خبراء القانون في تونس مصدومون من مشروع دستور قيس سعيّد: هيمنة الرئيس بلا مساءلة

01 يوليو 2022
ينص مشروع الدستور الجديد على تمتع الرئيس بالحصانة طيلة فترة رئاسته (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

أثار مشروع الدستور الجديد في تونس موجة انتقادات غير مسبوقة فور نشره في وقت متأخر من مساء الخميس، لمنحه النظام الرئاسي صلاحيات واسعة، وحذف الهيئات الدستورية الرقابية.

وصُدم خبراء القانون الدستوري من صياغة مشروع الدستور الجديد منذ توطئته، معتبرين أنها لا ترقى إلى قواعد السمو الدستوري وضوابط الصياغة القانونية العامة والمجردة. وأسس الرئيس قيس سعيد مشروع الدستور على 142 مادة أرست نظاماً رئاسياً بصلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية وغياب كلي لأي مساءلة وآليات محاسبة.

وألغى سعيّد النظام البرلماني المعدل في دستور 2014 مقابل تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، مع منح الرئيس صلاحية تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها وإنهاء مهامهم. وينص مشروع الدستور الجديد على تمتع الرئيس بالحصانة طيلة رئاسته وعدم جواز مساءلته عن الأعمال التي قام بها في إطار أداء مهامه.

كما تتضمن صلاحيات الرئيس إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة باقتراح من رئيس الحكومة فيما يسمي القضاة باقتراح من مجلس القضاء.

وألغى سعيد في مشروع الدستور الجديد الهيئات الدستورية المستقلة (دستور 2014) الضامنة للحقوق والحريات وللرقابة ولحماية النظام الجمهوري، مبقياً على هيئة الانتخابات فقط، كما ألغى نظام السلط الثلاث المستقلة، ليعوضها بوظائف (التشريعية والتنفيذية والقضائية) صلب الدولة.

وفي مقابل توسيع سلطات الرئيس، قلص مشروع الدستور الجديد إلى حد بعيد من صلاحيات البرلمان، كما قسم الوظيفة التشريعية ببن مجلس النواب وأحدث هيئة جديدة تسمى "المجلس الوطني للجهات والأقاليم"، ستكون بمثابة غرفة برلمانية ثانية.

كما ينص البند 90 من الدستور الجديد على تحديد ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات مع إمكانية التجديد مرة واحدة، غير أنه تضمن إمكانية تمديد المدة الرئاسية بواسطة قانون في حالة تعذر إجراء انتخابات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة لولايته بسبب حرب أو خطر داهم، وتنتهي بزوال الخطر الداهم. وهو نفس ما ورد في الفصل 75 من دستور 2014 "إذا تعذر إجراء الانتخاب في موعده بسبب خطر داهم، فإنّ المدة الرئاسية تمدد بقانون".

وحذف سعيد من مشروع الدستور الجديد إمكانية عزل رئيس الجمهورية في مقابل تنصيص البند 88 في دستور 2014 على إجراءات إعفاء الرئيس "حيث يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها".

واستبدل مشروع دستور سعيد الجهة التي تعوض رئيس الجمهورية في حالة العجز أو الشغور الدائم ليصبح رئيس المحكمة الدستورية (9 أعضاء يعينون آليا بحسب الأقدمية في وظائفهم ويسميهم الرئيس باقتراح من مجلس القضاء) بدل رئيس مجلس نواب الشعب، حيث كان في دستور 2014 يرأس الدولة بالنيابة حتى إجراء انتخابات مبكرة.

واستثنى الدستور الجديد في البند 41، القضاة، من الحق في الإضراب بينما حافظ على صياغة البند 36 من دستور 2014 الذي يستثني الجيش الوطني وقوّات الأمن الدّاخلي والدّيوانة (الجمارك) من الإضراب.

وأثار حذف تنصيص مرجعية الإسلام دين الدولة من البند الأول وطرحه في المادة الخامسة والذي جاء فيه: "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية"، تساؤلات حول تناقض ذلك مع مدنية الدولة التي يتحدث عنها سعيد، معتبرين ذلك تناقضاً واضحاً في المفاهيم يعتري النص الدستوري الجديد.

