءات التي أقرتها المحكمة تحمل في طياتها اتهاماً ضمنياً للاحتلال بارتكابه جريمة الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين، أو جزءاً منهم، والذي سيتم تثبيته في الفصل بالدعوى التي حركتها جنوب أفريقيا في قادم الوقت".

ولفت إلى أن "قرار المحكمة الملزم لكلّ أعضائها سوف يؤسس لعزل سلطات الاحتلال دوليًا، من قبل الدول غير الحليفة مبدئيًا، كما حدث لروسيا من قطعٍ للعلاقات وتجميدٍ للأصول، وسوف يحرج حلفاء الاحتلال، خصوصًا الدول التي تمده بالسلاح والمال المستخدم في عدوانه على قطاع غزّة، نظرًا لإمكانية اتهامهم بتمويل نظام إبادةٍ جماعيةٍ، أو تمويل الإبادة الجماعية، وهي وصمة عارٍ لهذه الدول والأطراف".

وبحسب المستشار في القانون الدولي بشار شيخ، فإنه "كان من الأفضل أن تتضمن الإجراءات التي أقرتها المحكمة على طلبها بوقف العدوان والعملية العسكرية فورًا بنصٍ صريحٍ وواضحٍ، وليس من شأن المحكمة اليوم أن تقر بتدابير تحفظية على أساس النظر بالانتهاكات التي قامت بها إسرائيل، والتي تمثل الأسس الموضوعية للدعوى ضدّها، لكن إقرارها بتحديد الظروف التي تقضي بإصدار هذه التدابير لحماية حقوق الفلسطينيين هو حاجةٌ ملحةٌ، بمعنى أن هنالك خطراً حقيقياً وشيكاً في إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه أو جبره".

لجان التحقيق

لم يتضمن قرار محكمة العدل الدولية أي إشارةٍ لتشكيل لجان تحقيق في صحة الادعاء الجنوب أفريقي بشأن ارتكاب الاحتلال جريمة إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزّة، الأمر الذي اعتبر من قبل بعض المتابعين قصورًا كبيرًا، كما عده بعضهم تقاعسًا من المحكمة في الاستجابة لأحد مطالب دعوى جنوب أفريقيا، التي طالبت بضرورة إلزام الاحتلال بالسماح للجان التحقيق المختلفة بالتحقق من الجرائم المرتكبة في قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ووفق نظرةٍ قانونيةٍ، أفاد المختص بالشأن القانوني ناصر ثابت بأنّ "قرار المحكمة الحالي لا يتعلق بلجان التحقيق، بل محصور في البت بشأن اختصاصها القانوني، ومعقولية دعوى جنوب أفريقيا، والبت في التدابير المؤقتة فقط، أي من دون التطرق للقضية ذاتها".  

ثابت: قرار المحكمة الحالي لا يتعلق بلجان التحقيق، بل محصور في البت بشأن اختصاصها القانوني

وأوضح أنّ "لجان التحقيق مرتبطة ببدء مسار التحقيق، وبناء عليه عند بدء مسار التحقيق سوف تصدر المحكمة، لا بدّ، أوامر أو قرارات تفصيلية تتعلق بتشكيل لجان التحقيق، عددها وطبيعتها وتركيبتها واختصاصها، وسوف تكون مهمتها التحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة، المرتكبة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كما أنها ستعلن عن تفاصيل زيارات لجان التحقيق وإجراءاتها وصلاحياتها، الأمر الذي يخلق التزامًا على سلطات الاحتلال بتسهيل عمل لجان التحقيق من دون أيّ عوائق".

وتابع "ما أعلنت المحكمة عنه اليوم مجرد بدايةٍ لمسارٍ طويلٍ وشاق، قد يستغرق سنوات عديدة، نرى أنّه سوف يفضي في ختامه إلى إدانة سلطات الاحتلال عن جرائمه الموصوفة والمستمرة".

