تكشف تفاصيل مفاوضات غزة حول اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في القطاع، عن تواطؤ أميركي إسرائيلي للضغط على المقاومة الفلسطينية. ويقول قيادي بارز في حركة "حماس"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "المقاومة تحارب على أكثر من جبهة"، مضيفاً أن "المعركة على صعيد جبهة المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال لا تقل ضراوة عن تلك التي في الميدان في قطاع غزة". ويؤكد وجود "تواطؤ واضح بين ممثل الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال خلال عملية التفاوض"، مشيراً إلى أن "تفاصيل ما جرى منذ لقاء باريس 2 (في 23 فبراير/ شباط الماضي)، يحمل بين طياته ما يمكن وصفه بالمؤامرة بين حكومة الاحتلال وإدارة جو بايدن".
ويشدد القيادي نفسه على أن "مدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز أبلغ أحد أطراف الوساطة بأن على حماس أن تتخلى تماماً عن أي مطالب من شأنها إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من رموز المقاومة والأسرى من أصحاب المحكوميات المرتفعة، وأن سقف حماس والفصائل لا بد ألا يتجاوز مكاسب متعلقة بالمساعدات الإنسانية فقط". يتابع أن "الإدارة الأميركية تتفاوض بلسان الاحتلال، فهي لا تريد أن تظهر المقاومة كمنتصر من خلال تنفيذ مطالبها لإتمام صفقة تبادل الأسرى، خصوصاً بعد فشل قادة الاحتلال في تحقيق أي مكاسب فعلية باستثناء الاستقواء على المدنيين بتواطؤ أميركي واضح".
مفاوضات غزة وحرب التجويع
يجزم القيادي الحمساوي أن "حرب التجويع التي تفرضها حكومة الاحتلال على سكان قطاع غزة، وبشكل خاص في شمال القطاع، تتم بتنسيق كامل بين الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال، إذ يتبادل الجانبان الأدوار خلال عملية التفاوض غير المباشر، فنجد أن ما يحذر منه بيرنز يُنفذ في اليوم التالي من جانب جيش الاحتلال في قطاع غزة".
ويعتبر أن "مجزرة الاحتلال في شارع الرشيد في غزة، خلال عملية توزيع المساعدات، تمت بضوء أخضر أميركي، بهدف الضغط على المقاومة لتقديم تنازلات على طاولة التفاوض تجرد الشعب الفلسطيني وسكان القطاع والمقاومة من المكاسب التي حققوها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي"، مؤكداً "أن هذا لن يحدث، وأن الرسائل الواردة من غزة تدعونا إلى الثبات وعدم تقديم أي تنازلات كون الغزاويين لن يحدث لهم أكثر مما حدث طوال الأشهر الماضية".
قيادي في "حماس": حرب التجويع في قطاع غزة تتم بتنسيق كامل بين الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال
ويكشف المصدر أن الحركة "تعكف على إعداد الرد النهائي وتسليمه للوسطاء بشأن ما تسلمته من إطار باريس 2 وما تبعه من مفاوضات في الدوحة". ويلفت إلى أن "تمسك المقاومة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ورموز النضال الفلسطيني من سجون الاحتلال، ليس مطلباً فئوياً، ولكنه يحمل دلالة ورمزية على إنفاذ المقاومة رأيها بصفتها منتصرة في 7 أكتوبر الماضي، وهو ما تريد إسرائيل طمسه بالمجازر وبإفراغ المفاوضات الجارية من مضمونها". ويشير في الوقت ذاته إلى أن "التمسك بإطلاق سراح الأسرى لا يأتي على حساب معاناة أهل غزة، وإنما هو بمثابة حقن لدمائهم، وذلك لرفع كلفة أي حماقة إسرائيلية". ويشدد على أن المقاومة "متمسكة بزيادة المساعدات التي تدخل إلى القطاع وإعادة الإعمار وإغاثة المدنيين والوقف الشامل لإطلاق النار".
كما يوضح القيادي في الحركة أن "زعيم حماس في قطاع غزة يحيى السنوار يتمتع بصحة جيدة"، نافياً التقارير التي وصفها بـ"المغرضة" بشأن وضع السنوار الصحي، مشدداً في الوقت ذاته على أن "قائد الحركة لا يزال يدير المشهد ميدانياً، كما أنه على تواصل دائم عبر قنوات شديدة التأمين مع قيادة الحركة في الخارج". ويعتبر أن ما يبثه الإعلام الإسرائيلي والأميركي "هدفه الرئيسي إحداث ثغرة يمكن من خلالها الوصول إلى السنوار".
ويقول إن "وضع الكتائب على الأرض في الميدان جيد للغاية"، مضيفاً أن "ما فقدته المقاومة من قوتها لا يتجاوز الـ20 في المائة من إمكاناتها المادية، أما على صعيد الخسائر البشرية، فإنها أقل كثيراً مما يعلن عنه جيش الاحتلال". وتابع أن "القوام الرئيسي لكتائب القسام في شمال غزة لا يزال قائماً ومتماسكاً، كما أن هياكل الحركة الإدارية في مناطق شمال القطاع تحاول بقدر المستطاع التخفيف عن كاهل المواطنين هناك".