وقال أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "دستور 2014 كان سيئاً، لكن هذا الدستور أسوأ وأخطر بكثير". وأضاف: "صلاحيات رئيس الدولة هي صلاحيات الوزير الأول في النظام البريطاني البرلماني، وصلاحيات رئيس الدولة في النظام الرئاسي الأميركي مجتمعة معاً وفي آن واحد، ودون أية مسؤولية لا سياسية ولا دستورية ولا جزائية".

وأوضح الدبابي أن النظام السياسي هو نظام رئاسوي بامتياز يختل فيه التوازن لصالح رئيس الجمهورية بطريقة فادحة، حيث يحتكر السلطة التنفيذية ويهيمن على السلطة التشريعية والقضائية وهو غير مسؤول لا سياسياً ولا دستوريا أمام أي هيئة أخرى.

وتابع "رئيس الجمهورية هو الذي يضبط السياسة العامة للدولة، والحكومة (المسؤولة سياسياً أمامه) مسؤولة فقط على تنفيذها". لكن بالرغم من ذلك، فإن المجلس التشريعي يمكن له أن يقدم لائحة لوم لعزل الحكومة وهو ما يذكر بالوضعية التي كانت موجودة في دستور 1 يونيو/ حزيران 1959 بعد تنقيح إبريل/ نيسان 1976 ويوليو/ تموز 1988.

وبحسب الدبابي فإن الرئيس أيضاً بإمكانه حل البرلمان بغرفتيه، إذ له الحق في المبادرة التشريعية، وله الحق في اتخاذ مراسيم إثر تفويض برلماني أو أثناء العطلة البرلمانية أو على إثر الحل البرلماني، ويمارس حق الفيتو لرد مشاريع القوانين المصادق عليها من قبل البرلمان، ويمارس سلطات الأزمة إثر إعلان حالة الاستثناء دون أية رقابة.

ويتابع "توطئة مشروع الدستور سيئة سمجة مشحونة شعبوية بامتياز، مصاغة بطريقة غير سليمة وركيكة جداً لا تمت للصياغة القانونية والدستورية بأية صلة"، مشيراً إلى أنه من "الواضح جداً أنها تتماهى تماماً مع أسلوب وأفكار رئيس الدولة".

وأضاف "في علاقة الدولة بالدين حتى مع التخلي على الفصل الأول، المسألة لم تحل بطريقة سليمة بل تم تعقيدها أكثر بالتنصيص في صلب الفصل 5، على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية وتعمل على تحقيق مقاصد الإسلام من حفظ النفس والعرض والدين والمال في إشارة واضحة لنظرية مقاصد الشريعة للشاطبي وغيره، هذا إلى جانب الحفاظ على شرط الإسلام بالنسبة لرئيس الجمهورية وتنصيص الفصل 44 على تأصيل الناشئة في الهوية العربية الإسلامية".

وبين أن "المشروع تضمن تكريساً مقنعاً وخفياً للبناء القاعدي، خاصة مع عدم التنصيص الصريح على الانتخاب المباشر لأعضاء مجلس نواب الشعب وإخضاعهم لتقنية سحب الوكالة".

واعتبر أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي في كلية الحقوق والعلوم السياسية ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، شاكر الحوكي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "صياغة مشروع الدستور ركيكة إجمالاً لا سيما ما ورد في التوطئة، إذ جاء محشوا بالهرطقات التاريخية والإنجازات المفتعلة".

وأضاف "دستور هجين نقل بشكل حرفي فصولاً عديدة إما من دستور 59 أو من دستور 2014، بينما هناك صياغات عديدة تعود إلى قيس سعيد شخصياً، من قبيل مجتمع القانون والشعب يريد والصعود الشاهق في التاريخ".

وشدد الحوكي على أن "نظام السلطات من الواضح أنه نظام رئاسوي يقوم على تغول سلطة رئيس الدولة على حساب برلمان ضعيف ووزير أول تابع"، مشيراً إلى تغييب الدولة المدنية ودور الأحزاب والهيئات التعديلية المستقلة مع وجود إشارة مقتضبة للجماعات المحلية.