وبحسب بشار شيخ، فإن "تقديم محكمة العدل الدولية آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتّحدة، ووكالاتها المتخصصة، بما في ذلك كلّما يخص تأويل أو تنفيذ أحكام اتّفاقية مناهضة التعذيب والإبادة الجماعية، بما في ذلك التدابير المؤقتة والتحفظية المقررة، سيعطي هامش لأجهزة الأمم المتّحدة المعنية بفلسطين لإمكانية الضغط بما يخص الحصول على تراخيص الدخول إلى غزّة، ويعطي أيضاً الفرصة أمام إنشاء لجان تقصي حقائق، وجمع أدلة، تبعاً لفحوى نص التدابير المؤقتة، والإجراءات التحفظية، التي أقرتها المحكمة.

وأضاف شيخ: "سيكون من المستحيل منطقيًا وواقعيًا، وحفاظًا على مبدأي الحياد وعدم التمييز المنشأ لشرعة الأمم المتّحدة، أن تقوم إسرائيل وحدها بتنفيذ الإجراءات والتدابير التي أقرتها المحكمة، والكفيلة بحماية حقوق الفلسطينيين، لأن النتيجة معروفةً مسبقًا، إذ تم رد الدفوع التي قدمتها إسرائيل ضدّ طلبات جنوب أفريقيا، فيما يخص وجود نيةٍ للإبادة الجماعية، وجهودها الرامية إلى تخفيف الضرر عند القيام بالعمليات، وتخفيف المشقة والمعاناة من خلال الأنشطة الإنسانية في غزّة".

واستطرد "على كلّ حال، سيكون تقرير تنفيذ هذه الإجراءات المزمع رفع المحكمة خلال شهر منذ تاريخ إقرارها للإجراءات خير دليل على عدم نية وقدرة إسرائيل على تنفيذها بالشكل الملزم والمقر من قبل المحكمة الممثلة للجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتّحدة".

تداعيات قانونية لقرار محكمة العدل الدولية

وفيما أشادت معظم دول العالم بقرار محكمة العدل الدولية، بما فيها الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمتها الولايات المتّحدة، عبّر قادة الاحتلال، بالمقابل، عن غضبهم ورفضهم لقرار المحكمة. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعداد محكمة العدل الدولية لمناقشة مزاعم الإبادة الجماعية ضدّ إسرائيل بأنّها "وصمة عارٍ لن تمحى جيلاً بعد جيل"، كما أكد مواصلة الحرب "حتّى النصر التام وإعادة جميع الرهائن"، وشدد وزراء ومسؤولون إسرائيليون آخرون على ضورة مواصلة الحرب على غزة وتجاهل القرار. 

وبشأن تداعيات موقف قادة الاحتلال من محكمة العدل الدولية وقراراتها قانونياً وسياسياً، يقول ناصر ثابت إن "تصريحات قادة الاحتلال بعدم رغبتهم الالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية، وإصرارهم على استمرار العدوان شواهد تدين الاحتلال لاحقًا في قرارات محكمة العدل الدولية القادمة. كما سوف يؤدي هذا الرفض إلى ضغط دولي على الاحتلال لإلزامه بتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية الإلزامية لأعضائها، فضلاً عن عزلة دولية التي قد تخلقها إسرائيل على نفسها إذا لم تلتزم بقرارات المحكمة وأصرت على استكمال عدوانها ضدّ المدنيين في غزّة".

وأضاف "كما تستطيع دولة جنوب أفريقيا؛ في حال عدم التزام الاحتلال بتنفيذ قرارات المحكمة كاملة، الاستعانة بمجلس الأمن لتنفيذ وإرغام الاحتلال على تنفيذ القرارات الصادرة عن المحكمة، وهنا قد يستعين الاحتلال بأميركا لاستخدام الفيتو بغرض منع إصدار قرار يدينه، لكن سوف يحرج الفيتو الولايات المتحدة كثيرًا، لذا من المتوقع أن تعمل أميركا على عدم الوصول إلى هذه المرحلة، من خلال الضغط على الاحتلال من أجل إنهاء العدوان على غزّة حتّى لا يتهم كداعم لنظام الإبادة الجماعية في إسرائيل، في ضوء الاستحقاقات الانتخابية القادمة في الولايات المتّحدة، وتأثير دعمه لنظام الإبادة على ناخبيه".

المساهمون