حوار حقيقي أم صوري في تونس؟

09 مايو 2022
يرى سعيّد أنه ليس مجبراً على اقتسام السلطة (الأناضول)
+ الخط -

هناك مؤشرات لا تخطئ أبداً، إذا اجتمعت في أي بلد وفي التوقيت نفسه فإنها تعني الانهيار المحقق والدخول في نفق لا أحد يعرف متى يمكن الخروج منه، والأهم كيفية الخروج منه.

عندما تبدأ الشائعات تفتك بأي بلد، والتسريبات والتنصت على المكالمات تؤثث اهتمامات الشارع، وعندما يتصاعد منسوب العنف السياسي والاجتماعي، وتصبح لغة التخوين والاتهام بالعمالة هي اللغة الوحيدة في التخاطب بين مسؤولي أي بلد، فذلك يعني أنه لم تبقَ إلا خطوات قليلة نحو الانهيار الشامل والهاوية المحققة.

حتى الأزمات الاقتصادية الكبرى يمكن تجاوزها إذا كان البلد موحداً، وقادراً على الحوار. ولكن مستوى العنف الذي وصلت إليه تونس أخيراً لا ينبئ بخير، ويرفع مستوى التحذيرات إلى أعلاها ويهدد بدخولها إلى منطقة هزات كبرى، لا يبدو أن مسؤولي البلد، وعلى رأسهم الرئيس قيس سعيّد، منزعجون جداً منها.

وللمطمئنين بخصوص ما حدث في 2013 في الحوار الوطني السابق، وخروج البلاد من أزمتها هذه المرة أيضاً بالطريقة نفسها، يجدر التذكير بأن التجربتين مختلفتان جداً، السياقات والظروف والأشخاص والأوضاع الاجتماعية كلها مختلفة ما بين 2013 و2022.

أهم اختلاف هو أن الفرقاء ليسوا مستعدين للحوار في الحقيقة، وأولهم سعيّد، الذي يرى أنه ليس مجبراً على اقتسام سلطة هي كلها بين يديه الآن، ويعتقد أنه صار قريباً جداً من تحقيق مشروعه السياسي والدستوري، وبين يديه كل إمكانات الدولة وقوتها. وهناك أحزاب وشخصيات تهلل للنظام الانتخابي القاعدي والنظام الرئاسي، بل الرئاسوي الذي ثار عليه التونسيون.

يريد سعيّد أن يزيّن ذلك بحوار شكلي يسوّق به للغرب ويسكت أصواتاً منزعجة منه باتت تسبّب له قلقاً كبيراً، يُشرك فيه من يريد وكيف يريد. ولكن الاتحاد العام التونسي للشغل، أهم المنظمات التونسية، جدد رفضه "لأي حوار شكلي مشروط غير ذي جدوى يهمّش القوى السياسية الوطنية والاجتماعية الفاعلة". وفي بيان أصدره عقب اجتماع مكتبه التنفيذي جدّد دعوته "إلى حوار حقيقي مباشر واسع لا قرارات مسبقة فيه ولا تزكية لاستنتاجات معدّة له سلفاً"، داعياً إلى "الاتفاق على أهدافه وإطاره وعلى أطرافه ومحاوره وأشكال إنجازه وأجندة أشغاله قبل إصدار أيّ أمر في الغرض".

وسيكون هذا الموقف هو قلب النقاشات في الأيام المقبلة، وربما محدداً في طبيعة الصراع السياسي في هذه المرحلة، لأن رفض الاتحاد لهذا الحوار الصوري سيسقط مخطط سعيّد وربما يخلط الأوراق من جديد وقد يدفعه إلى مراجعة موقفه من حل الأزمة، مع أن هذا يبقى صعباً للغاية.

المساهمون