يرى خبراء أميركيون أنّ غزو الجيش الروسي لأوكرانيا كشف خطأ تكتيكياً واستراتيجياً مستغرباً، لا سيما لناحية حصول نقص في الغذاء والمحروقات وترك آليات مدرعة في أرض المعركة وفقدان طائرات ومقتل جنود.
لكنّ هؤلاء يعتبرون أنّ خيبات الأيام الأولى التي استخف فيها الروس بعزيمة الأوكرانيين وقدرتهم على الصمود، قد تقود موسكو إلى توظيف كامل قوتها وتدمير مساحات شاسعة من البلاد من دون أي تمييز.
ويقول الخبراء الأميركيون في شؤون الجيش الروسي إنهم فوجئوا بالإدارة السيئة للحملة العسكرية، مع التضعضع بين أرتال الفرق العسكرية المهاجمة وفقدان مئات المدرّعات على ما يبدو، إضافة إلى منع الدفاعات الأوكرانية لسلاح الجو الروسي من إحكام سيطرته الجوية.
وأوضح المحلل الرئيسي للشؤون الدفاعية في مجموعة "راند كورب" للبحوث سكوت بوسطن: "يمكنني أن أفهم تعثر المهمات كلها في غضون أسبوعين أو ثلاثة"، لكن "عندما يتعثرون منذ لحظة الدخول فهذا يعني أنهم يواجهون مشكلة أخرى".
"Can I tow you back to Russia?"
— BBC News (World) (@BBCWorld) February 28, 2022
Videos are circulating on social media of people in Ukraine standing up to Russian troopshttps://t.co/ZjBzEjZddj pic.twitter.com/xG6e6Igbs7
وكان البنتاغون وخبراء القطاع الخاص يتوقعون أن يدمّر جيش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سريعا قدرات أوكرانيا الدفاعية، من خلال نسف قيادة العسكريين الأوكرانيين البالغ عددهم 200 ألف والقضاء على الدفاعات المضادة للصواريخ وإعطاب سلاح الجو التابع لكييف.
لكنّ شيئا من هذا كله لم يحصل في الأيام الستة الأولى من المعركة.
فشل استخباري ذريع
وأشار مايكل فيكرز، مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات سابقاً والمحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى حصول "فشل استخباري ذريع من خلال التقليل بدرجة كبيرة من شأن المقاومة الأوكرانية، كما أن آليات التحرك العسكري (الروسي) كانت مريعة".
سُجلت مفاجأة أخرى تمثلت في الانتشار المحدود وغير الناجع لأسلحة الحرب الإلكترونية
وتحدث فيكرز عن "قصور وتشتت في الهجوم الرئيسي"، كما "تم أسر عناصر، والقضاء على أرتال" عسكرية، واصفا الأداء العسكري الروسي في أوكرانيا بأنه "كارثي من الجوانب كلها".
واعتبر الخبراء العسكريون في مركز "سكوكروفت" التابع لمجلس "أتلانتيك كاونسل" أنّ الروس لم ينجحوا في السيطرة سريعاً على مطار قريب من العاصمة الأوكرانية كييف والاحتفاظ به".
وقال هؤلاء إنّ المطار تعرض على الأرجح لأضرار كبيرة خلال المعارك بما يحول دون استخدامه بحسب الخطة المرسومة أساساً لغزو كييف.
كذلك لفت الخبراء إلى أنّ "خسائر الطائرات والمروحيات الروسية كانت مرتفعة بصورة مستغربة وألحقت الأذى" بالقوات الروسية التي لم تنجح في القضاء على دفاعات الأوكرانيين الجوية.
وسُجلت مفاجأة أخرى تمثلت في الانتشار المحدود وغير الناجع لأسلحة الحرب الإلكترونية، والتي كان يتوقع منها، بحسب المحللين، أن تؤدي دوراً حاسماً في الهجوم على وسائل الاتصال لدى الأوكرانيين.
ولفت تقرير مركز "سكوكروفت سنتر" إلى أنه "لو نجح الروس في قطع التواصل بين القادة العسكريين الأوكرانيين ومرؤوسيهم، لكان سلاح الجو والدفاعات الجوية الأوكرانية سيضطران إلى المحاربة بصورة غير منسقة، ما كان ليخفف من قدراتها على الإيذاء ويجعلها أكثر عرضة للهجمات".
ولفت بوسطن إلى أن الأوكرانيين واصلوا استخدام مسيّرات "بيرقدار" تركية الصنع لردع القوات الروسية.
وقال "إذا ما أصابتهم المسيّرات التركية مرة أو اثنتين، فهذا مقبول"، لكن "إذا ما تعدى ذلك مرة أو مرتين، فهذا يعني أن ثمة مشكلة لدى الجانب الروسي".
ولفت المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إلى أن الروس لا يبدو أنهم نسقوا جيدا "قدراتهم الكبيرة والمتنوعة ولم يديروا الأمور اللوجستية للغزو".
مركبات متروكة
وأضاف كيربي "لدينا مؤشرات هنا، منذ البداية، على أنهم حتى لو كانت لديهم قدرات عسكرية إجمالية متطورة، فهي ليست بالضرورة مدمجة بصورة كاملة".
كذلك من الأمور المستغربة أيضاً الثغرات الروسية على الصعيد اللوجستي.
جزء كبير من هذه القوات مؤلف من عناصر شابة تفتقر للتدريب الكافي لهذا النوع من النزاعات وكانت تجهل على الأرجح أنها ذاهبة إلى الحرب
وقال كيربي الأربعاء "نرى مركبات متروكة. نلاحظ مشكلات في المؤازرة، ليس على صعيد المحروقات فحسب بل أيضا الأغذية".
وأشار بوسطن الذي شارك في عمليات محاكاة حربية متمحورة حول القوات الروسية، إلى أن بعض المؤشرات تدل إلى أنّ جزءاً كبيراً من هذه القوات مؤلف من عناصر شابة تفتقر للتدريب الكافي لهذا النوع من النزاعات وكانت تجهل على الأرجح أنها ذاهبة إلى الحرب.
كما يبدو، بحسب بوسطن، أنّ القوات على الأرض لم يكن لديها أدنى فكرة عما كانت تحاول فعله من خلال غزو أوكرانيا.
وأضاف "إذا كنتم لا تعلمون ما الذي يحصل، لا يمكنكم التأقلم" مع الوضع.
مع ذلك، لا يرى أي من الخبراء أن روسيا خاسرة سلفاً. وبحسب كيربي، فإن تقدم جيشها يراوح مكانه لكن ذلك يمكن أن يسمح لها بحل مشكلاتها اللوجستية.
في المقابل، يخشى الخبراء من أن يندفع بوتين بسبب الغضب الذي يعتريه نحو توظيف كامل قواه المدفعية والصاروخية وقوته الجوية ضد الشعب الأوكراني، مع ما لذلك من أثر مدمر.
وجاء في تقرير مركز "سكوكروفت" "روسيا لا تزال تتمتع بميزات القوة القتالية الساحقة التي سينتهي بها الأمر إلى السيطرة على القوات الأوكرانية تدريجا بموازاة استمرار الحرب".
(فرانس برس)