خبراء في القانون: قرار تاريخي لـ"العدل الدولية" يدين إسرائيل ويمكن التأسيس عليه

26 يناير 2024
أنصار فلسطين في جنوب أفريقيا يترقبون صدور قرار المحكمة (الأناضول)
+ الخط -

أقرّت محكمة العدل الدولية، اليوم الجمعة، فرض عدد من التدابير المؤقتة على إسرائيل في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا، على خلفية الحرب على قطاع غزة، دون أن تأمر بوقفها. وهو قرار رآه خبراء قانونيون "تاريخياً" يؤكد دوافع القضية ويدين السياسة الإسرائيلية.

وتعليقاً على الحكم، قالت نجاة هدريش، محامية تونسية مختصة بالجنايات والقانون الدولي: "الآن مع صدور هذا القرار، حلفاء إسرائيل، وخاصة مزوديها بالسلاح أميركا، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، مجبرون على إيقافها، لأن القرار ملزم لكل الدول".

وبشأن ما يمكن أن يقوم به المحامون، قالت هدريش لـ"العربي الجديد": "لدينا عمل كبير يمكننا تأسيسه على هذا القرار، خاصة في المحكمة الجنائية الدولية"، مشددة على أن "مذكرة الاعتقال التي قدمناها للمحكمة ضد مسؤولي الاحتلال أصبحت واجبة".

واعتبرت حكم محكمة العدل الدولية "قراراً تاريخياً، وخطوة مهمة جداً ضد دولة الاحتلال، وهو قرار ملزم لجميع الدول من أعلى هيئة قضائية بالأمم المتحدة".

ودعت المحكمة إسرائيل للتأكد على الفور من أن جيشها لا يرتكب أي إجراءات موصوفة تندرج ضمن إطار الإبادة الجماعية، مشددة على ضرورة أن تقوم فوراً باتخاذ إجراءات من أجل ضمان توفير الحاجات الإنسانية والمساعدات الملحة للفلسطينيين قطاع غزة.

ورغم الحكم الذي صدر اليوم، إلا أن محكمة العدل الدولية ستواصل النظر في القضية بشكل وافٍ، وهي لم تبتّ اليوم في جوهر الدعوى حول ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، بل اكتفت بإصدار قرارها حول تدابير عاجلة قبل النظر في صلب القضية التي سيستغرق الفصل فيها سنوات.

وكانت جنوب أفريقيا تريد من المحكمة أن تصدر أمراً بوقف الحرب في غزة، والسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية.

إلى ذلك، قال محامي حقوق الإنسان ريد برودي في تصريح لوكالة "رويترز"، إن "محكمة العدل الدولية لم تعطِ جنوب أفريقيا كل ما أرادت، لكن الحكم يأتي تأكيداً على دوافع القضية، وإدانة قوية للسياسة الإسرائيلية".

واليوم الجمعة، نشر "المجلس الأطلسي في الشرق الأوسط" آراء عدد من المحامين وخبراء القانون في مشروع "التقاضي الاستراتيجي"، التابع للمجلس، حول "ما قالته وما لم تقله" محكمة العدل الدولية حول حكم التدابير المؤقتة الصادر اليوم. 

وبينت المحامية سيليست كميوتك أن هذه التدابير "لها تأثير ملزم وبالتالي تخلق التزامات قانونية دولية"، ونعني في هذه الحالة دولة إسرائيل حصراً. ومع ذلك، تستند التدابير إلى الالتزامات القائمة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، التي تنص على "المعاقبة ليس فقط على أعمال الإبادة الجماعية، ولكن أيضاً على التواطؤ معها".  

وأضافت، أنه كما "ذكرت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا ناليدي باندور، إذا وجدت محكمة العدل الدولية أن هناك إبادة جماعية، فإن الدول التي ساعدت وحرضت عليها ستعتبر طرفاً في ارتكاب الجريمة بموجب الاتفاقية".