 وبين أن "هناك فصولاً من قبيل انتماء تونس للأمة العربية وانتمائها للأمة الإسلامية فضلاً عن التزام الدولة لتحقيق مقاصد الإسلام في دستور قيس سعيد، كانت تعتبر من المحرمات التي لطالما عمل الإسلاميون على تضمينها في الدستور دون أن يفلحوا في ذلك نظراً لما كانوا يلاقونه من رفض وصد".

وبحسب الحوكي فإن رئيس الدولة هو من يحتكر وحده السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة تابع غير مسؤول أمام البرلمان، ويمكن القول إنه "دستور على المقاس.. مقاس قيس سعيد".

بدوره، وصف أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك مشروع الدستور قائلاً: "هذيان شاهق في التوطئة وتصفية حسابات سياسية مع خصومه على مستوى الدستور دعاية لنظامه ولذاته لم يتجرأ قبله أي دكتاتور على تضمينها في الدستور".

وتابع مبارك عبر حسابه على "فيسبوك": "إهدار ضمانات أساسية للحريات، نظام سياسي منقول حرفياً عن دستور بن علي يضرب في مقتل مبدأ التوازن ويؤسس لنظام السلاطين البالي، ثنائية في السلطة التشريعية بإضافة مجلس جهوي دون صلاحيات عدا تعقيد وتعطيل المصادقة على مشاريع القوانين ذات الصبغة الاقتصادية وكثير من اللخبطة وكوارث بالجملة".

وقال أستاذ القانون والباحث في القانون الدستوري الصغير الزكراوي، إنّ كل رغبات وأفكار رئيس الجمهورية قيس سعيّد مُضمنة في مشروع الدستور الجديد، مشيراً إلى أن "اللبنات الأولى لمشروع الرئيس المتعلق بالبناء القاعدي والنظام السياسي موجودة في مشروع هذا الدستور".

وتابع الزكراوي في تصريح لـ"إكسبراس أف أم" قائلًا: "أصبت بخيبة أمل عند قراءة مشروع الدستور.. لأن هناك شروط وهو نص هام والنص الأعلى وفي أعلى هرم القواعد القانونية ويجب أن تكون صياغته صارمة ولا تشوبه شائبة".

وشدد الزكراوي على "وجود العديد من المشاكل على مستوى الشكل وعلى مستوى الصياغة، حيث أن هناك ثرثرة قانونية وخاصة في التوطئة.. وكأن تاريخ تونس يبدأ مع رئيس الجمهورية".

وأكد أن الاستشارة الإلكترونية كانت فاشلة ولم يكن هناك داع لمغالطة الرأي العام حولها والحديث في توطئة الدستور عن مشاركة مئات الآلاف من الناخبين في الاستشارة.

من جانبها، قالت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، أن مشروع الدستور الجديد يمثل "أكثر من خذلان للتونسيين".

وبينت القليبي، في تصريح لإذاعة "شمس أف أم"، أن إصدار دستور "بهذا الشكل خلال هذا الظرف، مع إمهال 48 ساعة فقط لتحديد الموقف، يبعث برسالة من رئيس الجمهورية للتونسيين، بأن يصوتوا بالموافقة على مشروع الدستور"، بناء على "الثقة" لا على مضمون الدستور، حسب تقديرها.

وقالت القليبي أن "المسار الحالي كاملاً بُني على سردية أن دستور 2014 هو دستور النهضة وما سيأتي مكانه حتماً سيكون أفضل، في حين أن دستور 2014 وقع افتكاكه من أيادي النهضة"، حسب تعبيرها.

وفي سياق متصل، اعتبر رئيس اللجنة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية ابراهيم بودربالة، أن نص مشروع الدستور، لا يتطابق مع المشروع الذي قدمته اللجان الاستشارية. وتابع بودربالة في حديث لـ"إذاعة شمس"، قائلًا إن "اللجنة التي صاغت الدستور دورها استشاري فقط، لكن رئيس الدولة هو صاحب المشروع".

المساهمون