وعلى صعيد ملف المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة، يقول القيادي في "حماس" إن "مسؤولية إنقاذ المصابين منهم وكبار السن لا تقع على عاتق حكومة الاحتلال وحدها، ولكن تقع أيضاً على عاتق الإدارة الأميركية"، مشدداً على أن "تلك الإدارة مسؤولة بشكل كامل أمام ذوي الأسرى عن حياتهم، في الوقت الذي بذلت فيه حماس والمقاومة جهوداً مضنية للحفاظ على بقائهم على قيد الحياة". وكشف أن "شخصين اثنين من بين 6 أسرى يحملون الجنسية الأميركية، مهددان بالموت، وأن وضعهما الصحي في خطر، لصعوبة تقديم العلاج الكافي لهما، بعدما أصيبا إصابات بالغة جراء القصف الإسرائيلي لمكان كانا موجودين فيه".
في المقابل، يكشف مصدر مصري لـ"العربي الجديد"، عن "تباين مصري أميركي إسرائيلي بشأن الخطة الإسرائيلية المقترحة لإخلاء رفح من المدنيين قبل شن عملية عسكرية واسعة ضد من تصفهم إسرائيل بباقي كتائب حماس". ويوضح المصدر أنه "حتى الآن لم تقدم تل أبيب تصوراً قابلاً للتنفيذ بشأن مئات آلاف الأشخاص الموجودين في رفح، وهو ما يعني أن تنفيذ مثل تلك العملية حالياً أمر مستبعد تماماً، خصوصاً أن مصر حددت مجموعة من الضمانات التي يجب توافرها بشأن النازحين قبل شن هذه العملية، بما يضمن أيضاً عدم تعرض الحدود المصرية لموجات نزوح كبيرة، في ظل وجود ما لا يقل عن 100 ألف نازح بالقرب من السياج الحدودي بين غزة وسيناء".
مصدر مصري: تباين مصري أميركي إسرائيلي بشأن الخطة الإسرائيلية المقترحة لإخلاء رفح من المدنيين
ضغط لتقليل مطالب المقاومة الفلسطينية
يعلق نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية مختار الغباشي على ذلك بالقول إن "هناك تواطؤاً أميركياً إسرائيلياً واضحاً في مفاوضات وقف إطلاق النار، فأميركا لا تريد وقف إطلاق النار، ولو أرادت لمارست ضغطاً حقيقياً على إسرائيل للوصول إلى ذلك، لكنها لا تريد ذلك".
ويلفت إلى أن "المقاومة أزعجت الولايات المتحدة ودولاً كبيرة في العالم الغربي ودولاً في المحيط الإقليمي والعربي، لأن صمودها لم يكن متوقعاً بهذا الشكل الأسطوري لأكثر من أربعة أشهر، لم تستطع إسرائيل خلالها أن تسيطر على قطاع غزة عسكرياً". يتابع الغباشي: "تريد إسرائيل أن تضعف المفاوضات وأن تقلل حجم المطالب الكبرى للمقاومة إلى مجرد المساعدات"، مضيفاً أن "طلبات المقاومة هي الوصول إلى الإفراج عن آخر أسير فلسطيني لدى إسرائيل"، مشيراً إلى أن "إسرائيل لا تريد ذلك، فمرة تتحدث عن شخص واحد مقابل ثلاثة، وأخرى عن واحد مقابل 10".
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحدث بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليس تواطؤاً بمعنى الكلمة، لأن التواطؤ قد يكون سرياً، ولكن الولايات المتحدة هي الداعم والمجرم الأول في هذه المواجهات، فهي أكبر محرك للآلة العسكرية الإسرائيلية". ويشير إلى أن "هناك شراكة كاملة ودعماً سياسياً وإعلامياً وعسكرياً وأمنياً ولوجستياً أميركياً للكيان الصهيوني في كل ما يقوم به من ممارسات، ولو أرادت واشنطن أن توقف الحرب اليوم، لما أوقفت وأجهضت كل مشاريع القرارات التي قدمت إلى مجلس الأمن".
عبد الشافي: لو أرادت واشنطن وقف الحرب اليوم، لما أجهضت كل مشاريع القرارات التي قدمت إلى مجلس الأمن
ويختم عبد الشافي بأن "إسرائيل وأميركا تريدان القضاء على كل حركات المقاومة الفلسطينية لتمهيد الأرض بالكامل لإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية في القطاع والضفة الغربية والقدس المحتلة، وأن تجعل من قطاع غزة نموذجاً لكل من يفكر في أن يعارض الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، الذي يريد استعادة هيبته في المنطقة، التي نال منها طوفان الأقصى، وأيضاً تمهيد الأرض لمشروعات تجارية، والمرور عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أعلن سابقاً عن مشروع ممر الهند وقناة بن غوريون".