أما تقى نصيرات فتقول إن تصويت "خمسة عشر قاضياً مقابل اثنين من أعضاء المحكمة صادقوا على جميع الأحكام تقريباً يخبرنا كم هو العالم متحد في النظر إلى الكيفية التي تنجز معها إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة. وهذا من شأنه أن يجعل كل فرد في الحكومة الأميركية... يأخذ على محمل الجد أي دعم دبلوماسي واقتصادي وعسكري آخر تنوي تقديمه مع استمرار إسرائيل في هجومها على غزة".

وتابعت، حتى لو لم تصل المحكمة إلى "حد الدعوة إلى وقف الأعمال العدائية"، إلا أنها "تبقي التركيز على الحاجة الملحة لمنع أعمال الإبادة الجماعية في انتظار مزيد من التحقيق، بدلاً من الدعوة إلى وقف إطلاق نار غير قابل للتنفيذ"، بسبب "حق النقض الأميركي في مجلس الأمن الدولي". 

بدورها تؤكد إليز بيكر أن قرار المحكمة "ملزم قانوناً لإسرائيل، وكذلك اتفاقية الإبادة الجماعية واتفاقيات جنيف". وبناء على ذلك، ليس هناك شك في أن إسرائيل يجب أن تتخذ "إجراءات ملموسة لتخفيف ما رأت المحكمة أنه (وضع إنساني كارثي)، واستعادة الظروف التي يمكن أن تدعم الحياة في غزة، وليس تعريضها لخطر التدمير".

وأردفت "يجب على إسرائيل أن تحد من عملياتها العسكرية في غزة لضمان إيصال المساعدات الإنسانية وتوزيعها في جميع أنحاء غزة. ويجب على إسرائيل ألا تهاجم المدنيين الذين ينتظرون المساعدات الإنسانية"، وفشل إسرائيل في اتخاذ هذه الخطوات، وغيرها، "يعرض سكان غزة لمزيد من خطر الإبادة الجماعية".

ويبين جيسو نيا، مدير مشروع التقاضي الاستراتيجي، أن المحكمة قضت بأن ادعاء جنوب أفريقيا ارتكاب إسرائيل "الإبادة الجماعية" في غزة "أمر معقول بالفعل". وأشارت إلى "الوضع الإنساني الكارثي" في قطاع غزة، ولمست أيضاً "الخطر الحقيقي الوشيك" المتمثل في إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالفلسطينيين قبل انتهاء القضية.

على هذا الأساس، بحسب نيا، وجدت المحكمة أنه "من الضروري الأمر بسلسلة من التدابير المؤقتة (أو الطارئة) لحماية السكان بناءً على مرافعات جنوب أفريقيا. 

وأشار إلى أن التدابير تشمل إصدار الأمر لإسرائيل بالامتناع عن "ارتكاب أعمال بموجب المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، ومنع التحريض على الإبادة الجماعية والمعاقبة عليه، والسماح بتقديم المساعدة الإنسانية، ومنع التدمير والحفاظ على الأدلة على الجرائم، وتقديم تقرير إلى المحكمة في غضون شهر عن تنفيذ هذه التدابير". 

لكنه استدرك بقوله: "مع ذلك، لم يصل الأمر إلى حد الدعوة إلى وقف إطلاق النار. إذن ماذا سيحدث بعدها؟ 

يقول: "يشير بعض المراقبين إلى أن تنفيذ هذه التدابير المؤقتة أمر مستحيل دون وقف العمليات، وأن المحكمة أمرت أساساً بوقف إطلاق النار دون أن تدعو صراحة إلى ذلك. يتخذ الآخرون وجهة نظر مختلفة. ما هو واضح أنه مع قول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل ستواصل الحرب حتى (النصر المطلق)، فإن الأمل يكمن في اعتراف الدول الثالثة بخطورة أمر محكمة العدل الدولية وحث إسرائيل على الامتثال".

وينبّه أن الحكومة الأميركية قد تستغل "غياب الأمر الصريح بوقف إطلاق النار كغطاء سياسي، وتدعي أنها التزمت بما جاء في أمر الإجراءات المؤقتة طوال النزاع من خلال بذل جهود لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة. وينبغي للحكومات المعنية والمدافعين عن حقوق الإنسان أن يتراجعوا عن أي صياغة ساخرة من هذا القبيل".

لكن المهم في الأمر، وفق نيا، أنه بعدما شهدت الأيام الأولى من النزاع استخدام كلمة (إبادة جماعية) كأداة خطابية، فإن أمر المحكمة اليوم "يدفع النقاش بقوة من مستوى الخطاب إلى مستوى واقعي وقانوني".

وترى ليساندرا نوفو أن المحكمة أمرت بـ"اتخاذ تدابير فعالة لمنع التدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بمزاعم أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وذلك لضمان عدم إتلاف الأدلة ذات الصلة أو فقدها قبل مرحلة الأسس الموضوعية للقضية، والتي قد تكون بعد سنوات عدة". 

وتقول: "محكمة العدل الدولية ليست محكمة جنائية، وعلى هذا النحو ، فإنها لن تجد أي شخص (مذنب) بارتكاب الإبادة الجماعية". لكن هذه الأدلة التي "يقع على عاتق إسرائيل الآن التزام قانوني ملزم بالحفاظ عليها، ستكون ذات صلة أيضا أمام محاكم أخرى. وقد أحالت جنوب أفريقيا، إلى جانب دول أخرى تحمل نفس الأفكار، الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي يمكن أن تجد أفراداً مسؤولين جنائياً ما دامت لها ولاية قضائية". 

مكانة مهمة لجنوب أفريقيا

وبغض النظر عن التحليل القانوني، فإن أحد الجوانب الرئيسية لهذه القضية هو من أثارها بالفعل. إن دولة أفريقية تتابع قضية ذات أهمية عالمية أمام محكمة العدل الدولية هي نفسها جديرة بالملاحظة.

وتقدم جنوب أفريقيا نفسها على أنها منتقدة لنظام عالمي ترى أنه يخدم أساساً مصالح الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغنية الذين يروجون لمعايير دولية يطبقونها على الأعداء، لكن ليس على الأصدقاء، أو حتى على أنفسهم في كثير من الأحيان.

ورأى المحلل والمحرر في صحيفة "ورلد بوليتكس ريفيو" كريس أوغونموديدي، أن قضية محكمة العدل الدولية "مؤشر آخر على المكانة المهمة التي تسعى جنوب أفريقيا لاحتلالها باعتبارها من الأصوات الرائدة في القارة في الشؤون العالمية".

وكثيراً ما يقارن المسؤولون في جنوب أفريقيا نضالهم السابق ضد حكم الأقلية البيضاء بالقضية الفلسطينية، وهي مقارنة ترفضها إسرائيل بشدة.
ويفتخر شعب جنوب أفريقيا بحكم القانون القوي الذي تمخض عنه نضالهم ضد الفصل العنصري، والذي غالباً ما يحل نزاعات سياسية داخلية محفوفة بالضغائن.

وفي هذا الإطار، قال الباحث الجنوب الأفريقي البارز في "تشاتام هاوس" كريس فاندوم، إن "رؤية قضاتهم على مقاعد محكمة العدل الدولية وهم يرتدون الأوشحة الجنوب أفريقية يشبه مشاهدة فريق سبرينغبوكس (فريق الرغبي الوطني) يفوز بكأس العالم". وختم بالقول: "هذا مبعث فخر".

وفي أول تعليق له على قرار المحكمة، أكد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الجمعة، أن الحرب في قطاع غزة "ستستمرّ حتى هزيمة حركة "حماس" وتحقيق النصر". 

وقال نتنياهو: "نحن نخوض حرباً عادلة، وسنواصل حتى نحقق النصر الكامل، حتى نهزم "حماس"، ونعيد جميع المختطفين، ونضمن بأن غزة لن تشكل أبداً تهديداً على إسرائيل"، بحسب تعبيره.

المساهمون